ان الكثير من الاسرار التي قد تستخلصها تركيا من خاشقجي، تتداخل مع اسرار اخرى للدول التي عملت السعودية معها في ميادين (الربيع العربي) وغيرها من الملفات الكبيرة، وفي مقدمة تلك الدول اميركا التي شهدت علاقتها بتركيا مناكفات متسلسلة، مؤخرا، تتغذى من طبيعة علاقات واشنطن بحلفائها في المنطقة...
يوم 22-11-1963 اغتيل الرئيس الاميركي جون كندي في مدينة دالاس – ولاية تكساس، أي قبل خمسة وخمسين عاما. وحتى اليوم، لم تتوصل لجان التحقيق التي شكّلت الى نتيجة حاسمة، بشان الجهة التي وقفت وراء تلك العملية! وبعد احداث ايلول / سبتمبر 2001 في اميركا، سلّم ملف هذه العملية الارهابية، غير المسبوقة، الى هنري كيسنجر، وزير الخارجية الاميركي ومستشار الامن القومي الاسبق، للتحقيق، الاّ انه اعتذر بعد مدة قصيرة من التكليف، تاركا الاف علامات الاستفهام امام حقيقة هذا الحدث الذي مازال يثير الجدل، بشان الجهات التي وقفت خلفه، والمستفيدة منه.
لاشك ان هناك عمليات اغتيال كثيرة حصلت، لشخصيات عربية مختلفة، لكنها لم تحدث الضجة التي احدثتها عملية اغتيال او قتل جمال خاشقجي، التي حصلت مؤخرا في القنصلية السعودية باستنبول، وسبب الضجة لايكمن في كون خاشقجي شخصية صحفية معروفة، او لأن الواقعة غير مسبوقة بطريقة تنفيذها، بل لانها من العمليات المركبة، أي العمليات التي تقف وراء تنفيذها مصالح عدة متشابكة ومتصارعة ايضا، يصعب، بل يستحيل البوح بها، فخاشقجي ليس فقط صحفيا، اختلف مع حكومة بلاده وغادرها معارضا، او محتجا بهدوء. ولو كان الامر كذلك لما اقدمت السعودية على هذه العملية المكلفة، التي وضعتها في موقف لاتحسد عليه.
اذن ماهي الاسباب الحقيقية او المسكوت عنه في قضية خاشقجي؟ ولماذا نفذت العملية في تركيا وفي مبنى قنصليتها هناك، مع ان بامكانها ان تصفي الرجل بآلاف الطرق التي تستخدمها اجهزة المخابرات في العالم، لاسيما ان المخابرات السعودية قوية وتمتلك اذرعا طويلة؟ .. مثل هذا السؤال تردد على السن اغلب المحللين والمتابعين، بل ان العامة من الناس تحدثوا عن ذلك. فهل المعنيون بالامر في السعودية بهذا المستوى السطحي من التفكير وقلة الدهاء حقا؟ .. الشيء الذي يعرفه المتابعون، ان خاشقجي لديه ميول باتجاه جماعة الاخوان المسلمين، لم يستطع اخفاءها، وقد قيل انه امتدح الداعية الاخواني، المثير للجدل، يوسف القرضاوي، على الرغم مما بين السعودية وبين الاخوان من خلاف كبير. وانه ايضا، وهذه مسالة في غاية الاهمية، كان مديرا لمكتب الامير تركي بن عبدالعزيز، رئيس جهاز المخابرات السعودية، وقد بدات علاقتهما منذ نحو ثلاثة عقود، عندما لفت الصحفي الشاب خاشقجي، انتباه الامير حين كان مراسلا، من افغانستان، لصحيفة (عرب نيوز)، التي تتخذ من الرياض مقرا لها، ثم اصبح رئيسا للتحرير وبعدها اصبح وبدعم من الامير تركي، رئيسا لتحرير جريدة الوطن السعودية القريبة من العائلة المالكة .. هذه الرحلة الطويلة التي كان فيها خاشقجي قريبا من مصادر القرار، جعلته اشبه بالصندوق الاسود الذي ازدادت اهميته كثيرا مع تقادم السنين وتراكم الخبرة، لاسيما بعد احداث (الربيع العربي) ودور السعودية فيه، والخلافات الكبيرة بينها وبين تركيا في ملفات غاية في الحساسية، وتحديدا في مصر سوريا والخلاف الخليجي مع قطر، الدولة الراعية للاخوان، والتي جندت قناة الجزيرة لتغطية حادثة الاغتيال بطريقة غير مسبوقة، بل تكاد تكون الحدث الوحيد الذي ظلت تنشغل به على مدار الساعة ..!
من الممكن القول، ان خاشقجي لو اختار اميركا او أي دولة اوربية مقرا له، لما حصل له الذي حصل. لكنه باختياره تركيا، الدولة التي يحكمها الاخوان المسلمون، وسعيه للزواج من تركية (خطيبته خديجة جنكيز)، شغل السعوديين ودفعهم للتخلص منه، ان لم يعد الى بلاده، وهو العرض الذي قيل ان الفريق المنفذ للعملية عرضه عليه ولم يقبل. وبذلك فانه اختار المكان الخطأ مقرا دائما للعيش، متجاهلا حساسية وضعه واهمية مايملك من معلومات، وطبيعة العلاقة بين بلاده، السعودية والبلاد الجديدة التي سيصبح احد مواطنيها. مشيرين هنا الى انه من اصول تركية.
امر مهم اخر، جدير بالذكر، هو ان الكثير من الاسرار التي قد تستخلصها تركيا من خاشقجي، تتداخل مع اسرار اخرى للدول التي عملت السعودية معها في ميادين (الربيع العربي) وغيرها من الملفات الكبيرة، وفي مقدمة تلك الدول اميركا التي شهدت علاقتها بتركيا مناكفات متسلسلة، مؤخرا، تتغذى من طبيعة علاقات واشنطن بحلفائها في المنطقة، واليات ادارة ملفاتها التي لم يرض بعضها حكومة اردوغان. مايعني ان هناك اكثر من جهة وجدت في اختيار خاشقجي لتركيا مقرا لاقامته خطرا عليها .. هذا لايعني ان تركيا قد تعلن امام الملأ هذه الاسرار، بل ستستفيد منها كمرجعيات ضرورية، بعد ان تزودها بتصورات مهمة ، لاسيما ان معركة زعامة العالم السني بين البلدين، تركيا والسعودية، في اوجها ... كل هذا يجعلنا نقول ان تصفية خاشقجي، ستصبح اشبه بتصفية جون كندي، واحداث 11ايلول الشهيرة، والتي يصعب، بل من المستحيل البت النهائي بالجهة التي وقفت وراءها، وان عرفت اسماء الشخوص المنفذين والمخططين معا!!.
اضف تعليق