السعودية وبالخصوص العائلة الحاكمة في مأزق خطير، وصورتها العالمية اهتزت ووضعها أصبح صعبا جدا، بعد اعترافها بقيام أفراد أجهزتها الأمنية بقتل الصحافي جمال خاشقجي بطريقة بشعة جدا داخل قنصليتها في اسطنبول بعد كذب وتزييف لمدة 20 يوما، في عملية تستر هي الأضخم في التاريخ الحديث...
السعودية وبالخصوص العائلة الحاكمة في مأزق خطير، وصورتها العالمية اهتزت ووضعها أصبح صعبا جدا، بعد اعترافها بقيام أفراد أجهزتها الأمنية بقتل الصحافي جمال خاشقجي بطريقة بشعة جدا داخل قنصليتها في اسطنبول بعد كذب وتزييف لمدة 20 يوما، في عملية تستر هي الأضخم في التاريخ الحديث.
ويأتي الاعتراف وتغيير السعودية روايتها السابقة التي تفتقد للمصداقية، نتيجة نشر تركيا أدلة جديدة، حيث تقوم الرياض بالاعتراف بالدليل وتنكر بقية القصة، وما زالت ترفض الكشف عن جثة القتيل. ربما تكون هذه الأزمة وردود أفعالها هي الأقوى على النظام السعودي منذ تأسيس الدولة باسمه، وارتدادات جريمة قتل خاشقجي على العائلة الحاكمة أقوى من ارتدادات جريمة حادثة 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي استهدفت أمريكا وسقط خلالها الآلاف بمشاركة نحو 15 شابا سعوديا إرهابيا. ولكن رغم بشاعة الجريمة وعدد القتلى وضرب أمريكا في عقر دارها إلا أن السعودية استطاعت تجاوز تلك الأزمة الخطيرة.
فهل تستطيع تجاوز هذه المرحلة بعد اعترافها بجريمة قتل الإعلامي جمال خاشقجي كما فعلت بعد 11 أيلول/سبتمبر، أم أنها هذه المرة ستدفع ثمن الجريمة؟ وهل ستستجيب لنداء الشعب بالتحول إلى نظام ومملكة دستورية كحد أدنى؟
النظام السعودي محظوظ وتخدمه العلاقات الواسعة وبالخصوص التجارية، فجريمة قتل جمال خاشقجي وقعت في أيام الرئيس ترامب التاجر ورجل المال المعروف الذي لديه علاقات ومصالح مع العوائل الحاكمة في الخليج ومنها السعودية وبالخصوص مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وترامب صرح مرات عديدة بانه ينظر للسعودية كبقرة يجب حلبها، وان على النظام السعودي ان يدفع لأمريكا المزيد من المال مقابل الحماية. ولقد استطاع أن يجبر السعودية على دفع أكثر من 550 مليار دولار، ولأنه رجل أعمال يهمه المال، حاول خلال جريمة قتل جمال خاشقجي حماية السعودية والتغطية عليها والتصريح مرات عديدة انه مهما كانت مسؤوليتها إلا أن المال السعودي هو الأهم، فنحن أحق من ان يذهب إلى دول أخرى مثل روسيا أو الصين أو غيرها لشراء أسلحة.
قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي، تفاعلت معها جميع وسائل الإعلام في العالم، وبالخصوص جريدة “واشنطن بوست” الأمريكية الشهيرة والتي لها تأثير وقوة، وقد جعلت كشف الحقيقة هدفا لها، لان جمال كان يكتب فيها في أيام اغتياله. وتحولت إلى قضية رأي عالمية مهمة للجميع، لأنها أول عملية تصفية مواطن داخل قنصلية بلاده بتلك البشاعة والوحشية على أيدي فرق متخصصة رسمية تم إرسالها من الرياض بعد تخطيط معد مسبقا، وباعتراف من النظام السعودي بذلك مجبرا، بعد محاولات من الكذب والنكران أمام الأدلة التي تقدمها تركيا. أنها جريمة أدت إلى ترنح أركان الحكم في السعودية، وجعلت سمعته في القاع في كل مكان في الغرب والدول العربية وغيرها، وحرقت كل ما بذله النظام من مال للدعاية والعلاقات العامة لتلميع سمعته، ولم تستطع الماكنة الإعلامية السعودية الضخمة الصمود أمام الحقائق.
معاقبة من لا يدعم الروايات الحكومية
ولكن ما تداعيات تلك الجريمة البشعة على الشعب السعودي؟
آراء ومواقف الشعب حول الجريمة التي اعترف بها النظام مغيبة نتيجة سياسة ملاحقة واستهداف كل من يعبر عن رأي يخالف توجهات النظام أو ينتقد أو يطالب بالإصلاح والتغيير أو يعارض، حيث عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون، واستهداف المعارضين في الخارج ومحاولات إعادتهم للمملكة أحياء أو جثثا أو قطعا كما حدث مع الإعلامي جمال خاشقجي، بل أن السلطات بدأت بمعاقبة من يصمت ولا يدعم الروايات الحكومية، فهي قد طلبت وعبر حملات إعلامية رسمية من المواطنين الدفاع عن الحكومة والمشاركة في برامج التواصل، ومن الصعب معرفة آراء الشعب الحقيقية في ظل وجود النشطاء والحقوقيين والمهتمين بشؤون الإصلاح ولهم رؤى ومشاريع وطنية في السجون تعتقلهم السلطة بسبب آرائهم والبعض في الخارج، والمسموح له بالحديث داخل الوطن هم فقط الأبواق والمطبلين للسلطة، ولكن هذا لا يلغي حالة تتزايد من الغضب الشعبي داخل البلاد.
آراء الشارع في السعودية تتوزع حسب التالي: هناك فئة متفائلة بان الضغط على النظام وبالخصوص على العائلة الحاكمة سيؤدي إلى اعترافه بالجريمة والكشف عن المسؤول الحقيقي عنها، وسيتجه النظام لتغطية ضعفه عبر قيامه بحملة وطنية للتغيير كالإفراج عن المعتقلين وطرح حوار وطني لمشروع إصلاحي وتقديم معونات اقتصادية ورفع الرسوم والضرائب كمحاولة لكسب الشعب كما فعل الملك عبد الله.
وهناك فئة ترى أن النظام سيتمكن من امتصاص الغضب الدولي ويقدم تنازلات ويشتري مواقف الدول المؤثرة ليحافظ على كيانه واستمراريته، ما يعني استمرار الوضع السابق على ما هو عليه.
وهناك فئة متشائمة ترى أن الضغط الخارجي والغضب الشعبي سيؤديان لتعنت السلطة أكثر فهي دولة الحزم والعزم ولا ترى نفسها على خطأ بقتل خاشقجي وستبذل كل ما تستطيع للحفاظ على سلطاتها وربما بالمزيد من الاستبداد والقمع.
سياسة قمع وترهيب الشعب تتفاقم، وحالة الخوف وعدم الثقة في السلطة الحاكمة تزداد أكثر في ظل إصرارها على فرض سياستها ورؤيتها بأبشع الأساليب البوليسية وربما تجلت بصورة واضحة في قيامها بقتل جمال خاشقجي بتلك الطريقة البشعة.
فماذا ستفعل بمن هم داخل المملكة، حيث لا إعلام يغطي ويكشف عن حقيقة ما يقع على الشعب من جرائم داخل مؤسسات الدولة التي ترى أن لها الحق أن تعمل كل شيء بحق أي مواطن يحمل الجنسية على أرض السعودية؟
الشعب يشعر بالخطر والقلق والخوف من تداعيات جريمة قتل خاشقجي واعتراف النظام بها، وأن من قام بها هم كبار المسؤولين في مكتب ولي العهد، في محاولة لتبرئة نفسه وتقديم الجناة الذين هم أدوات تعمل للعائلة الحاكمة أكباش فداء يتم التضحية بهم ليبقى هو في السلطة.
ورغم خطورة الوضع، ما زالت العائلة الحاكمة تتعامل مع الشعب بفوقية واستعلاء وإهانة، كمطالبة دول العالم عدم التدخل في جريمة قتل خاشقجي على أساس أن الضحية يحمل الجنسية السعودية، والقتلة المجرمون سعوديون، يعملون في مناصب عليا في الحكومة، ومن أمر بالقتل سعودي، وعملية القتل وقعت على أرض سعودية وهي القنصلية، وبالتالي فهي قضية سعودية. هذا التبرير يجعل أي مواطن يحمل الجنسية السعودية في دائرة الخطر والاستهداف وربما يحدث له ما حدث لجمال خاشقجي، ولا يحق لأي سلطة في العالم التدخل، فالمقتول سعودي والقاتل سعودي والأرض سعودية!
السلطات الحاكمة جلبت المصائب من خلال استبدادها وفسادها ونشر ثقافة التكفير والكراهية للآخر، والتي ازدادت في عهد الملك سلمان، حيث أصبح كل شيء بيد رجل واحد يتحكم بالبلاد مما سبب حالة غضب عند بقية فروع عائلة آل سعود الحاكمة.
كذب وتزييف وتستر
الاعتراف بجريمة قتل خاشقجي ولو بروايات تفتقد كامل الحقيقة، يشكل منعطفا تاريخيا وبداية مرحلة جديدة، فالشعب اكتشف حقيقة العائلة الحاكمة أكثر من أي وقت آخر، وقيام الإعلام السعودي بشن حملة اتهام ضد تركيا وقطر كونهما يقفان خلف عملية اختطاف خاشقجي، سقطت أمام ما تملكه الأجهزة الأمنية التركية من أدلة موثقة تثبت قتله داخل السفارة بتخطيط مسبق.
تمر السعودية بمرحلة حرجة وخطيرة بسبب سياسة العائلة الحاكمة المسيطرة على كل شيء وقد حان وقت التغيير لتشييد وطن للجميع وليس لعائلة حاكمة، فالتغيير أصبح مطلبا دوليا وليس فقط داخليا.
لقد قيل أن العالم تغير بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، واليوم هل من الممكن القول أن السعودية بعد اعتراف حكومتها بارتكاب جريمة قتل جمال خاشقجي أصبحت في مرحلة جديدة مختلفة عن السابق، وانه حان وقت التغيير إلى نظام دستوري؟
التغيير مطلب شعبي
لقد فوتت السلطات السعودية فرصا ثمينة للتغيير وتشييد وطن حضاري، منها بعد احتلال صدام للكويت، وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 حيث اتسعت حركة المطالبة بالإصلاح بشكل واضح حين قدم الإصلاحيون عريضة “الإصلاح الدستوري أولا” المطالبة بالتحول إلى مملكة دستورية عام 2003 ووثيقة شركاء في الوطن نيسان/ابريل 2003 لتعزيز الوحدة الوطنية ووقف الهدر المالي، وفي آذار/مارس 2011 تم نشر نص الإعلان الوطني للإصلاح في السعودية بمشاركة عدد من المثقفين وجرى التركيز على نقاط مهمة تشكل خريطة طريق للخروج بالبلاد إلى بر الأمان.
إن عدم استجابة العائلة الحاكمة لتلك المطالب وقيامها باعتقال مجموعة من الموقعين على البيانات الوطنية أدى إلى ارتكاب المسؤولين في السلطة المزيد من الأخطاء والمخاطر التي تهدد وجود البلاد، كما يحدث اليوم.
السعودية في مأزق بسبب سياسة العائلة الحاكمة، وقد حان الوقت للتغيير والإصلاح الشامل.
اضف تعليق