السرقات الأدبية والعلمية والثقافية العامة في العالم الافتراضي ـ ألنت وبشكل خاص في منظومة التواصل الاجتماعي: الفيسبوك، التوتير، الهواتف الذكية وغيرها من تقنيات التواصل الاجتماعي عبر النص المكتوب والصورة والصوت، هي امتداد للسرقات المذكورة في العالم الواقعي والمتفشية على نطاق واسع في المجتمعات المتخلفة...
السرقة بكل الأديان والثقافات الإنسانية تعتبر من الكبائر، ونعلم كما ورد في الاسلام وحتى قبله بأن عقوبتها قطع اليد، ورغم تغير ظروف الحياة والانتقال الى المدنية ودولة القانون بهذا القدر او ذاك والبحث عن علاجات ذات بعد تربوي اصلاحي، إلا ان السرقة بقت متفشية بغض النظر عن شدة عقوبتها، لأن الأمر يتجاوز حدود العقوبة، بل أن الأولية اعطيت لأسباب السرقة قبل العقوبة من منطلقات وقائية بحته وبعيدا عن التطرف في العقاب الذي يحرم الأنسان من فرص أخرى افضل للعيش الكريم.
والسرقة باعتبارها فعل جرمي، وهي تتمثل بأخذ ملك الغير عن قصد من غير معرفة المالك أو بالقوة، ودائما ما تكون مصحوبة بنية السرقة، وهي حرمان المالك من ملكه، والانتفاع بهذا الملك من قبل السارق، كالأموال والملابس والاطعمة والاشياء الثمينة وأي شيء فيه منفعة، لتصل الى الارقى وهو سرقة النتاج الفكري للآخرين، والسرقة تنطوي على اربعة اركان وهي الأخذ والشيء المنقول وملوك للغير والقصد الجرمي ” بحسب التعريف القانوني لها “.
السرقات الأدبية والعلمية والثقافية العامة في العالم الافتراضي ـ ألنت وبشكل خاص في منظومة التواصل الاجتماعي: الفيسبوك، التوتير، الهواتف الذكية وغيرها من تقنيات التواصل الاجتماعي عبر النص المكتوب والصورة والصوت، هي امتداد للسرقات المذكورة في العالم الواقعي والمتفشية على نطاق واسع في المجتمعات المتخلفة، في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية والثقافية، وهي امتداد لمنظومة الفساد الأخلاقي والثقافي والإداري في مختلف المؤسسات الاجتماعية الرسمية منها وغير الرسمية، وهي تعكس بنفس الوقت انعدام ظاهرة الديمقراطية في الحياة السياسية والحياة العامة، مما يؤدي إلى فساد الحياة الفكرية وضحالة مصادر المعرفة والمعلومة وتدهور وضعف الثراء المعرفي والذهني للفرد والمجتمع وما يسببه من محدودية وتحجر العقل في نتاجه.
وفي الوقت الذي نفهم فيه إن عملية الإبداع والكتابة في مختلف المجالات هي عملية ذهنية ـ عقلية تستدعي من صاحبها المزيد من تركيز الانتباه والاستفاضة في موضوع الاهتمام أو التخصص الطويل الأمد في مجال ما، أدبي أو علمي أو فني وغيرها من التخصصات والاهتمامات والقائم على التراكم القرائي للمعارف المختلفة ويعقبها لاحقا مخاض أبداعي ـ نتاج يحمل خصوصية ذهنية مميزة لصاحبه، نجد في الطرف الآخر انعدام لهذا كله، وأن ما يجري لديه هو سلوكيات مطابقة تماما لتقنيات سرقة المال المادي، من تحايل وتفنن مريض دون الاكتراث بمعاناة الضحية المسروقة، حيث انعدام الوازع الأخلاقي لدى مرتكب الجريمة. وعقاب جرائم السرقات الفكرية مطابق لعقوبات السرقات المادية في معظم القوانين الدولية الخاصة بالحفاظ على الملكية الفكرية، وهذه العقوبات تتراوح بين الغرامة المالية وسحب الشهادة العلمية أو الدراسية إن وجدت لديه ومنعه من مزاولة المهنة وانتهاء حتى بالسجن لمدة تقررها القوانين الخاصة بذلك.
وبفعل خصوصية تقنيات التواصل وميزتها من حيث عالميتها وتفاعليتها وتنوعها وسهولة استخدامها واقتصاديتها، أصبحت في الجانب الآخر وبسبب اختفاء الحضور الفيزيقي المباشر للأشخاص مرتعا سهلا وبيئة مواتية للسرقات العلمية والأدبية والفنية والثقافية، إلى جانب عمليات النصب والتحايل بمختلف وجوهه الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها. وتجري في المجتمعات المتقدمة والمنتجة لتقنيات المعلومات رقابة دولية لمجمل مسارات هذه التقنيات وإفرازاتها الجانبية الضارة بما فيه الحفاظ على حق الملكية الفكرية للمعلومة الالكترونية.
وتقنيات سرقة المعلومات والإبداعات العلمية والأدبية والثقافية لا تختلف في جوهرها عن تقنيات السرقات في العالم الواقعي الجاري في نطاق المجتمعات المختلفة على مستوى السارق الفرد أو مؤسسة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما نشاهده اليوم من سرقات واسعة على صفحات المختلفة، وخاصة الفسبوك، يبدأ من عملية سرقة نص كامل دون ذكر كاتبه الأصلي، كعملية سرقة مقال بحذافيره أو بحث وتغير اسم الكاتب، بل وحتى كتاب بأكمله وتحميله في ألنت بعد تغيرات في العنوان والغلاف مع أبقاء المحتوى، أو عملية تضمين الكتابة بمقاطع كاملة من كاتب آخر دون الإشارة أليه ونسبه إلى ” الكاتب ” السارق، أو عملية تفسيخ لمقال أو بحث أو خاطرة فنية وحتى لوحات رسم وأجراء تغيرات في متنه لإغراض التمويه والتضليل في محاولة إخفاء الكاتب أو الفنان الأصلي، أو السرقة عبر التوليف من أكثر من مقال ومحاولات إضفاء صبغة جديدة على العمل المسروق، أو السرقات الكاملة من الموساعات العالمية والعربية ودوائر المعارف المختلفة دون الإشارة لها.
ومن أسباب السرقات العلمية والأدبية والثقافية المختلفة قد تكون أبرزها هو البحث السريع عن الشهرة والمكانة في عالم هائل وشاسع لا يقبل إلا بالمعلومة والعطاء والإبداع كمقياس من مقاييس التفرد والهيبة الاجتماعية حتى وان كانت افتراضية، وعلى حد قول فرانسيس بيكون: ” فأن المعرفة قوة “، ولكنها لدى السارق قوة غير مشروعة لأنها نتاج للسرقة وليست سمو للعقل بما لديه. ومن الأسباب الأخرى هو إخفاء الشخصية الحقيقة للسارق والظهور بمظهر المتمكن والبارع في مجال ما في وسط معلوماتي قد يكون هو اجهل الناس فيه، أو إرضاء لذات مهزومة عبر ” لايك ” أو إعجاب من جمهور اختار السارق بنفسه وسطه وناسه المحددين، أو البحث عن علاقات خاصة عبر ترك مختلف الانطباعات المطابقة للشريك الأخر وهي تقترب من سلوكيات النصب الاجتماعي عن بعد، وقد يكون من الأسباب أيضا الحصول على المال عبر التمويه بأنه حامل لقدرات معلوماتية قد تفيد الآخر في مجال ما، ناهيك عن عمليات النصب والتحايل المالي وغيرها من أشكال السلوك السيكوباتي.
أن الكشف عن السرقات الفكرية يمكن بنباهة القارئ الناقد أن يتأكد من العمل المسروق ميدانيا وبذكاء متفحص من خلال الاختلافات المميزة في التطرف في الكتابة والأداء لدى السارق عندما يحاول الأخير الكتابة بنفسه دون السرقة، سيجد القارئ رداءة الأسلوب وتدني المحتوى الفكري وانعدام الفطرة المطلوبة والاسترسال في الكتابة، إلى جانب الأخطاء اللغوية الشنيعة في سياقات استخدام اللغة،بالإضافة إلى جانب الارتباك في صياغة الأفكار والانتقال غير المستقر في تسلسل منطقي وغيرها من المسارات المطلوبة لعملية الإبداع وورشة الكتابة.
على العموم نستطيع القول إن العالم الافتراضي يتأثر كثيرا ليست بذات التكنولوجيا المعلوماتية المنقولة لديه، بل بمجمل القيم والأخلاق السائدة في المجتمع الواقعي الذي تنقل إليه التكنولوجيا المعلوماتية، وهذا الفرق الكبير بين استنبات التكنولوجيا في وسط مواتي لها نسبيا وبين نقلها إلى مجتمعات متخلفة تعاني من مكانة متدنية في مستويات العلم والإبداع والثقافة واحترام عطاء الآخرين والحفاظ عليه بعيدا عن العبث فيه ومسخه وتشويهه وسرقته.
اضف تعليق