عندما تقلب صفحات "عاصفة الحزم السعودي" يزداد تعجبك من الانقسام الكبير الذي ولدته هذه العملية العسكرية ضد اليمن، الانقسام تنوع بين الرافض لها جملة وتفصيلا على اعتبار ان لا سبب في العالم يمكن ان يدعو الدول العربية "الغنية" لضرب دولة عربية أخرى "فقيرة" مهما كانت المبررات التي دعتها الى استخدام الضربات الجوية، اما المصفقون لها "عاصفة الحزم"، فقد اعجبوا بسياسة الحزم التي اتبعتها السعودية في عهد ملكها الجديد "سلمان بن عبد العزيز" في الرد على تمدد "ايران" او "الدولة الصفوية" او "الروافض" بحسب التسميات والتشبيهات التي اطلقها المؤيدون للعملية العسكرية على "الحوثيين" كونهم ينتمون الى الطائفة "الشيعية" في اليمن، والتي تقتضي (بحسب وصفهم) التبعية لإيران وتلقي الدعم منها.
وقد شهد العالم العربي خلال الأسبوعين الماضيين، العديد من المظاهرات الرافضة لاستمرار القصف ضد اليمن، ومن بين الدول التي خرج مواطنوها للتعبير عن رفضهم، كانت هناك دول مشاركة في عملية "عاصفة الحزم" او موافقة عليها (مصر، باكستان)، وقد شاركت العديد من الأحزاب والمؤسسات الحقوقية والإعلاميين في مسيرات مهمة حشدت الرأي العام من اجل وقف العملية التي اعتبرت تدخلا عسكريا غير مبرر في شؤون دولة عربية مسلمة، ناهيك عن الاضرار البشرية والمادية الكبيرة التي تسببت بها حتى الان في بلد يعتبر من افقر بلدان العالم.
ويبدو ان على السعودية اضافة المزيد من الحساب على فاتورة "عاصفة الحزم" المفتوحة والتي ستكلفها الكثير من الإخفاقات التي لا يمكن تغطية بعضها بأموال "البترودولار السعودي"، فاعلان الحرب ليس بالأمر الهين على الاطلاق، كما ان تشكيل "تحالف عربي" لضرب بلد عربي اخر، لن يستطيع ان يحافظ على مشروعية الأسباب التي دعت المتحالفين لاستخدام القوة العسكرية لفترة طويلة من الزمن، خصوصا اذا كانت هذه الضربات من دون جدوى او تخطيط، أضف الى ذلك، التردد الذي أصاب السعودية وحلفاءها في القيام بالخطوة التالية بعد تنفيذ الضربات الجوية، فلا أحد يعرف كيف ومتى وما السبيل الى إنجاح "عاصفة الحزم" في تحقيق هدفها الرئيسي والمتمثل في إيقاف تقدم الحوثيين نحو مدينة "عدن"، وعودة الرئيس الهارب "هادي" الى الحكم في صنعاء، وهو ما لم يتحقق حتى الان، كما ان أسباب اخرى مهمة يمكن ان تعيد الكثير من حسابات الداعمين لعاصفة الحزم والتي يمكن الإشارة الى بعضها:
1. ما زال التردد واضحا في موقف بعض الدول التي تعتمد عليها السعودية كثيرا في سبيل جرها ال المشاركة في العمليات العسكرية ضد اليمن، مصر التي سيرت سفن حربية، وأكدت ان امن باب المندب جزء من الامن القومي، مع التزامها بأمن دول الخليج، لم تحسم موقفها بعد، كما انها لا ترغب في المشاركة البرية على وجه الخصوص، سيما وان الكثير من المعترضين في الداخل على هذه العملية من الأساس، فيما طالب الرئيس المصري بالحل السياسي، وهو موقف تكرر مع باكستان التي الحت عليها السعودية بالمشاركة بصورة اكثر فاعلية، بعد ان طلب مشاركة "سفن حربية وطائرات وجنود على الأرض"، ولحين النظر من قبل البرلمان الباكستاني في الطلب السعودي يبقى الإصرار الباكستاني على الخيار السياسي هو المعلن، كما لا يمكن نسيان الموقف التركي والامريكي القريب من الموقف الباكستاني في دعم امن المملكة لكنه اكد على الحل السياسي.
2. ارتفاع اعداد الضحايا بين المدنيين في اليمن، إضافة الى تدمير البنى التحتية والاضرار المادية الكبيرة التي خلفتها الضربات الجوية والقتال على الأرض، وأوضحت احدى المنظمات الحقوقية أن "عدد المصابين جراء الغارات والقصف بلغ 1214 جريحا بينهم 208 طفلا منهم 76 في حالة حرجة، فيما بلغ عدد المنازل التي تعرضت للقصف المباشر 936 منزلا بينها 17 منزلا تم تدميرها بالكامل فوق رؤوس ساكنيها، وأضافت أن "عدد النازحين من التجمعات السكانية الحضرية التي طالها القصف أو التي تضررت أومن تلقى تهديدات بالاستهداف بلغ 10 إلى 15 ألف نازح كإحصائية أولية قابلة للارتفاع مع استمرار الغارات والقصف وأن 80 منشأة خدمية على الأقل تم تدميرها كما تم تدميرها 3 طائرات مدنية وأربعة مطارات وأخرى موانئ بحرية ومنشآت كهرباء وغاز ومحطات وقود وساحات عامة ومراكز للدفاع المدني".
3. الحوثيون لم يتحركوا بانفعال او يقوموا باي خطوة عدائية من شأنها ان تبرر "العدوان السعودي" حتى اليوم، رغم قدرتها على قصف السعودية بالصواريخ "البالستية" بعيدة المدى التي بحوزتها، وبخلاف المتوقع، أكدوا على انهم "مستعدون لإجراء محادثات سلام إذا توقفت الضربات الجوية التي تقودها السعودية وأشرفت عليها أطراف ليس لها مواقف عدائية"، وهو امر يسبب المزيد من الضغط على السعودية وبالأخص من قبل المجتمع الدولي.
الأهم من ذلك كله فان ايران نجحت في التوصل الى تفاهمات أولية لعبور الملف النووي الشائك مع الدول الغربية، ووزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" سيتوجه الى باكستان لبحث الازمة اليمنية، كما الرئيس التركي "اردوغان" سيتوجه قريبا الى ايران أيضا، روسيا من جانبها تحركت تجاه مجلس الامن لبحث القضايا الإنسانية في الازمة اليمنية، وإمكانية اصدار قرار لتخفيف هذه المعاناة، الولايات المتحدة الامريكية بدورها قد تستضيف قادة الخليج في "كامب ديفيد" قريبا لبحث ملفات مهمة قد تتصدرها القضية الإيرانية واليمنية كذلك، وقد تعطي جميع هذه التحركات الشعور بان لا احد يرغب الان بعاصفة الحزم السعودية، فالتوقيت سيء والاهداف المرسومة يصعب تحقيقها فضلا عن ذلك فان زمن "الانتصارات الوهمية" قد ولى، وقد يتم تفعيل "الخيار السياسي" بدلا من "الخيار العسكري" بسرعة اكبر من المتوقع لها، لاحتواء الازمة قبل انفلاتها.
اضف تعليق