العملية السياسية في العراق اليوم مبنية على الشك والريبة، فكل جهة تطرح مشروعاً معيناً، حتى وان كان واقعياً ومفيداً، تثير الجهة اوالجهات الاخرى الشكوك تجاهه، وتعمل على تقويضه ومصدر هذه الشكوك ان دواخل الفرقاء غير سليمة تجاه بعضهم بالاساس، وتعمل كل جهة على الاطاحة بالاخرى...

مؤخراً، قرأت حكاية شعبية إسبانية، تتحدث عن رجل، يعيش في قرية، وقد تراكمت عليه الديون لاهل القرية من دون ان يستطيع الايفاء بها، فتظاهر بالمرض، وهنا، جاء أهل القرية،لعيادته ومواساته، فتنازل له صاحب الدكان والقصاب، والبزاز والخضار، وكل من كان مديناً له بمبلغ، الاّ الخياط الذي أبى ان يطفىء دينه، وأصر على ان يدفع له هذا الرجل الدين الذي بذمته له، وعبثا راحت محاولات سكان القرية الطيبين لاقناعة، لانه كان يرى هذا الرجل نصاباً.. وامام هذا الأمر لم يجد الرجل غير ان يتظاهر بالموت، وبعدئئ ان عرف أهل القرية بخبره، جاءوا اليه ووضعوه في تابوت واقاموا له مراسم الموت بعد ان نقلوة الى الكنيسة التي سيبيت فيها ليلة، قبل ان يوارى الثرى في الصباح .. غادر أهل القرية الكنيسة وتركوا الرجل في تابوته، الاّ ان الخياط، ظل كامناً في مكان خفي، ينتظر خروج أهل القرية ليكشف زيف موت الرجل، الذي لابد من يمارس الحياة، بغياب الناس، كأن ينهض ليشرب الماء أو البحث عن طعام، لكن لصوصاً دخلوا الكنيسة ومعهم ذهباً مسروقاً، فأرادوا اقتسامه، في الكنيسة بعيداً عن أعين الناس ولكي لا ينفضح أمرهم، وبعد ان وزع رئيسهم الحصص، وكان عددهم أثنا عشر لصاً، ترك حصة واحدة، وقال هذه سأعطيها لمن يغرز الخنجر في جسد هذا الميت ويقصد، صاحبنا، وبعد أن همّ أحدهم بالتوجه الى التابوت، نهض هذا مذعوراً، ثم عم الذعرالجميع، وكان الخياط يراقب المشهد الذي أعجبه، فراح هو الأخر يحدث الفوضى والجلبة، ليزيد من ذعر اللصوص الذين هربوا وهم مرعوبون، تاركين الذهب في المكان، وهنا حصلت الصفقة، اذ، جاء الخياط للميت المزيف، واتفق معه على تقاسم (الغنيمة) .

الحكاية التي تستمر بعض تفاصيلها، الاخرى تشير الى موضوعة مهمة، تتصل بالقيم ومدى تمسك الناس بها، فالرجل الذي ادعى المرض، كان بنظر الناس مريضاً، وان من الاخلاق القويمة ان تساعده الناس، وهكذا اتفقوا على مساعدته ومسامحته، الاّالخياط الذي لم ينسجم مع اخلاق اهل القرية الطيبين، وعندما ادعى الرجل الموت، ظل هؤلاء القرويين متمسكين بتلك القيم، الاّ الخياط ايضا، الذي كانت الريبة والشك تملأ قلبه، لان دواخله في الاساس غير نقية، وهو ما سينكشف لاحقاً في هذه الحكاية المعبرة.

العملية السياسية في العراق اليوم مبنية على الشك والريبة، فكل جهة تطرح مشروعاً معيناً، حتى وان كان واقعياً ومفيداً، تثير الجهة اوالجهات الاخرى الشكوك تجاهه، وتعمل على تقويضه ومصدر هذه الشكوك ان دواخل الفرقاء غير سليمة تجاه بعضهم بالاساس، وتعمل كل جهة على الاطاحة بالاخرى، وليس التنافس معها، الاّ ان الشيء الوحيد الذي يجعلهم مكشوفين في نياتهم ودواخلهم هذه، هو الاتفاق على المغانم، فهم يتوحدون حولها، و يعملون من اجل الحصول عليها على خلق عشرات التخريجات لها، بدءاً من الرواتب الخرافية، الى تقاسم اموال المشاريع وغيرها من ابواب الفساد الذي نخر لحم الدولة وعظامها وهذه هي الكارثة التي تعصف ببلادنا اليوم.

.................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق