العاصفة التي هبّت بقوة على واشنطن والبيت الأبيض، ترددت أصداؤها مباشرة، في مختلف عواصم المنطقة، حيث بدأ سياسيون ومحللون وإعلاميون، برسم السيناريوهات وإطلاق التوقعات التي تذهب في كل اتجاه، ومن دون انتظار لمعرفة الوجهة التي ستسلكها تطورات الأزمة الأخطر التي تكاد تعصف بالرئيس الأكثر إشكالية...
تباينت ردود أفعال العرب، رسميين وشعبيين، حيال "الفضيحة التي هزّت عرش ترامب"، كما ورد في عناوين بعض الصحف العربية، على خلفية الاتهامات الجنائية الموجهة إلى كل من محامي ترامب الشخصي مايكل كوهين ومدير حملته الانتخابية باول مانفورت، وما يمكن أن تثيره من متاعب للرئيس قد تصل حد الشروع في إجراءات عزله من منصبه، سيما بعد حديث ترامب نفسه عن "احتمالات انهيار الأسواق المالية" في حال تم ذلك، وتلميحات محاميه رودي جولياني غير المسبوقة، من "ثورة شعبية" قد تندلع في حال شرع الكونغرس في إجراءات عزل الرئيس.
العاصفة التي هبّت بقوة على واشنطن والبيت الأبيض، ترددت أصداؤها مباشرة، في مختلف عواصم المنطقة، حيث بدأ سياسيون ومحللون وإعلاميون، برسم السيناريوهات وإطلاق التوقعات التي تذهب في كل اتجاه، ومن دون انتظار لمعرفة الوجهة التي ستسلكها تطورات الأزمة الأخطر التي تكاد تعصف بالرئيس الأكثر إشكالية في التاريخ الأمريكي الحديث.
مصدر التباين في ردود أفعال المنطقة، إنما يعود إلى اختلاف مواقع الأطراف وتباين مواقفهم استتباعاً... فالأنظمة التي نسجت أوثق العلاقات مع إدارة ترامب، وتحديداً في كل من الرياض وأبو ظبي، أطلقت العنان لوسائل إعلامها ونشطائها على وسائط التواصل الاجتماعي، لتبديد "القلق" المترتب على سيناريو "عزل الرئيس"، فانصب اهتمام هؤلاء على التقليل من شأن احتمال كهذا، بل والتشديد على "استحالته"... وقد حُشدت لهذه الغاية، آراء عدد وافر من الخبراء في القانون والسياسة الأمريكيين، التي ذهبت جميعها بالطبع، حد "القطع" بأن أمراً كهذا لن يحدث، وأن الرئيس باق في مقعده حتى نهاية ولايته، بل وربما يكون "الأوفر حظاً" للفوز بولاية ثانية.
أنصار هذه المدرسة/المحور في المنطقة، يخشون أن يفضي غياب ترامب، إلى عودة "المؤسسة" الأمريكية لممارسة دورها في "عقلنة" السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصاً حيال المنطقة، فهذه الأطراف التي جعلت من إيران عدوها الأول، أو الأوحد، تبدي ارتياحاً ظاهراً للمواقف المتشددة التي يتخذها الرئيس وإدارته حيال طهران وحلفائها في الإقليم... وهذه الأطراف، المنخرطة في حرب ما زالت تتسبب بأسوأ كارثة إنسانية في اليمن، تجد في الرئيس الأمريكي "مظلة" لها، تمنحها الغطاء والشرعية في حرب ضاق صدر المجتمع الدولي والضمير الإنساني العالمي، عن تحمّل تبعاتها الإنسانية الكارثية على ملايين المدنيين الأبرياء.
في المقابل، لم تنجح عواصم وحكومات عربية وإقليمية أخرى، في إخفاء مشاعر الفرح والبهجة، لاشتداد أطواق العزلة حول الرئيس دونالد ترامب، وهي ترقب بارتياح ظاهر، اقتراب حبل المشنقة من عنق رئاسته، فإيران لم تواجه منذ ثورتها الإسلامية قبل أربعة عقود، إدارة أمريكية تستبطن كل هذا العداء لنظامها ودورها الإقليمي... وحلفاء إيران في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، يرون أن واشنطن في عهد ترامب تموضعت في موقع الشريك لخصومهم في الحروب والأزمات، الدائرة والمفتوحة في عموم المنطقة، ورحيل الرجل عن البيت الأبيض، أو غرقه المستمر في بحر متلاطم من الأزمات الداخلية، قد يسهم في تخفيف الضغوط التي تتعرض لها.
حتى الزعيم التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم تخف حكومته ارتياحها لفوز ترامب في انتخابات 2016 الرئاسية، بدت في العام الثاني من رئاسته، شديدة الانزعاج من سياسة إدارته، خصوصاً في ملف أكراد سوريا والموقف من الداعية فتح الله غولن وما تسميه أنقرة اليوم "حرباً اقتصادية" أمريكية منظمة ضدها، حيث وصلت العلاقات الثنائية بين الجانبين مؤخراً إلى أدنى مستوياتها، وربما على نحو غير مسبوق، منذ عقود طويلة.
لكن فرحة هذه الأطراف بمأزق ترامب المتفاقم، تعكر صفوها قناعتهم، بأن نائبه مايك بينس، ينتمي إلى المدرسة السياسية و"الفكرية" ذاتها، التي يتحدّر منها الرئيس، وأن واشنطن قد تواصل السياسات ذاته، وربما على نحو أكثر "عقائدية" في حال انتقل البيت الأبيض من ولاية ترامب إلى ولاية بينس.
مثل هذه المخاوف، من مجيء بينس خلفاً لترامب في حال تغلّب سيناريو "عزل الرئيس"، تجتاح الفلسطينيين أكثر من غيرهم من الأطراف الإقليمية والعربية... فالرجل معروف بولائه "الإيديولوجي" لإسرائيل، وهو أظهر في غير مناسبة، انحيازاً أكبر للدولة العبرية... وبخلاف رجل الأعمال البراغماتي دونالد ترامب، فإن المسيحي – الإنجيلي مايكل بينس يشتق دعمه وانحيازه لإسرائيل، من منظومة دينية – عقائدية، تسقط أي رهان، من وجهة نظر الفلسطينيين، على أي تغيير مستقبلي في مواقف واشنطن من قضيتهم الوطنية وصراعهم مع إسرائيل.
إسرائيل بدورها، تواجه حالة من "عدم وضوح الرؤية"، وهي أكثر انقساماً من غيرها في "تقدير الموقف" من سيناريو "عزل الرئيس"... فرئيس الحكومة نجح في نسج أوثق العلاقات مع الرئيس ترامب، وهو أمر انتقدته عليه المعارضة التي تفضل اتخاذ مواقف أكثر توازناً حيال الحزبين الأمريكيين، الديمقراطي والجمهوري، وتزداد مخاوف الائتلاف اليمني الحاكم من تصاعد الأنباء عن احتمالات فوز الديمقراطيين في الانتخابات النصفية المنتظرة في تشرين الثاني نوفمبر القادم، وكسر "الأغلبية الجمهورية".... وزاد في قلق وارتباك هذا الفريق، ما صدر مؤخراً عن الرئيس ترامب من تصريحات طالب فيها إسرائيل بالاستعداد لدفع "ثمن باهظ جداً" نظير "الهدية القيمة للغاية" التي منحها إيّاها، بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها.
ثمة فريق آخر، تابع بشغف أخبار واشنطن، ويترقب عن كثب تداعيات "سيناريو عزل الرئيس، فرصه واحتمالاته، وأعني به فريق المجتمع المدني و"الإصلاحيين العرب"... هذا الفريق تعرض لطعنة نجلاء مع مجيء إدارة ترامب، وتبدّل أولويات الولايات المتحدة في المنطقة، وتراجع، إن لم نقل سقوط مهمة "الدفاع عن حقوق الانسان" و"برامج دعم الديمقراطية" من سلّم أولويات واشنطن في المنطقة.
هذا الفريق، كان من بين أكثر المتضررين من "العلاقات الخاصة والمتميزة" التي نسجها الرئيس ترامب مع الأنظمة العسكرية و"السلالية" في المنطقة، ودائماً على حساب مسارات التحول الديمقراطي واحترام حقوق الانسان في دول المنطقة... هذا الفريق عانى من غياب "الحماية الدولية" لنشطائه، وتقليص برامج المساعدات المقدمة له، مع صعود اليمين واليمين الشعبوي في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي شجع أنظمة وحكومات المنطقة، على شنّ أوسع عمليات التنكيل وممارسة أعتى الضغوط على منظماته ونشطائه وناشاطاته.
الجدل حول "مصير ترامب" و"سيناريو عزل الرئيس" يحتدم في عواصم المنطقة، بدرجة لا تقل عن مثيلتها في واشنطن ذاتها، بل وتتسابق الأقلام والتعليقات في محاولة لرسم صورة وملامح المرحلة القادمة، ولا عجب في ذلك، فالولايات المتحدة "فاعل رئيس" في مختلف أزمات الإقليم، بعد أن أصبحت جارة حدودية لكل دوله، ومن دون استثناء.
اضف تعليق