بعد مضي شهرين ونصف من تكليفه لم يستطع الحريري حتى الآن من تقديم كابينته الوزارية المفترض أن تتشكل من ٣٠ أو ٢٤ وزير نصفها للمسيحيين والنصف الآخر للمسلمين، رغم إجراء العديد من المشاورات والتفاهمات مع جميع القوى السياسية بطوائفها المختلفة، ويسعى الحريري بإستخدام صلاحياته الدستورية...

كلف رئيس تيار المستقبل ورئيس الوزراء الحالي سعد الحريري يوم ٢٧/٥/٢٠١٨ بتشكيل الحكومة اللبنانية بعد الإنتخابات التي أجريت يوم ٦/٥/٢٠١٨، وبعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية. وبعد مضي شهرين ونصف من تكليفه لم يستطع الحريري حتى الآن من تقديم كابينته الوزارية المفترض أن تتشكل من ٣٠ أو ٢٤ وزير نصفها للمسيحيين والنصف الآخر للمسلمين، رغم إجراء العديد من المشاورات والتفاهمات مع جميع القوى السياسية بطوائفها المختلفة، ويسعى الحريري بإستخدام صلاحياته الدستورية بالتشاور مع الميشال عون لتشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية وفق تلك الصلاحيات بعيدا عن إتفاق الطائف وإتفاق الدوحة؛ لكن ليس بوسعهما فرض حكومة أمر واقع على الفرقاء السياسيين مع وجود مطالب ذات سقوف عالية، ووجود عدة عقبات على تشكيل الحكومة ترتبط أغلبها بطبيعة النظام السياسي الطائفي والأعراف السياسية التي فرضت بعد إتفاق الطائف، إضافة إلى المؤثرات الخارجية ومن أبرز هذه العقبات:

1- نتائج الإنتخابات التي جاءت وفق قانونها الجديد النسبي المطرز بالصوت التفضيلي الذي أعطى أوزان إنتخابية أوسع من الأحجام الحقيقية للطوائف، مما أدت إفرازات نظام المحاصصة الطائفية إلى جعل القوى السياسية تتمسك بقاعدة عرفية، أعطت لكل أربعة نواب وزارة واحدة وفق نظام الدوائر الانتخابية الذي غير بعض المعادلات الحسابية في توزيع المقاعد، وحاولت بعض الأطراف وضع حسابات مختلفة ومطالب أوسع من السابق، ومثال ذلك صعود مقاعد حزب الله وتراجع مقاعد تيار المستقبل وتغيرات في مقاعد القوى المسيحية كالتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية الذي يريد ثلاث وزارات خاصة بالدروز. ولهذا باتت عملية تشكيل الحكومة مسألة معقدة جدا في كيفية إرضاء الجميع.

2- المطالب المتزايدة للأطراف السياسية داخل الطوائف نفسها، فمثلا يطالب سعد الحريري إحتساب المقاعد السُنية داخل تياره فقط، في حين تريد قوى سُنية حصلت على ثمانية مقاعد، وزارة خارج تيار المستقبل وهذا ما يرفضه الحريري، خاصة وأن هؤلاء الثمانية مقربون من حزب الله، وأيضا هنالك مطالب متضاربة داخل المكون المسيحي متمثلة بمطالبة سمير جعجع في حزب القوات الذي حصل على ١٥ مقعد بمقاعد موازية لمقاعد الميشال عون في التيار الوطني الحر الذي حصل على ١٨ مقعد عدا حصة الميشال عون، وهذا ما يرفضه الأخير، إذ يتمسك عون بإعطاء القوات اللبنانية أقل مما تطلب بما في ذلك عدم حصولها على منصب نائب رئيس الحكومة أو حقيبة سيادية، إذ أن التيار الوطني حصل على مقاعد أكبر من مقاعد جعجع، ويطالب عون بحصة منفصلة عن تياره وهذا يرفضه حزب القوات، وكذلك يطالب وليد جنبلاط حصر التمثيل الدرزي بحزبه التقدمي الإشتراكي في حين يطالب الميشال عون بإستيزار الأمير طلال أرسلان وهو درزي فائز عن التيار الوطني الحر وهذا ما يرفضه جنبلاط، وبات معروفاً أن المشكلة ليست في تمثيل القوى السياسية في الحكومة، إنما في عدد الوزراء لكل مكون وحزب وكتلة، وترفض بعض الكتل القبول بما تم تحقيقه إنتخابيا ضمن مسار النسب المعروفة وفقا للأحجام بل تريد حجماً مضخماً، الأمر الذي يعيق عملية التشكيل ويقيد الرئيس المكلف بشروط تعجيزية.

3- التأثيرات الإقليمية والدولية المحيطة بلبنان تعد واحدة من أهم عقبات تشكيل الحكومة المقبلة، ويبدو أن ما يحصل الآن في سوريا والساحل الغربي في اليمن له إنعكاسات سلبية واضحة ترتبط بزيادة مقاعد حزب الله داخل البرلمان، وبالتالي زيادة الإستحقاقات الوزارية داخل الحكومة المقبلة مما يجعلها بيضة القبان ومحرك فاعل داخل عمل هذه الحكومة، خاصة مع استحداث وزارة طالب بها الحزب وهي وزارة التخطيط، وقد يطالب بوزارة سيادية أخرى، ناهيك عن تحالف حزب الله مع التيار الوطني الحر إضافة إلى حركة أمل التي تزعم ممثلها نبيه بري رئاسة البرلمان يجعل من المكون الشيعي لاعب كان يعد أقلية إلى مكون مؤثر سياسيا، إضافة إلى كونه يمتلك السلاح وله خط عسكري موازي للخط السياسي، وهذا ما ترفضه الدول المتنافسة مع إيران والتي تعتبر حزب الله يد ضاربة لإيران في المنطقة وتحديدا في سوريا خاصة أن المرحلة المقبلة، وكما هو واضح، ستكون مرحلة تكثيف الضغط على إيران وأذرعها في المنطقة، ومنها حزب الله في لبنان، لدفعها إلى تقديم تنازلات في مسألة النفوذ الإيراني في المنطقة.

4- بناءا على ماذكر أعلاه، هنالك من يعتقد أن كلمة سر تشكيل الحكومة بيد السعودية وهي ترفض تشكيل حكومة بأوزان يتحكم بها حزب الله كما ترفض أن ينجح سعد الحريري المتصالح -إلى حدٍ ما- مع حزب الله في تشكيل حكومة تكون حصة الأسد فيها لنصر الله، ولهذا نراها تدعم مؤخرا سمير جعجع وتدفع به للتعطيل والعرقلة. مما يعني أنها تراهن عليه ليكون الأقوى مسيحيا، ويصبح رئيس الجمهورية القادم بما يعطي للسعودية حظوة أكبر في لبنان بعد حادثة الحريري، والتي أيقنت ضرورة إستبداله ولهذا ترفض أي تسوية جديدة.

5- وجود مساعي وتحركات في إطار دبلوماسي واقتصادي بعيداً عن الأضواء من قبل السعودية ودول أخرى لجهة عدم تأمين غطاء من أجل ولادة الحكومة الجديدة، خصوصاً بعدما أيقنت السعودية أن العقد المحلية بدأت تتزايد وخصوصاً في الساحة المسيحية والسُنية، مما جعل عملية التعطيل متصلة بشكل أو بآخر، ببعد خارجي، إذ تتمسك السعودية على ترك مجريات التشكيل على ما هي عليه من أجل جعل سعد الحريري من دون موقف لإسقاط تكليفه والتهديد بتوجيه ضربة اقتصادية للبنان وتشديد الضغط عليه.

وعليه، تراهن السعودية والولايات المتحدة، الرافضتين لتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري وبعض المكونات السياسية على عامل التوقيت وإطالة زمن التشكيل والبقاء في إطار التعطيل، لكي يعتذر الحريري عن التشكيل وتكليف شخصية أخرى، رغم أن الحريري مُصر على إستمراره بتشكيل الحكومة وعدم تكرار سيناريو ٢٠٠٩ حينما إعتذر قبل اليوم ٨٠ من التكليف وألمح إلى سيناريو تكليف تمام سلام الذي أستمر ١١ شهرا، إذ لا قيد دستوري على فترة التشكيل.

6- تزايد التجاذبات السياسية حول الملف السوري من حيث عودة اللاجئين والموقف من النظام السوري، تزامنا مع حيثيات تشكيل الحكومة بشكل متعمد، لها تأثير في ملف تأليف الحكومة، وستعمل على إفتعال عقد في الداخل مع مناخ خارجي متصاعد لا يصب في مصلحة تأليف الحكومة.

مع كل هذه التحديات والعقبات والضغوطات المتبادلة هنالك مؤشرات لتشكيل الحكومة من قبل سعد الحريري، بغض النظر عن التوقيت لإصراره على عدم الإعتذار، ولو إعتذر سيتم إعادة تكليفه مرة ثانية كون سياقات الإستشارات النيابية الملزمة لا زالت معه، إذ لن يحصل شيء خارج التفاهمات الأولية المتفق عليها ولا توحد مؤشرات من قبل رئيس الجمهورية بعرقلة تكليف الحريري في عملية تشكيل الحكومة.

إن البناء السياسي اللبناني بعد الانتخابات إتجه نحو الإستكمال بعد تسمية رئيس مجلس النواب والتوجه لإنتخاب اللجان وإستبعاد مسألة الفراغ التشريعي والدستوري ووجود حكومة تصريف الأعمال، مما يؤطر من حجم تلك العقبات والضغوطات، فقط يحتاج من القوى السياسية الاستمرار بدعم سياسة النأي بالنفس للبنان إزاء المعطيات والتحولات الإقليمية والدولية إلى حد ما؛ لأن إستحقاقات مابعد الانتخابات من ضواغط اقتصادية ومالية ومجتمعية وتهديد الهوية وفتح مسارات التدخل بالشأن الداخلي للبنان مرهونا بتلكؤ إستكمال تشكيل الحكومة وإفشال التوافقات السياسية المرتبطة بها.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق