نحن نحتاج إلى ساسة يدركون هذه الحقيقة ويتحركون وفقها، بعيداً عن تطلعاتهم الذاتية أو ما يريدونه هم، وما يحملون من عقائد أو إيديولوجيات، قد لاتعكس التطلعات الواقعية لعموم الشعب، سا سة يعرفون اللعبة الدولية ويعملون على تحقيق مصالح الناس، بالقدر الذي يستطيعون عليه، لا ساسة يعملون على تهييج مشاعر البسطاء من الناس ويغذون عواطفهم بأحلام غير واقعية...
في رواية (الساعة الخامسة والعشرون)، لمؤلفها قسطنطين جيورجيو، يحصل ان يتعرف بطل الرواية (ايوهان موريتز) الذي القت به النازية في معتقلاتها الرهيبة، على صديق قديم له، كان عسكرياً او يعمل في المعتقل،لا اتذكر التفاصيل بدقة، وقد كان (ايوهان موريتز) قد مضت عليه مدة طويلة في المعتقل، ويريد ان يعود الى عائلته واطفاله، الذين لا يدري ماذا حل بهم، بعد اعتقاله، لاسيما بعد ان توقفت الحرب وبدأت ترتيبات اعادة الاسرى والمعتقلين.
لقد كان تعرف (موريتز) على هذا الصديق، بمثابة هدية من السماء، نزلت عليه، اذ كان يأتيه بالسكائر والطعام وغيرها من الامور التي يستطيع ادخالها المعتقل، لكن (موريتز) ظل يطلب منه أن يعمل على إطلاق سراحه، لأنه بريء! وبعد أن أكثر من إلحاحه على صديقه، رد عليه هذا الصديق بعبارة ظلت في ذاكرتي، إذ: قال له (أنت يا ايوهان حمار!!) ثم يواصل شرحه له ..أنا أقَـدر أن أجلب لك السكائر والطعام، وماتحتاجه هنا، لكني لا أستطيع إخراجك من المعتقل، لأن اسمك ضمن قوائم أصبحت في عهدة المنظمات الدولية، وليست لدي القدرة على فعل أي شيء لك يساعدك على الخروج.
هذه الواقعة، التي أتت في الرواية، تحدثت عن معاناة إنسان ساقه قدره السيئ للوقوع في أيدي النازية، تمثل نموذجا مصغرا لمأساة شعوب كثيرة وجدت نفسها تعيش أزمات مستعصية على الحل، وأنها تعتقد بأن هذا السياسي أو ذاك المعارض، قادر على حل مشاكلها وإخراجها من مأساتها، وبناء على هذا التصور الذي يحمل قدراً كبيراً من البراءة وحب الحياة والحرية، تفاقمت مآسي تلك الشعوب، لأن حل مشاكلها مرتبط بإشكاليات دولية كبرى تتصل بمصالح قوى كبرى، لايهمها أن تنسحق ملايين البشر ما دام ذلك لايتعارض مع مصالحها.
نحن نحتاج إلى ساسة يدركون هذه الحقيقة ويتحركون وفقها، بعيداً عن تطلعاتهم الذاتية أو ما يريدونه هم، وما يحملون من عقائد أو إيديولوجيات، قد لاتعكس التطلعات الواقعية لعموم الشعب، سا سة يعرفون اللعبة الدولية ويعملون على تحقيق مصالح الناس، بالقدر الذي يستطيعون عليه، لا ساسة يعملون على تهييج مشاعر البسطاء من الناس ويغذون عواطفهم بأحلام غير واقعية، ليسيطروا عليهم ويسخروهم لخدمة مشاريعهم الشخصية ومصالحهم الأنانية، وهم يعرفون مسبقاً أن مايقولونه لايتحقق إلا في مخيلات البسطاء الفضفاضة، لأن السياسة فن الممكن وليست مخزن شعارات، أو هكذا علمتنا الدروس التي علينا أن نعيد قراءتها جيداً، وكل يوم!
اضف تعليق