يعد هذا القانون بمثابة القانون الأساسي في إسرائيل أو الدولة اليهودية وفق التعبير الوارد في القانون الجديد، وحظي هذا القانون بترحيب كبير من لدن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والأحزاب القومية والدينية في إسرائيل، بينما واجه بالرفض والاستهجان من قبل عرب إسرائيل الذين يشكلون نسبة...

أقر الكنيست الإسرائيلي أعلى سلطة تشريعية في إسرائيل منذ أيام قليلة على قانون الدولة اليهودية، بعد أن عرض أول مرة عام 2011 أي قبل سبع سنوات حين اقترحه (آفي ديختر) عضو الكنيست آنذاك والرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وأعيد إلى دائرة الجدل العام الماضي بعد أن صادقت عليه اللجنة الوزارية للتشريع، وأحيل للقراءة التمهيدية في الكنيست قبل المصادقة النهائية عليه يوم 19 يونيو من عام 2018، حيث وافق على القانون 62 نائبا من أصل 120 وعارضه 55 وأمتنع نائبان عن التصويت.

ويعد هذا القانون بمثابة القانون الأساسي في إسرائيل أو الدولة اليهودية وفق التعبير الوارد في القانون الجديد، وحظي هذا القانون بترحيب كبير من لدن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والأحزاب القومية والدينية في إسرائيل، بينما واجه بالرفض والاستهجان من قبل عرب إسرائيل الذين يشكلون نسبة كبيرة داخل الخط الأخضر أو مدن إسرائيل التقليدية فضلاً عن باقي الأراضي الفلسطينية، فماذا يمثل تشريع قانون يحدد هوية إسرائيل الحديثة بسمات دينية ولغوية؟

هل يمثل إقصاء المواطناتية الإحتلالية على أسس دينية فضلا عن السياسية؟، وهل يهدف إلى القضاء على ما تبقى من العرب مسلمين ومسيحيين من ناحية الهوية والسكن والجغرافية؟، وهل حدد جغرافية الدولة اليهودية المزعومة؟، وهل وضع تصوراً للاعتبارات الدولية المرضية لطرفي النزاع: الطرف الإسرائيلي، والطرف الفلسطيني، ومنها إقتراح حل الدولتين: الدولة الفلسطينية، والدولة اليهودية؟

يتكون القانون من خمسة عشر بندا، البند الأول من القانون حدد إسرائيل بأنها الوطن التاريخي الذي أسماه بالأمة اليهودية، وهم فقط من لهم الحق في تقرير المصير، وهذا بقدر ما يضم من نزعة عصبوية حصروية فإنه يخالف المواثيق الدولية القائلة بحق الشعوب بتقرير مصيرها لاسيما المحتلة منها، أما البند الثاني فينص على ما أسماه بالهدف من القانون هو حماية الشخصية اليهودية، وإلى ذلك يحدد البند الثالث معالم الدولة اليهودية من نشيدها القومي إلى علم كيانها الذي يؤكد على لونه الأبيض ذو الخطان الأزرقان وتتوسطهما نجمة داوّد.

ويكفي أن نشير إلى ما يتضمن نشيد الدولة اليهودية القديم الجديد والذي يسمى بـ(هتكفا) أي (الأمل) من مفردات تدلل على معاني سيطرة الإحتلال الإسرائيلي بما يعدوه الوصول إلى تحقيق أرض الميعاد لشعب الله المختار: نتوق للأمام نحو الشرق، أملنا لم يصنع بعد، حلم ألف عام على أرضنا أرض صهيون، وأورشليم، ليرتعد من هو عدو لنا، ليرتعد كل سكان مصر، وكنعان، وسكان بابل...الخ.

أما البند الرابع من قانون الدولة اليهودية، فيشير إلى اللغة العبرية كلغة رسمية للدولة اليهودية وتراجع هذا القانون عن عد اللغة العربية اللغة الرسمية الثانية، وأصبح بدل عن ذلك عبارة فضفاضة، تقول: "اللغة العربية تحظى بمكانة خاصة في الدولة، حيث أنها متاحة في الدوائر الحكومية للمتحدثين بها". وأعطى البند الخامس الحق لكل يهودي في دول العالم يريد الهجرة، كما يحق له أن يكتسب الجنسية الإسرائيلية، وينص البند السادس على ضرورة العمل على جميع الشتات من الداخل والخارج وتوفير الأرض والموارد لذلك، كما يؤكد البند السابع على أهمية التواصل مع اليهود في الشتات وتعزيز الأواصر بينهم وبين إسرائيل وتقدم للمحتاجين يد العون بالوقت ذاته.

أما البند الثامن فيهتم بالتراث اليهودي، وجاء البند التاسع في سياق ما أسماه بالحفاظ على الثقافة والتراث والهوية لكل مواطن في إسرائيل بصرف النظر عن دينه أو قوميته، في حين ذهب البند العاشر إلى أن التقويم الرسمي في إسرائيل هو التقويم العبري، والبند الحادي عشر عن يوم الإستقلال وهو العطلة الوطنية لإسرائيل وهذا اليوم هو لإحياء ذكرى الجنود، وقتلى المحرقة، أما البند الثاني عشر فحدد أيام العطل وهي أيام السبت والأعياد، أما لغير اليهود فيشمل أعيادهم الخاصة، ويحدد البند الثالث عشر صلاحية تنازع القوانين بالرجوع إلى القانون المدني اليهودي، ويدعو البند الرابع عشر إلى الحفاظ على الأماكن المقدسة كإرث يهودي ومنها الإشارة ضمناً إلى القدس، وأخيرا البند الخامس عشر فذهب إلى عدم تغيير أو تعديل القانون إلا بقانون آخر توافق عليه الأغلبية في الكنيست الإسرائيلي.

ومما تقدم فإن قانون الدولة اليهودية المشار إليه ينسجم مع التوجهات السياسية والأمنية الإسرائيلية الأخيرة، ومنها ضم القدس رسمياً إلى إسرائيل في إطار ما عرف بـ(صفقة القرن)، وسياسة تجريف الأراضي التي يمتلكها العرب، وإنشاء المستوطنات اليهودية عليها، ورفض فكرة حل الدولتين المقترحة من قبل الأمم المتحدة والمرضية لطرفي النزاع، والاستحواذ على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية مستفيدة من دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن خلال هذا القانون ستقطع إتجاهات سياسية إسرائيلية يقيناً قاطعاً نحو إنتصار للإتجاه المؤيد لفكرة تعزيز إدعاء إسرائيل التاريخي أحقيتها بالأراضي الفلسطينية، وإمتداد مشروع هذه الدولة إلى بلدان عربية أخرى.

من هنا تجاهل القانون ترسيم حدود الدولة اليهودية في حين أكد في أغلب بنوده على هوية الدولة اليهودية كإرث ديني وتاريخي وهي بذلك تشارك بنزعة الإحيائية الدينية في رسم كيان الدولة وثقافتها مع دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، تتسم هذه الدول بالإقصائية السياسية والدينية بأساليب مختلفة بالإيدولوجيا الدينية والتاريخ مرة، والتوسل بالعنف مرة أخرى، وتوظيف الأطر التشريعية والقانونية مرة ثالثة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق