هل يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، طريقا للناس كي يصلوا إلى الحقوق المنقوصة أو المفقودة للأسباب التي سبق ذكرها؟، بالطبع تُسهم هذه المواقع في فتح الكثير من الأبواب والنوافذ التي تقود الجميع إلى حقوقهم، لاسيما إذا دخلت في إطار منظّم واع وفاهم للحقوق والقانون والأهداف، على أن يتم ذلك كثقافة عامة تشكل جزءا من هوية الشعب العراقي...
كل مكتشَفٍ جديد يكون ذا حدّين، أحدهما جيد والآخر حاد أو مؤذٍ ومسيء، ولنا الحرية في اختيار أحد الحدّين، يمكننا أن نأخذ الجيد فنستفيد منه لصالحنا، وقد يختار آخرون الحدّ المؤذي لأسباب منها العجز، الكسل، اللامبالاة، البلادة، وأخيرا قد يُغرّم هؤلاء بالدِعَةِ والراحة.
هذه التوطئة، أو هذا الاستهلال له مساس قوي بمواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، ودورها في مساعدة الشعوب على الوصول إلى حقوقها المدنية الفردية وكل أنواع الحقوق المنتهَكة، وباعتبار العراقيين يمرون منذ سنوات في موجات احتجاجية متلاحقة، تخبو حينا، ويشتعل أوارها حينا آخر، باحثين من وراء ذلك عن حقوق وحريات هي حق مكفول لهم، لكنها مع هذه الكفالة الدستورية أو القانونية، فهي منتهكة ومفقودة أيضا.
وما فورة المظاهرات التي اندلعت من الجنوب البصرة صعودا إلى محافظات الوسط، إلا نموذج لفقدان هذه الحقوق، وما غلق شبكة الانترنيت ومواقع التواصل المختلفة وحجبها عن العراقيين إلا دليل على أن هذه الحقوق مفقودة ومنتهكة ومسروقة، وقد اشتعلت صفحات هذه المواقع وخاصة الفيس بوك بتعليقات وكتابات وفديوهات كثيرة ومتنوعة، كلها تسعى لاسترجاع الحقوق المصادرة، فهل نجحت تلك الوسائل الإلكترونية في مساعدة المحتجين، وهل استخدموها بالطرق والأساليب التي تضمن لهم عودة حقوقهم أو قسم منها؟.
إن أساليب النشر والاحتجاج الإلكتروني متباينة من شخص إلى آخر ومن مجموعة إلى أخرى، ومما هو بارز بوضوح قلة أو ضعف الثقافة الإعلامية والقانونية لبعض مستخدمي هذه المواقع من العراقيين، يُضاف إلى ذلك طريقة العرض وهي مهمة جدا من جانبيّ المضمون والفن أو طريقة العرض، بالإضافة إلى اللغة التي يتم استخدامها في الخطاب والكتابة والتعليقات المتبادلة.
من الأهمية بمكان أن يتسلح كل شخص يستخدم وسائل التواصل الإلكترونية بثوابت قانونية حقوقية إلى حد ما، فليس من المعقول أن نجهل القانون الذي ينظم حياتنا، أو الدستور الذي استفتينا عليه، ومن غير المعقول أيضا أن نجهل أساليب التأييد أو الاحتجاج أو التقريع وما إلى ذلك من طرق يتم التوسل بها للوصول إلى الحقوق المستلَبة، ولكن هل يقع اللوم على الأفراد المستخدمين وحدهم؟، كلا بالطبع، فالثقافة التي تحصن الناس قد لا تتوافر للجميع، وكلنا نعرف الأسباب تمام المعرفة.
فلدينا أمية بنسب قد تكون كبيرة بين الفئات العمرية المختلفة، وربما أكثر الفئات التي تعاني من عدم القدرة على التعبير هي شريحة أو فئة المراهقين والشباب، مع أن جميع هؤلاء لهم الحق باستخدام مواقع التواصل وهم يفضلون الفيس بوك لسهولة وسرعة وبساطة الاستخدام، وكذلك لدينا أمية ثقافية وفي الوعي الحقوقي والسياسي تشمل عموم الشعب، باستثناء من توفرت له الفرصة من خلال الدراسة العلمية الجماعية، أو عبر التثقيف الذاتي وهي قليلة إذا ما قورنت بعدد نفوس العراقيين، لهذه الأسباب وغيرها أيضا، يمكن ملاحظة هفوات واضحة في الاستخدام الحقوقي لهذه المواقع الإلكترونية.
نلاحظ نوع من التشرذم في الكتابات والبوستات والمطالبات، وكثير من التشتت والفوضى وغياب التنظيم، خصوصا بالنسبة للحالات الفردية التي يأخذها الانفعال والتطرف ويسيء لها ولا يمكن أن يسهم في فتح الأبواب نحو الحقوق المنتهكة، كذلك لدينا مئات المجموعات (الكروبات) التي تنتشر في الفيس بوك أو غيره من مواقع التواصل، لكن الفوضى وعدم الانسجام والاتساق والتنظيم تعصف بالكثير منها، فيضيع جهدها، وتعجز أن إيصال أهدافها وفق المنطق الذي يسرّع بوصول هذه المطالبات إلى الأماكن والجهات المعنية.
ولوحظ في مسح شخصي عيني وليس عام لموقع الفيس بوك، أن العراقيين وخصوصا الأعمار التي تقع بين 15- 20 سنة هم أكثر الحاضرين تعليقا أو نشر في الفيس بوك على الرغم من حالة الحجب أو قطع الانترنيت، وقد قرأنا الكثير عن الجيوش الإلكترونية التي تسهم في توجيه الرأي حسب أجندات مسبقة وجهات متصارعة ينعكس صراعها الواقعي على المستخدمين، وينتقل إلى الواقع أيضا، فالصحيح هو استخدام مثقف علمي واضح وواثق لهذه المواقع خصوصا في الأحداث والمواقف السياسية الحرجة التي تندرج تحت بند الرأي العام.
أما المسؤولية على من تقع ومن يتحملها كليّا أو جزئيا، فطالما أن الأمر يتعلق بقضايا حقوقية وقانونية، فلابد أن يكون هناك دور واضح للمنظمات والنقابات الحقوقية، مثل نقابات المحامين، وكذلك المؤسسات الإعلامية، والعلمية، وحتى المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، مسؤولة بشكل مباشر على ضخ المعلومات والنصائح الحقوقية والقانونية للشباب ولجميع المستخدمين بما في ذلك الطرف الآخر ونقصد بهم الجهات الرسمية (الحكومة، الأجهزة الأمنية، الطبقة السياسية)، فالجميع بحاجة إلى الثقافة الحقوقية، والجميع يمكن أن يتعرض للأذى بسبب هذا الضعف في الخزينة المعلوماتية التي يحتاجون إليها.
في الختام، هل يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، طريقا للناس كي يصلوا إلى الحقوق المنقوصة أو المفقودة للأسباب التي سبق ذكرها؟، بالطبع تُسهم هذه المواقع في فتح الكثير من الأبواب والنوافذ التي تقود الجميع إلى حقوقهم، لاسيما إذا دخلت في إطار منظّم واع وفاهم للحقوق والقانون والأهداف، على أن يتم ذلك كثقافة عامة تشكل جزءا من هوية الشعب العراقي، وتشمل بالإضافة إلى المعرفة الحقوقية القانونية، أساليب الطرح والتعامل مع الأضداد بعيدا عن التطرف والإقصاء والتعجّل ونفي حق الآخر بالتعبير والتصريح والإعلان، فإذا سُمِحَ لجميع الأطراف بقول ما يؤمنون به ويظنون أنه الصواب، وأعطيت نفس الفرصة للجميع، سوف نقترب جميعا من درجة الاستخدام السليم لهذه المواقع التي باتت تشكل الحاضر الأهم في حياتنا.
اضف تعليق