الدستور لا يشترط ان يتولى المنصبَ الشخصُ الحائز على اعلى الاصوات، وقد تم تخطي هذا التوصيف عام ٢٠١٤ ومن شبه المؤكد ان يتم تخطيه هذا العام.وهذا يعني ان اشغال اهم منصب في الدولة العراقية ليس خاضعا لارادة الشعب وانما لارادة زعماء الكتل الشيعية الفائزة بالدرجة الاولى. وهذا من ابرز عيوب النظام الهجين في العراق حيث انه يبيح تولي منصب رئيس الوزراء من قبل اي شخص تتوافق عليه كلمة هؤلاء الزعماء او بعضهم الاكثر نفوذا بغض النظر عن راي الناس به...
الانتخابات هي المظهر الاكثر وضوحا للنظام الديمقراطي. وفلسفتها ان الناس اولياء انفسهم واصحاب السيادة عليها. ولا سلطة لاحد على احد الا بالاختيار. والاختيار هو الانتخاب. وعليه لا يجوز تسليم شخص ما مقداراً من السلطة على غيره من الناس الا عن طريق انتخاب الناس له. وهكذا لا يصح تولي اشخاص غير منتخبين اي مقدار من السلطة.
وفي العراق تجري الانتخابات بشكل دوري لاختيار اشخاص يمارسون سلطة التمثيل والنيابة والرقابة والتشريع بتخويل من الناس. وهؤلاء هم النواب. ولا يصح ان يدخل البرلمان شخص غير منتخب. بهذا المقدار فان الانتخابات الدورية التي تجري لتشكيل مجلس النواب ومجالس المحافظات وغيرها هي من علامات المضمون الديمقراطي للنظام الهجين في العراق.
وهذا ما تنص عليه المادة (49/اولاً) من الدستور العراقي حيث تقول : "يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه."
لكن الامر ليس كذلك فيما يتعلق باختيار رئيس الوزراء. تقول المادة (76/ اولاً) من الدستور : "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية".
واول شيء يطالعنا في هذه المادة هو ان رئيس الوزراء لا يشترط ان يكون منتخبا؛ فبامكان "الكتلة النيابية الاكثر عددا" اختيار اي شخص لكي يكون رئيسا للوزراء.هذا اولا.
وثانيا، ان الكتلة النيابية الاكبر لا تعني كتلة الاغلبية البرلمانية، انما هي "اكبر" بالقياس الى غيرها من الكتل النيابية الاقل عددا. وقد تكون في حقيقة الامر اقلية بالنسبة لمجموع اعضاء مجلس النواب.
وثالثا، لا يعرض اسم هذا المرشح لمصادقة مجلس النواب، حيث تقول المادة ٧٦/رابعا: "يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة.". فالثقة تعطى للوزراء فردا فردا وللمنهاج الوزاري، وهذا يعد تصويتا بالثقة على الحكومة، اما شخص رئيس الوزراء نفسه فشرعيته مستمدة فقط من اختيار الكتلة النيابية الاكبر التي هي ليست كتلك الاغلبية البرلمانية كما تقدم.
ورابعا، من خلال تجارب اختيار ثلاثة رؤساء وزارات سابقين هم (ابراهيم الجعفري ونوري المالكي لدورتين وحيدر العبادي) اتضح ان اختيار رئيس الوزراء كان محصورا برؤساء الكتل الشيعية (وبالتفاهم والتوافق مع الكتل السنية والكردية الاخرى، والمرجعية الدينية، والدول المؤثرة في القرار العراقي وفي مقدمتها ايران والولايات المتحدة)، ولا علاقة لهذا الاختيار بالانتخابات ونتائجها.
فالدستور مثلا لا يشترط ان يتولى المنصبَ الشخصُ الحائز على اعلى الاصوات، وقد تم تخطي هذا التوصيف عام ٢٠١٤ ومن شبه المؤكد ان يتم تخطيه هذا العام.وهذا يعني ان اشغال اهم منصب في الدولة العراقية ليس خاضعا لارادة الشعب وانما لارادة زعماء الكتل الشيعية الفائزة بالدرجة الاولى.
وهذا من ابرز عيوب النظام الهجين في العراق حيث انه يبيح تولي منصب رئيس الوزراء من قبل اي شخص تتوافق عليه كلمة هؤلاء الزعماء او بعضهم الاكثر نفوذا بغض النظر عن راي الناس به. ان رئيس الوزراء شخص تتحكم به ارادات زعماء هذه الكتل وليس نتائج الانتخابات. وهذا عيب خطير يضرب بالصميم جوهر الديمقراطية ويفرغ الانتخابات من معناها وجدواها. بل يجعل عملية اختيار رئيس الوزراء اجراءً غير ديمقراطي بامتياز.
لتصحيح هذا العيب قد نحتاج الى بعض التعديلات الدستورية، وهذا امر قد يبدو صعبا الان، لكن يمكن تخطي هذه الصعوبة باعتماد اجراءات ديمقراطية لا تحتاج الى تعديل دستوري، لحين توفر الشروط الموضوعية المناسبة لتعديل الدستور.
اضف تعليق