q

اذا صدقت السعودية في كلامها المتعلق بدعم ايران للحوثيين وحركة "انصار الله" التي سيطرت على العاصمة صنعاء، (وتواصل زحفها نحو عدن)، وغيرت الخارطة السياسية في اليمن ومزقت اوراق "المبادرة الخليجية" التي تبنتها السعودية، فان التوقيت الذي اختارته المملكة بتشكيل "تحالف سني" (وليس عربي او خليجي بالكامل باعتبار ان دول غير عربية شاركت في التحالف كباكستان مثلا)، راعى المثالية بالنسبة لانشغال ايران بالمفاوضات الحاسمة مع القوى الكبرى الست، وان ساعات قليلة قد تفصلها عن ايجاد مخرج نهائي او شبه نهائي لملفها النووي والعقوبات الاقتصادية، اضافة الى اعادة ترميم الثقة المفقودة بينها وبين الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة الامريكية، ومع ان الموقف الرسمي الايراني رفض التدخل السعودي واعتبره عدوانا على دولة ذات سيادة كاملة، اضافة الى ردود الافعال الهجومية التي صدرت من بعض المتشددين، لكن جميع هذه الموقف لم ترتق الى مستوى التدخل المباشر في الازمة اليمنية، والمتوقع من طرف الكثير من المتابعين، وهو ما قد يرتبط بوجه او اخر بانشغالها بنجاح المفاوضات النووية وبأي ثمن.

لكن هل يمكن القول ان نتيجة المفاوضات النووية الايرانية، ومهما كانت نتيجتها يمكن ان تغير المعادلة الحالية للازمة اليمنية؟

الجواب سيكون بالإيجاب، وهو ما اكدته الخلافات والتنافس الاقليمي بين الطرفين (الايراني والسعودي) والاتهامات المتبادلة بينهما حول اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها من الملفات والصراعات الدائرة في الخليج والشرق الاوسط، ومع ان الصدام العسكري بين ايران والسعودية لم يجري بصورة مباشرة، الا انه غالبا ما يكون "حروب بالوكالة" تقوم به جماعات ودول مدعومة من الطرفين، حيث شكلت الازمة اليمنية الصراع الاحدث لهما في الخليج، بعد ان شعرت السعودية وحلفائها بخطر توسع النفوذ الايراني في المنطقة (بحسب تصريحات حكام السعودية)، والذي بات يقترب من حدودها كثيرا، ما دعا السعودية (وفي تصرف غير مسبوق) الى تشكيل تحالف عسكري سخرت له كافة امكاناتها العسكرية لضرب اليمن مع الاستعداد لشن هجوم بري شامل لإعادة التوازن وارجاع الرئيس "هادي" المدعوم منها الى السلطة.

اما عن تأثير نتيجة الاتفاق النووي مع ايران في الازمة اليمنية فسيكون بحسب هذه النتيجة، وهي لا تحتمل التقسم لأكثر من ثلاث توقعات:

1. ان ينجح المجتمعون في التوصل لاتفاق مبدئي، وهو الاحتمال الاقرب للتحقيق، استعداد لجولة اخيرة تنتهي بعد أشهر للتوصل الى حل نهائي وشامل.

2. ان لا تنجح القوى الكبرى وايران بالتوصل الى اي اتفاق ما قد يتسبب بانهيار المفاوضات، (وهو احتمال ضعيف للغاية، لكنه غير مستبعد)، وتفاقم الازمة بين ايران والغرب، اضافة الى الولايات المتحدة الامريكية.

3. ان يصار الى تمديد التوصل لا تفاق مبدئي عدة ايام او اسابيع لمنح المزيد من الامل لإبرام اتفاق مبدئي جيد.

وقد تبنى السيناريوهات المحتملة في تعامل إيران مع الازمة اليمنية وفق النتائج المترتبة على هذه التوقعات الثلاثة والتي قد تكون على الشكل التالي:

- في حال نجاح التوقيع على الاتفاق المبدئي، فان اندفاع ايران تجاه حل الازمة بصورة "سلمية" سيكون الخيار الاقوى بالنسبة لصانع القرار السياسي، وبالأخص لدى الاصلاحيين، الذين نجحوا في انتزاع اتفاق نووي مع الغرب، وقد تشجع الاجواء الايجابية لتواصل ايران مع السعودية (من خلال وسيط قد يكون عماني) لحل الازمة بصورة سياسية يقدم فيها الطرفان تنازلات متبادلة، وقد اشار مساعد وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان" الى "وجود مقترح لحل الأزمة في اليمن"، فيما اكد الى ان ايران "تحاول التواصل مع السعودية من أجل التعاون في هذا الشأن"، مؤكدا ان ايران "تبذل كل جهودها ومساعيها لاستتباب الأمن والهدوء في اليمن".

- بالنسبة للتوقع الثاني فهذا ما لا يتمناه احد (ربما باستثناء اسرائيل) في الشرق الاوسط، فالمعارضون للمفاوضات النووية منذ بدايتها (وبالأخص في ايران والولايات المتحدة الامريكية)، وهم من "المتشددين او المحافظين" ستكون لهم الحجة الاقوى والكلمة الفصل في ادارة دفة الصراع القادم في الشرق الاوسط، بحجة ان المساعي السلمية لم تؤت ثمارها المرجوة، وبالتالي فطبول الحرب قد تقرع من جديد، في الوقت ذاته فان "المتشددين" داخل ايران لن يقفوا عند هذا الحد، وربما سيصعدون من مواقفهم العسكرية، واليمن بالتأكيد ستكون احد اهم هذه المواقف، ان لم تكن الاهم من بين الجميع.

- التوقع الثالث يعني استمرار الشد والجذب بين الطرفين، فالتمديد للمهلة المؤقتة مع صعوبة تحقيقه، الا انه قد يبقى الاوضاع على حالها بالنسبة لاستمرار موقف التحالف السعودي في ضرب اليمن، يرافقه غموض او حذر ايراني من الاقدام في اليمن بصورة واضحة، لكن هذا لا يمنع من ظهور مفاجئات قد تغير المعادلة في اي لحظة، سيما وان الحوثيين ما زالوا يتحفظون في الرد مع الابقاء على الخيارات "مفتوحة" على جميع الاحتمالات، ومنها استخدام الصواريخ البالستية (التي لم يدمر منها التحالف السعودي سوى جزء بسيط) لضرب اهداف حيوية في العمق السعودي، او الدخول بمواجهة برية داخل الاراضي السعودية، كما ان دور الولايات المتحدة الامريكية ما زال يكتنفه الكثير من الغموض بشأن الازمة اليمنية، والذي وصفه البعض بانه "اهمال متعمد" من قبل البيت الابيض، فيما اشارت صحيفة "فاينينشال تايمز" الى ابعد من ذلك بالقول "في حالة توصلت الأطراف المجتمعة حاليا في لوزان إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني فعلى الولايات المتحدة التحرك بعيدا عنه، وجمع طهران والرياض إلى طاولة المفاوضات، فيجب ألا تنفصل المسألة النووية عن صراع السلطة الطائفي النزعة، الذي يدور في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي".

اضف تعليق