الإصلاحات الاقتصادية بدأت في الأردن كجزء من الضغوطات التي يتعرض لها من بيئته الخارجية، سواء من مطالب المؤسسات المالية الدولية وحالة عدم الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي ينعكس سلبيا في تحقيق حالة من عدم المواءمة مع طبيعة البيئة الداخلية فيبدأ معه دور الدولة الداخلي في التراجع...

يبدو أن سمة الاستقرار التي عاشتها الأردن باتت ليس بمأمن من الاضطراب في ظل المتغيرات العديدة، منذ أحداث ما عرف بالربيع العربي مع بداية عام 2011 وإلى يوم إندلاع حركة الاحتجاجات المطلبية الشعبية غير المسبوقة في الأردن بهذا الشكل (مظاهرات مستمرة، وإعتصامات تطالب بإصلاحات اقتصادية، وإلغاء قانون ضريبة الدخل، وتخفيض أسعار المحروقات، وتغيير نهج الحكومة)، مستفيدة من التطورات العالمية في مجال الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والإتصال بين الناس.

وفي التاريخ الاحتجاجي الأردني تتشابه المسألة ما بين احتجاجات عام 2018 وسابقاتها، حيث يلاحظ أن الإصلاحات الاقتصادية بدأت في الأردن كجزء من الضغوطات التي يتعرض لها من بيئته الخارجية، سواء من مطالب المؤسسات المالية الدولية وحالة عدم الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي ينعكس سلبيا في تحقيق حالة من عدم المواءمة مع طبيعة البيئة الداخلية فيبدأ معه دور الدولة الداخلي في التراجع على حساب اهتماماتها الخارجية فتنشأ معها إختلالات داخلية تقود إلى حالة من عدم الاستقرار، يتم التعبير عنها من خلال إضطرابات وإحتجاجات شعبية، وهذا ما حدث بقوة في الاحتجاجات الشعبية أعوام 1989، 1996، و2009، و2011.

وأطلق الأردن في منتصف عام 2017 خطة لتحفيز النمو الاقتصادي الأردني 2018 - 2022 اشتملت على إستراتيجيات اقتصادية ومالية موزعة قطاعياً تعمل على تأطير ملامح الرؤية والسياسات المتعلقة بكل قطاع لمجالات النمو. وتدخل بعض القوانين الاقتصادية اليوم كجزء من تنفيذ البرنامج الإصلاحي للسياسات المالية والاقتصادية المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، بما يضمن توفير المرونة الاقتصادية الكافية لمواجهة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة حسب سياسات الحكومة الأردنية.

وفي الوقت الذي يدرك النظام السياسي في الأردن حجم شرعية المطالب الشعبية التي ينادي بصلاحها المحتجون، لاسيما تلك الماسة بحياة المواطن كقانون ضريبة الدخل المثير للجدل حاليا في ظل إنخفاض في مستوى الدخل وارتفاع البطالة لشرائح كبيرة من الأردنيين، هناك تخوف حقيقي من مسؤولين أردنيين من تأثير الوضع الإقليمي في حالة مقاربة مع كل الاحتجاجات الشعبية على ضرب إستقراره وتكرار النسخة المشوهة من مخرجات الربيع العربي، بالرغم من أن الإحتجاجات كانت سلمية تماما، وعليه تشكل حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية.

ولظاهرة العنف الاجتماعي في الأردن دور كبير في دفع الاحتجاجات بالتوجه نحو الخيارات السلمية في التعبير عن مطالبها، لكن تكرار النسخة السورية أو الليبية من جديد في الأردن غير مستبعد إذا ما رغبت الولايات المتحدة وإسرائيل بذلك، وهو أمر غير وارد الآن نهائيا كما سيتضح، ويمكن قراءة التخوف الأردني من حالة عدم الاستقرار السياسي من زاويتين:

الأولى: الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي وصفقة القرن

يحاول عدد من مؤيدي النظام الأردني بإطفاء جمرة حركة الاحتجاجات في الأردن بربطها في مسألة صفقة القرن (نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بإشراف ودعم مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقابل ضمانات أمريكية لأنظمة عربية خليجية من مسائل إقليمية كالنفوذ الإيراني في المنطقة)، بمعنى أن البعض يرى أن الاحتجاجات الكبيرة في الأردن هي حركة موظفة من قبل قوى إقليمية كإسرائيل ومؤيدي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس من العرب، والسبب يرجعه هؤلاء إلى ما عدوه رفض الجانب الرسمي في الأردن لصفقة القرن كاعتراف رسمي بضم القدس عاصمة لإسرائيل وأحقيتها التاريخية والدينية بهذه المدينة مثلما يزعم الإسرائيليون والأمريكيون، وباعتقادي، "إن ربط الاحتجاجات الشعبية المطلبية بموقف الأردن من صفقة القرن هو تعليل واهم لسبب أساسي، إن الأردن من البلدان العربية التي لها علاقة دبلوماسية وثيقة وفوق العادة مع العالم الغربي وبالتحديد مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ولها أيضا علاقات ودية ومعاهدات سلام مع إسرائيل إضافةً إلى ما تعده الولايات المتحدة، وإسرائيل من موقف إيجابي رافض للتهديدات المباشرة وغير المباشرة لأمن إسرائيل من قبل الحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان وسوريا وداعميها من الأنظمة السياسية".

الثانية: الصراع الإقليمي (الخليجي ــ الإيراني) وارتفاع أسعار المحروقات

يتمثل العامل الثاني بصراع عدد من دول الخليج بقيادة السعودية مع إيران، خصوصاً من موقف النظام الأردني من الوجود الإيراني في سوريا ودعمها لبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، ومن المعروف أن الأردن جزء أساسي من مصدره الاقتصادي ناتج من السياحة الداخلية والجزء الأكبر على التسهيلات الاقتصادية النفطية من الأنظمة العربية الغنية بالنفط كالسعودية، والكويت، والبحرين، والإمارات فضلا عن العراق، وسبب رئيسي من أسباب فوران المظاهرات الاحتجاجية الأخيرة هو ارتفاع أسعار المحروقات، وهذا يعني أن هناك نقص في توريد النفط الخام إلى الأردن أو زيادة كبيرة في أسعار النفط من قبل الدول المشار إليها، إذ تحاول هذه الدول خصوصا الخليجية منها الضغط على الأردن اقتصاديا حتى ينصاع الأخير لمطالب دول الخليج بقيادة السعودية لاسيما فيما يخص النفوذ الإيراني والنظام السوري وحلفاءه في لبنان والعراق.

يؤدي ارتفاع أسعار المحروقات مع استمرار المشكلات والاختلالات الاقتصادية إلى عجز الميزان التجاري، وعجز الموازنة العامة، وتفاقم المديونية الخارجية منذ العام 2011، وبحسب تقارير وزارة المالية في الأردن بلغ في نهاية الربع الأول من العام 2016 نحو 26 ملياراً و542 مليون دينار، مما يعادل 37.424 مليار دولار يمثل 95.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنهاية الربع الأول من العام، وبالمستوى ذاته للدين العام كنسبة من الناتج في نهاية 2016.

وبلغت خدمة الدين العام الخارجي خلال الربع الأول من عام 2017 نحو 49.2 مليون دينار (34.9 مليون دولار) موزعة بواقع 42.6 مليون دينار (30.2 مليون دولار) أقساط، و6.6 مليون دينار (4.7 مليون دولار) فوائد، وبلغ الدين العام الداخلي (موازنة عامة وموازنات المؤسسات المستقلة) في نهاية الربع الأول من عام 2017، نحو 13.957 مليار دينار (9.9 مليار دولار) أو ما نسبته 50.2 في المائة من الناتج المقدر لنهاية الربع الأول من عام 2017، مقابل نحو 13.780 مليار دينار (9.8 مليار دولار) بالمستوى نفسه من الناتج لعام 2016.

لكن ستلجأ دول الخليج باتخاذ خطوات التراجع وتقديم التسهيلات الاقتصادية النفطية مرة أخرى وهذا ما تم فعلا بعد اللقاءات بين الملك الأردني عبد الله مع ملوك السعودية والكويت والبحرين على مستوى القمة في الرياض والكويت، لتتراجع معها كل السيناريوهات السياسية والاقتصادية تجاه الأردن لاستمرار الرغبة الأمريكية بتماسك النظام السياسي الأردني، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك جيدا أن الضغوطات سيكون لها نتائج عكسية، فكلما تصاعدت الضغوطات الخليجية كلما تقرب الأردن أكثر من إيران الخصم اللدود للمحور السعودي - الإماراتي - البحريني، وهي الحالة التي تمارسها مصر أيضا بالتقارب مع إيران للضغط على السعودية والبحرين في إرفادها بالنفط الخام لسد حاجياتها الصناعية.

وعليه ان ضغوطات دول الخليج ستوفر لإيران حافزا في أن تكون البديل الاقتصادي، وقد تتطور إلى علاقات فوق العادة مع الدول التي تعاني من الشحة الاقتصادية النفطية، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة في ضوء كثرة مشاكلها بسبب تصاعد الدور الروسي والصيني والإيراني في مناطق الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق