أعلنت الولايات المتحدة يوم الأحد الموافق 22/3/2015 عن إجلاء جميع جنودها والبالغ عددهم مئة جندي تقريبا من قاعدة (العند) جنوب اليمن بسبب التدهور الأمني الخطير في اليمن، ورغم إن دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية قد فسروا هذه الخطوة الأمريكية على إنها قرار أمريكي بالتخلي عن اليمن لصالح إيران، لكن الحكومة الأمريكية يبدو أنها كانت تخطط لشيء آخر يحصّن اليمن من هيمنة إيرانية متوقعة، وأمام تقّدم الحوثيين وأنصارهم من أتباع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، أدركت السعودية إنها لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي فأعلنت على لسان وزير خارجيتها (سعود الفيصل) "انه إذا لم يتم إنهاء الانقلاب الحوثي سلميا، سنتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة" وهو أول تهديد سعودي مباشر بالرد عسكريا على انتصارات الحوثيين.
وعند الربط بين توقيت سحب الجنود الأمريكيين وتوقيت التصعيد الإعلامي والسياسي السعودي تجاه الحوثيين، يمكن أن نستنتج أن الولايات المتحدة بدأت أخيرا تستجيب للضغوط السعودية والخليجية باتجاه ضرورة الوقوف بوجه التمدّد الإيراني في المنطقة.
وقد حلّت ساعة الصفر، فأعلنت السعودية في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس الموافق 26/3/2015 عن بدء ما اسمته (عاصفة الحزم)، ولا غرابة أن يتم هذا الإعلان على لسان السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، لتوحي الحكومة السعودية إن هجومها العسكري على اليمن يحظى بدعم وتأييد واضحين من الولايات المتحدة، والحقيقة إن السعودية لا تتجرأ بالقيام بمثل هكذا عمل عسكري دون موافقة مسبقة من الولايات المتحدة والدليل إن البيت الأبيض أعلن مباشرة عن دعمه للهجوم السعودي سياسيا ولوجستيا.
وعند البحث في الأسباب الحقيقية للهجوم السعودي، نجد إن الدافع الرئيسي وراءه يكمن في التخوّف السعودي من تحوّل اليمن في ظلّ سيطرة الحوثيين إلى منطقة نفوذ إيراني تضاف إلى مناطق النفوذ الإيرانية الأخرى في العراق وسوريا ولبنان، مما أثار قلق السعوديين من احتمالية تعرّض أمنهم الوطني إلى تهديد حقيقي مصدره دولة مجاورة هي اليمن قد تكون حليفة لإيران إذا ما استقرت أحوالها لصالح الحوثيين.
إن السعودية أرادت من وراء هجومها على اليمن توجيه رسائل إلى إيران بأنها قادرة على تشكيل تحالف من دول المنطقة قادر على التصدّي لمحاولات التمدّد الإيراني، وإنها لن تسمح بقيام حكومة يمنية موالية لإيران، فضلا عن شعور السعودية بأن إيران قد حققت مكاسب سياسية من خلال زيادة نفوذها في العراق ونجاحها في حماية حكومة بشار الأسد من السقوط وهذا ماعدّته السعودية نصراً إيرانيا افقد السعودية هيبتها، فبدأت السعودية تصوّر الأمر وكأن الشرق الأوسط يعيش العصر الإيراني، لذلك وجدت السعودية في اليمن فرصة لاستعادة هيبتها المفقودة من خلال محاولة إلحاق الهزيمة بالحوثيين لتصوّره بأنه هزيمة لإيران مما يرد للسعودية اعتبارها السياسي.
ولا يخفى إن صراع الإرادات بين إيران والسعودية قد اخذ بعداً واضحاً في مشكلة اليمن ولعل الصراع الأيديولوجي بين البلدين كان هو السبب الأول في دفع السعودية إلى مغامرة الهجوم على اليمن أكثر من الهاجس الأمني، كما إن الإمكانيات المحدودة للحوثيين وضعف تسليحهم وغياب التخطيط الإستراتيجي العسكري لديهم خلق لدى السعوديين القناعة بأنهم قادرون على إلحاق الهزيمة بهم بسهولة مطلقة، والحقيقة إن نظريات ومفاهيم السوق والتعبئة العسكرية ترى إن القوة الجوية لا تكفل تحقيق النصر في جميع أنواع الحروب، فطبيعة الجغرافية في اليمن وطريقة قتال الحوثيين التي تشبه إلى حدٍ ما حرب العصابات، قد تبدد الآمال السعودية بحسم المعركة جوياً وهنا لابد من تدخل عسكري، ويبدو أن السعودية لم تحسم بعد أمر التدخل العسكري البري لأنه غير مضمون النتائج وقد يغرق القوات البرية السعودية في مستنقع الجغرافية اليمنية المعروفة بقساوتها.
وهنا نود أن نعرّج على طبيعة المواقف السياسية وردود الفعل الدولية على الهجوم السعودي الخليجي على اليمن، فأغلب الدول أيدت ودعمت هذا الهجوم باستثناء إيران التي استنكرت ونددت به ولكن ليس من المتوقع أن يكون لهذا التنديد والاستنكار أي تأثير على القرار السعودي بالاستمرار بتوجيه الضربات الجوية لحين تحقيق الهدف منها وهو تحجيم قدرات الحوثيين وإجبارهم على الانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها والدخول في حوار مع الأطراف اليمنية الأخرى.
وهنا يُطرح السؤال الآتي: هل ستتبنى إيران موقفا داعما للحوثيين بقوة إلى درجة تقديم العون المادي والعسكري؟ والإجابة على هذا السؤال مرتبطة بحقيقة إن الاقتصاد الإيراني يعاني من مشاكل كبيرة بسبب تدّني أسعار النفط والعقوبات المفروضة على إيران، كما إن الجهد العسكري حاليا منشغل بحرب العراق على الإرهاب والحرب السورية ولا اعتقد إن إيران قادرة على توفير الدعم اللازم للحوثيين للوقوف بوجه ترسانة عسكرية سعودية كبيرة ومتطورة، فالسعودية أنفقت ما يقارب 150 مليار دولار على التسليح في السنوات القليلة الماضية، فضلا عن الدعم اللوجستي والاستخباراتي الأمريكي والدعم الخليجي والأردني والمصري.
إن كل ما يمكن أن تقدمه إيران للحوثيين هو بذل جهود دبلوماسية لوقف الضربات الجوية وإقناع الحوثيين بالانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها ومحاورة الأطراف اليمنية الأخرى لتقرير مستقبل اليمن.
وحول النتائج المتوقعة للهجوم السعودي الخليجي على الحوثيين، نرى إن تداعيات هذا الهجوم ستنعكس على المستوى المحلي اليمني وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي، فعلى المستوى المحلي نعتقد إن حالة الانقسام بين الأطراف اليمنية ستزداد حدة وستتفاقم حالة الصراع والقتال مابين الفصائل المتنازعة وستنهار المؤسسات اليمنية وستتحول اليمن إلى دولة فاشلة بشكل تدريجي.
أما على الصعيدين الإقليمي والدولي فستشهد العلاقات السعودية- الإيرانية مزيداً من التوتر والتصعيد وقد تسعى إيران إلى إحداث اضطرابات داخلية في شرق السعودية ذات الغالبية الشيعية من اجل زعزعة الاستقرار السياسي والأمني فيها، وكما نتوقع مزيدا من الانقسامات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط بسبب البعد الطائفي للهجوم السعودي على الحوثيين، كما ستتأثر المفاوضات حول الملف النووي الإيراني بين إيران والدول الغربية، إذ ستشعر إيران إن الولايات المتحدة لم تحترم الرغبة الإيرانية في اليمن وإنها قد رضخت للضغوط السعودية وبالتالي قد تلجأ إيران إلى التشدّد في مواقفها مما سيؤخر الوصول إلى اتفاق نووي بين إيران والدول الغربية.
وبشأن المواقف المؤيدة لهذا الهجوم فقد تتغير المواقف الدولية وقد ينقلب هذا التأييد إلى مطالبات بوقف الحرب واللجوء إلى التسويات السلمية خصوصا إذا لم تحقق الضربات الجوية السعودية لليمن أهدافها في مدة قصيرة، وبالتالي سيتضاءل الدور السعودي في المنطقة خصوصا إذا فشل هجومها على الحوثيين ولن تكون قادرة في المستقبل على تشكيل تحالفات جديدة من الدول الصديقة لمواجهة أي حالات أخرى في المنطقة، أما نجحت الحملة العسكرية السعودية في تحقيق مبتغاها فسيزداد عندها ثقل السعودية الإقليمي وسيدفعها هذا النصر إلى الانفلات ومحاولة تكرار التدخل في النزاعات الأخرى للمنطقة مثل العراق وسوريا وليبيا.
اضف تعليق