q
لقد عانى المواطن من تردي المنظومة الكهربائية وتحمل طيلة السنوات الماضية استحقاق هذا الامر من خلال اعتماده على المولدات الاهلية، التي استنزفت مدخوله واربكت حياته وحطمت نفسيته، وتسببت ايضا في حرمانه من مباهج عدة، ناهيك عن تعطل الكثير من اعمال الناس اصحاب المشاغل الصغيرة، ممن يعتمدون على الكهرباء في عملهم...

روى لي صديقٌ من احدى المحافظات الجنوبية، حكاية طريفة حصلت له قبل نحو عقدين من الزمن، او خلال الحصار، وخلاصتها، انه تلقى دعوة من احد اصدقائه في احدى النواحي النائية في المحافظة لحضور زفاف ابنه، ولكي يصل في وقت مناسب استأجر سيارة (تاكسي) من احد انواع تلك الفترة، وقديمة بعض الشيء، لكنها تبدو بصحة جيدة، او هكذا قال له صاحبها، عندما مازحه الصديق قائلا، بانها قد لاتوصلنا! وبعد ان انطلقا عصر ذلك اليوم الايلولي كما يقول، بدت السيارة تسحل نفسها بقوة، لكنها كانت تسير على اية حال، وفي منتصف الطريق توقفت، فقام السائق باصلاح العطل وانطلقا من جديد، لكن عطلا آخر قد حصل وتوقفا لاصلاحه ايضا، ثم انطلقا من جديد، وبعد مسير بضعة كيلومترات توقفت كذلك، والسبب كان في الاطار، وهكذا مضت الساعات والصديق مع رفيقه السائق يكابدان مع سيارتهما العليلة، وسط شارع تمر فيه سيارات قليلة جدا، بين مدة واخرى، وكان من الممكن ان يركب صاحبنا باحدها ليصل الى حفل الزفاف بالوقت المناسب، لكنه وجد نفسه بازاء موقف اخلاقي يلزمه بالوقوف مع السائق المبتلى بهذه السيارة التي عليها ان تجلب للعائلة الفقيرة بضعة دنانير تقيم اودها في تلك الايام السوداء.. مر الوقت وحل الظلام، وهما مع سيارتهما على الطريق بانتظار سيارة معافاة، تسحب سيارتهما الى اقرب محل تصليح وهو ما حصل بعد وقت ليس بالقصير، وبعد ان انتهى حفل الزفاف وضاعت على صاحبنا الوليمة الدسمة وليلة السمر الجميلة! حيث تفرق الناس، ووصل الصديق الى صديقه صاحب الحفل معبأ بشيء من الخجل، وعذر مشروع وقتذاك، قاله لصديقه الذي تفهم الامر، مثلما تفهم صاحب السيارة الموقف واعتذر هو الاخر للصديق الذي تسبب له بهذا الموقف المحرج، ولم يطلب منه الاجرة التي اتفقا عليها، لان الحديث عنها بدا غير اخلاقي ولامنطقي ابدا!

قبل ايام، استذكرت تلك الحكاية، وانا استمع من خلال الاخبار الى طلب وزارة الكهرباء من المواطنين، تسديد ماعليهم من ديون، ترتبت خلال السنوات الماضية، والتي بلغت كما يقول الخبر اكثر من مليار دولار.. ومن الناحية المبدئية، يمكن وصف طلب الحكومة طلب تسديد الديون امرا طبيعيا، وهو من حقوق الدولة على الشعب الذي عليه ان يدفع مستحقات ما تقدمه الدولة له من خدمات، او هذا ما درجت عليه الدول ومنها العراق طبعا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، يذكرنا بموقف السائق الذي وجد نفسه محرجا امام المستأجر او صديقنا الذي تسبب له عطل سيارته العليلة او المريضة بحرمانه من حضور حفل الزفاف والوليمة وليلة السمر التي تحولت الى يوم من العناء والارهاق النفسي الذي ترتب على عطل السيارة في منتصف الطريق، ووقوفه مع السائق في (محنته) التي وجد انها تستحق منه التنازل عن الاجرة، والاعتذار ايضا من الصديق!

لقد عانى المواطن من تردي المنظومة الكهربائية وتحمل طيلة السنوات الماضية استحقاق هذا الامر من خلال اعتماده على المولدات الاهلية، التي استنزفت مدخوله واربكت حياته وحطمت نفسيته، وتسببت ايضا في حرمانه من مباهج عدة، ناهيك عن تعطل الكثير من اعمال الناس اصحاب المشاغل الصغيرة، ممن يعتمدون على الكهرباء في عملهم، وان ما انفقه العراقيون على الكهرباء في السنين الاخيرة، اكثر بكثير من المبلغ الذي تطالبهم به وزارة الكهرباء، وان على الحكومة ان تدفع (الفصل) العشائري للشعب من خلال التنازل عن تلك المستحقات، باستثناء المؤسسات الغنية التي كانت تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، وترهق المحطات على حساب حصص الناس الفقراء، ممن كانوا يسلخون جلودهم من اجل الحصول على بضعة امبيرات من المولدات الاهلية التي يتمنون ان يودعونها مع قرار من الحكومة يلغي ما ترتب عليهم من (ديون).

اضف تعليق