في العراق تشكل الحكومة على اساس قاعدة فريدة اسمها \"الاستحقاق الانتخابي\". ومعناها ان كل كتلة تحصل على حقائب وزارية تناظر عدد المقاعد النيابية التي فاز بيها. وهذا هو اساس المحاصصة الفئوية. والنتيجة هي حكومة الكل وليس حكومة الأغلبية السياسية مثلا. وحكومة الكل تلغي امكانية وضرورة وجود معارضة فعالة. وبالتالي تكون الديمقراطية في العراق كائنا يمشي على ساق واحدة هي الحكومة التي تحكم بدون معارضة...
يمثل تشكيل الحكومة او مجلس الوزراء اكبر معضلة يواجهها دوريا النظام السياسي الحالي في العراق. وهذه الصعوبة ناجمة من طبيعة هذا النظام الهجين الذي جاء بخلطة غير موفقة من الديمقراطية التوافقية والديمقراطية التمثيلية والنزعة الاستبدادية الموروثة والذاكرة الجمعية المختلطة.
في العراق تخوض القوائم الانتخابية الانتخابات لا لتحصل على أكبر عدد من المقاعد النيابية فقط وانما لكي تستولي على اكبر حصة او ما تيسر لها من السلطة. بل ان هذا هو هدفها النهائي.
في العراق تشكل الحكومة على اساس قاعدة فريدة اسمها "الاستحقاق الانتخابي". ومعناها ان كل كتلة تحصل على حقائب وزارية تناظر عدد المقاعد النيابية التي فاز بيها. وهذا هو اساس المحاصصة الفئوية. والنتيجة هي حكومة الكل وليس حكومة الأغلبية السياسية مثلا. وحكومة الكل تلغي امكانية وضرورة وجود معارضة فعالة. وبالتالي تكون الديمقراطية في العراق كائنا يمشي على ساق واحدة هي الحكومة التي تحكم بدون معارضة. وهذا ما يمنع وصف النظام بالديمقراطي فنلجأ الى عده نظاما هجينا.
احتلت فقرة الحكومة المقبلة حيزا ملحوظا في برامج القوائم الانتخابية، وذلك كما يلي:
١. دولة القانون:
تنفرد دولة القانون بالدعوة الى تشكيل حكومة الأغلبية السياسية.وفي توضيح معنى هذا المصطلح يقول البرنامج ان هذه الحكومة لا تعني انفراد مكون او حزب بالسلطة، بل تعني تمثيل كل مكونات المجتمع من خلال مشاركة عدد من الكتل السياسية المنسجمة والمؤمنة بإلغاء المحاصصة في هذه الحكومة فيما تشكل الكتل الاخرى جبهة معارضة للحكومة تراقبها وتحاسبها. ولهذا سوف تسعى هذه القائمة الى تشكيل اغلبية سياسية في مجلس النواب وتشكيل حكومة قوية تدعمها هذه الكتلة.
لا يصح ان نخلط هنا بين دولة المكونات ودولة المواطنة. دولة المكونات هي التي قادت الى اعتناق الديمقراطية التوافقية وهي التي حتمت تشكيل حكومات الكل على اساس المحاصصة.
اما دولة المواطنة فتتبنى الديمقراطية التمثيلية وتسمح بتشكيل حكومة الأغلبية السياسية التي تقابلها معارضة الأقلية السياسية.
فهل يمكن تشكيل حكومة اغلبية سياسية في دولة مكونات تعمل بديمقراطية توافقية شوهتها المحاصصة الفئوية؟ هذا هو السؤال الذي سوف يتحدى دولة القانون بعد ظهور نتائج الانتخابات.
ليس من الواضح ان دولة القانون سوف تعمل على ارساء دولة المواطنة.
٢. النصر
تحالف النصر عالج هذه المسالة بجملة طويلة هذا نصها:
"تشكيل الحكومة على اساس الاستحقاقين السياسي والوطني بما يضمن التكامل الوطني بعيدا عن الاستئثار بالحكم او التهميش او المحاصصة المقيتة ووفق معايير الكفاءة والنزاهة والمهنية".
قد يؤدي هذا النص الى المضي بطريق حكومة الكل. الاستحقاق السياسي قد يكون مرادفا لمصطلح الاستحقاق الانتخابي، والاستحقاق الوطني قد يعني المكونات، والتكامل قد يعني مشاركة الكل. وبالتالي تشكيل حكومة تشترك فيها كل المكونات، وكل الكيانات الفائزة. وهنا ياتي السؤال الحتمي: ماهي حجوم المشاركات؟ هل هي اعتباطية ام محسوبة وفق مقياس حسابي معين؟ هل نتحدث هنا عن اعادة انتاج المحاصصة بعبارات اكثر رقةً ودبلوماسية؟
٣. الفتح
ذكر تحالف الفتح ان من أهدافه "تشكيل جبهة سياسية وطنية موحدة لتحقيق مشروع التغيير الذي يتبناه التحالف وفق مبدا التكامل السياسي في البرامج الوطنية تكون قادرة على إدارة الدولة ..."
ولكن التحالف لم يتحدث عن تشكيل الحكومة، رغم انه أشار الى انه يسعى الى اقامة دولة المواطنة التي تفترض اتباع الديمقراطية التمثيلية ومعها حكومة الأغلبية السياسية. لكن الحديث عن "جبهة سياسية وطنية" قد يوحي بحكومة الكل وليس حكومة الأغلبية السياسية. وحكومة الكل قد تقود الى المحاصصة. لا يوجد في البرنامج تاكيد على التخلي عن المحاصصة في تشكيل الحكومة لكن يوجد نص عن ابعاد مؤسسات الدولة عن المحاصصة.
او ربما لم يشأ التحالف ان يحسم موقفه من هذه المسالة لحين ظهور نتائج الانتخابات.
٤. الحكمة
استخدم تيار الحكمة مصطلح "الأغلبية السياسية الوطنية"، حيث وردت تحته الفقرة التالية:"اننا سنكون اول المبادرين في التخلص من قيود التوافقية السياسية غير المجدية، وسنتعامل مع استحقاقات تشكيل الحكومة المقبلة وفق عنصر الكفاءة والتجربة والقدرة على الخدمة...".
يكتنف مصطلح "الأغلبية السياسية الوطنية" بعض الغموض. ذلك ان الجمع بين كلمتي الأغلبية والسياسية مفهوم، لكن اضافة الوطنية تسبب الغموض الذي اشرت اليه. فالوطنية قد تشير الى المكونات في نص لا يعلن التخلي عن دولة المكونات.
ايضا ربما ينتظر الحكمة نتائج الانتخابات ليفصح عن رأيه بشكل اكثر وضوحا وقاطعية.
نختم هذه القراءة بالقول ان تشكيل الحكومة العراقية قد لا يكون حصيلة اي من هذه النصوص التي قد توضع على الرف بعد اعلان نتائج الانتخابات وانطلاق السباق نحو تشكيل الحكومة. ثمة اعتقاد بان تشكيل الحكومة في العراق يخضع لمجادلات ونقاشات تتجاوز حدود الوطن ونتائج الانتخابات فضلا عن البرامج الانتخابية المعلنة.
اضف تعليق