q
اذا كانت قيمة اسقاط نظام صدام الذي صادر حق السيادة للشعب العراقي تكمن في اعادة حق السيادة اليه، فان النخبة السياسية التي خلفته في الحكم لم تُعد هذا الحق الى صاحبه، اي الشعب العراقي، واجتهدت في احتكار السلطة وعدم السماح بتداولها، في ٩ نيسان تم تحرير الشعب العراقي من سلطة صدام الاستبدادية، وفي ١٢ تموز من نفس العام استحوذت الطبقة السياسية على الحق السيادي للشعب العراقي.

منذ عام ١٩٩٨ دخل مصطلح "تحرير العراق" في ادبيات السياسة الاميركية حين صدر في ذلك العام قانون من الكونغرس بهذا العنوان.

وجاء في القانون:"على الولايات المتحدة ان تتبع سياسة مساعدة الساعين لإزالة النظام الذي يترأسه صدام حسين من السلطة في العراق والتشجيع على ظهور حكومة ديمقراطية لتحل محل هذا النظام."

القرار صدر في عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون الذي لم يكن متحمسا لزج حكومته بمثل هذه الالتزامات فبقي القانون في ارشيف الدوائر الاميركية حبراً على ورق، ولكن مع مجيء الرئيس جورج بوش الابن الى البيت الابيض بدات الروح تدب في هذا المصطلح وقانونه، وما ان حصلت احداث ١١ ايلول عام ٢٠٠١ حتى قفز القانون وموضوع الاطاحة بنظام صدام و "تحرير العراق" الى قمة الاولويات. ونشطت المعارضة العراقية في الخارج، وخاصة المرحوم احمد الجلبي من اجل تشجيع ادارة بوش على تبني سياسة اسقاط صدام و "تحرير العراق" من حكمه.

في وقت ما من عام ٢٠٠٢ اصبح الامر محسوما. فقد اتخذ بوش قراره بشن الحرب لاسقاط صدام. وتشكلت اللجان الاستشارية لبحث الجوانب العسكرية واللوجستية والادارية وغير ذلك من الامور التي تتطلبها عملية "تحرير العراق وادارته واعماره بعد سقوط النظام"، كجزء من متطلبات قانون تحرير العراق الذي قال في فقرته الاخيرة:"يرتأي الكونغرس أنه لدى إزالة صدام حسين من السلطة في العراق ينبغي على الولايات المتحدة مساندة العراق الى التحول الى الديمقراطية، وذلك من خلال تقديم المساعدات الفورية الكبيرة الى الشعب العراقي، ومن خلال تقديم المساعدات اللازمة للتحول الى الديمقراطية الى الأحزاب والحركات التي تتبنى الأهداف الديمقراطية، ومن خلال دعوة دائني العراق الأجانب الى تدبير موقف متعدد الأطراف لمعالجة ديون العراق الخارجية التي تورط بها نظام صدام حسين."

مضت الايام مسرعة، وما ان حل يوم ٢١ اذار عام ٢٠٠٣ حتى كانت القنابل الاميركية تنهال على مواقع مختارة من العراق فيما كانت القوات الاميركية والبريطانية تعبر الحدود الكويتية-العراقية متوغلة الى عمق الاراضي العراقية. في التاسع من نيسان كان "صنم" صدام في ساحة الفردوس يتهاوى، وتدوسه اقدام العراقيين الفرحين بسقوط الرجل الذي حكمهم ٣٥ سنة. انتهت الحقبة البعثية.

لا نستبعد ان هناك من شعر بالاستياء، وهناك من شعر بالفرح، لسقوط صدام ونظامه بالضربة القاضية الاميركية. ولكلٍّ اسبابه. فاما الذين استاءوا فقد عدوا ما حصل احتلالا. واما الذين فرحوا فقد سموه تحريرا. من الناحية الواقعية والعملية فان كلا المصطلحين صحيح بحسب زاويته. اسقاط نظام صدام كان تحريرا للعراق والعراقيين من حكم استبدادي دكتاتوري متوحش. ولا يقدح في هذا ان التحرير تم بقوات اجنبية. ولهذا سوابق. وبهذا المعنى لا غضاضة من استذكار هذا اليوم بوصفه يوم تحرير العراق.

ولكن، مع ذلك، مجلس الامن لم يتردد في اطلاق صفة احتلال على ما قامت به الولايات المتحدة وبريطانيا.

فقد اصدر مجلس الامن القرار ١٤٨٣ في ٢٤ مايس ٢٠٠٣ اقر فيه ان الولايات المتحدة وبريطانيا دولتان قائمتان بالاحتلال. وبموجب هذا القرار تشكلت سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق حيث كانت أول سلطة شكلت لإدارة أمور العراق بعد الإطاحة بحكومة صدام. تراس السلطة السفير بريمر الذي احتل نفس المنصب الذي احتله علاء الدبن عطا الجويني الذي عينه هولاكو لحكم العراق بعد سقوط بغداد عام١٢٥٨. وكانت هذه سلطة احتلال لما بعد ٩ نيسان الذي هو في نفس الوقت يوم تحرير. استندت سلطة الائتلاف المؤقت في حكمها للعراق الى قوانين الحرب والاحتلال العسكري المتفق عليها في الأمم المتحدة. امتد حكم سلطة الائتلاف إلى 28 حزيران 200٣ استنادا الى القرار ١٥٤٦ الصادر في في ٨ حزيران والقاضي بانهاء الاحتلال قبل ٣٠ حزيران ٢٠٠٤

لهذا يجب التمييز بدقة بين ما حصل صباح يوم ٩ نيسان عام ٢٠٠٣ وماحدث بعده. من بين سلسلة الاجراءات التي اتخذتها سلطة الائتلاف الكثيرة المثير بعضها للجدل، كان قرار تشكيل مجلس الحكم في ١٢ تموز ٢٠٠٣ الذي فتح الباب امام الفساد والمحسوبية والمحاصصة على مصراعيه. وفي ١ حزيران ٢٠٠٤ تم تشكيل الحكومة المؤقتة على نفس النهج. اذا كانت قيمة اسقاط نظام صدام الذي صادر حق السيادة للشعب العراقي تكمن في اعادة حق السيادة اليه، فان النخبة السياسية التي خلفته في الحكم لم تُعد هذا الحق الى صاحبه، اي الشعب العراقي، واجتهدت في احتكار السلطة وعدم السماح بتداولها.

في ٩ نيسان تم تحرير الشعب العراقي من سلطة صدام الاستبدادية، وفي ١٢ تموز من نفس العام استحوذت الطبقة السياسية على الحق السيادي للشعب العراقي.

اضف تعليق