q
ربما يمكنني القول ان اجواء الانتخابات في العراق، هي الأكثر سلبية بين جميع التجارب الديمقراطية التي تشهدها البلاد المماثلة لنا في مستوى فهم النظرية ومساحة التطبيق، بسبب الترويج المستمر لوجود المرشحين الفاسدين، والتنبؤ بالتزوير، فضلاً عن الكلام المستمر عن شراء الاصوات مقابل عطايا وهدايا...

ربما يمكنني القول ان اجواء الانتخابات في العراق، هي الأكثر سلبية بين جميع التجارب الديمقراطية التي تشهدها البلاد المماثلة لنا في مستوى فهم النظرية ومساحة التطبيق، بسبب الترويج المستمر لوجود المرشحين الفاسدين، والتنبؤ بالتزوير، فضلاً عن الكلام المستمر عن شراء الاصوات مقابل عطايا وهدايا، ولم تسلم البطاقة الالكترونية للناخب من عاصفة التشكيك بنجاح التجربة، فإن لم يكن الحديث عن تزوير البطاقة كونها ممغنطة، راح البعض يروج لاحتمال بيع هذه البطاقة وشرائها خلال فترة الانتخابات!

وبصرف النظر عن مسوغات هذا التوجه السلبي، بالارهاق الشديد الذي اصاب الشعب العراقي طيلة ثلاث دورات انتخابية لمجلس النواب، خرجت شريحة واسعة من اللصوص والفاسدين تسببوا بهدر مليارات الدولارات وخسائر مادية ومعنوية فادحة للشعب العراقي، بيد ان الخوض في السلبيات على نطاق واسع من خلال وسائل الاعلام، ورديفتها؛ وسائل التواصل الاجتماعي (الاعلام الجماهيري او سوشيال ميديا)، من شأنه، ليس فقط التحذير والتنبيه – كما يزعم البعض- وإنما يتعداه الى تكريس حالة اليأس من التغيير المأمول نحو الاحسن، فكل الطرق تؤدي الى الطريق المسدود! والأخطر من هذا، إعطاء رسالة خاطئة عن الاعلام العراقي بانه عاجز عن الإسهام في صنع رأي عام ايجابي وبنّاء يمكّن الناس من التأثير على القرار السياسي بما يضمن حقوقهم ويحقق طموحاتهم.

وبما ان صناعة الرأي العام أحد مهام الاعلام من خلال عملية الاتصال او التواصل التي تقيم جسور العلاقة بين الجماهير (المتلقية) وبين وسائل الاعلام، فان الجانب الايجابي والبناء هو اكثر ما يشير اليه الخبراء والمختصون في الاعلام، في شتى نواحي الحياة، فيعكف ارباب القنوات الفضائية او المطبوعات في وقت سابق، وسائر وسائل الاعلام والاتصال على فعل كل شيء للتأثير على الأذواق والعادات لاهداف عدّة منها؛ ثقافية او سياسية او اقتصادية.

وجاء في بحوث حول صناعة الرأي العام بأن تلكم الجهود الاعلامية الممنهجة والممولة، لن تكون بيدها العصا السحرية للتأثير على المتلقي وخلق رأي عام سريع وواسع ما لم تتوفر ميول ذاتية في افراد المجتمع لتلك الرسالة الاعلامية الموجهة.

ويورد الباحثون أمثلة على ذلك في موضوعات الصحة والطبخ والرياضة التي تحقق نجاحات تذكر لوسائل الاعلام في جهودها لصناعة رأي عام في اتجاه معين، بينما نلاحظ أمور وموضوعات اخرى، ربما تكون لها أهمية اكبر مما ذكر، بيد أن الاعلام يقف عاجزاً امام عادات او توجهات درجت عليها شرائح في المجتمع، كالمثال الذي يورده الدكتور فلاح المحنّة في "علم الاتصال بالجماهير"، بإقبال المصريين على المطربين الشعبيين المبتذلين اكثر من المشاهير المعروفين، وينقل عن أحد خبراء الاعلام بأن "تشكيل أذواق الناس لا يتعلق ببرامج وسائل الاعلام وحدها، بل تلعب العوامل الاجتماعية دوراً اكبر بكثير منها، كذلك الخواص الشخصية ومستوى التعليم والعلاقات الشخصية والعائلية".

وفي العراق نلاحظ أن طائفة من وسائل الاعلام المنتشرة على مواقع الانترنت، الى جانب الاعلام الجماهيري (مواقع التواصل الاجتماعي)، تركيزها على المستوى الثقافي والمعرفي المتدني للناس واستغلالهم للوضع النفسي المتأزم بسبب الخذلان والفشل من التجربة السياسية طيلة السنوات الماضية، في الإبقاء على الوضع القائم بل وتعميق الحالة السلبية اكثر، بما يعطي الرسالة الواضحة بعدم المشاركة في الانتخابات، وربما هم يتناغمون – من حيث لا يشعرون- مع المنهج المحافظ في السياسة الموسوم بالجمود والتخلف، بعكس المنهج الداعي الى الحراك الثقافي والسياسي وبعث الأمل والثقة في النفوس، كما جربت ذلك شعوب عدّة في العالم، خاضت حروب مدمرة، ربما اكثر من العراق، وتكبدت خسائر جسيمة، بيد أنها تمارس اليوم الديمقراطية بالقدر الذي يحقق لها مصالحها ويضمن حقوقها.

ان وسائل الاعلام في العراق، وتحديداً رجال الصحافة والاعلام في العراق، يقفون في مرحلة حساسة للغاية من التجربة الديمقراطية، فكل شيء لغير صالح الشعب العراقي؛ ليس فقط تهافت الاحزاب على السلطة وعلى الامتيازات مرة اخرى، إنما تهافت المحيط الاقليمي من جهة، والدولي من جهة اخرى على النفوذ في العراق، حتى بات الكلام مسموعاً عن تدخلات سعودية في دعم قوائم انتخابية على حساب اخرى، وهذه ايضاً تعد من سيئات الاعلام العراقي الذي لا يبقي مقالاً إلا وذاعه دون مقام مناسب، في حين من المتوقع أن يكون الاعلام أكثر ذكاءً من هذا، فيحجب أي نقطة سلبية من شأنها التقليل من شأن العملية الديمقراطية في العراق وتجعلها ألعوبة بيد هذا او ذاك، والتأكيد على أنها الأمل الوحيد للشعب العراقي في خلاصه من الديكتاتورية الفردية والديكتاتورية الحزبية وحتى الفئوية.

اضف تعليق