التفجير الذي جرى لموكب رئيس الوزراء يوم الثالث عشر من مارس وهو في طريقه لافتتاح محطة مياه في قطاع غزة لا يخرج عن السياق العام لتدهور الوضع الأمني في قطاع غزة وضعف السلطة، ولا عن السياق العام لحالة الاحتقان والتوتر السياسي بخصوص المصالحة والاتهامات المتبادلة...

ما أشبه ما يجري اليوم من ضعف السلطة وحالة فلتان أمني في غزة بما جرى عند بداية تنفيذ مخطط صناعة دولة غزة قبيل انقلاب حماس على السلطة ومرجعياتها.

التفجير الذي جرى لموكب رئيس الوزراء يوم الثالث عشر من مارس وهو في طريقه لافتتاح محطة مياه في قطاع غزة لا يخرج عن السياق العام لتدهور الوضع الأمني في قطاع غزة وضعف السلطة، ولا عن السياق العام لحالة الاحتقان والتوتر السياسي بخصوص المصالحة والاتهامات المتبادلة ما بين فتح وحماس عن سبب تعثرها، كما أنه يأتي في سياق نضوج مخطط صفقة القرن التي تولي اهتماما لقطاع غزة الذي سيكون مركز الدولة الفلسطينية في التسوية القادمة.

فبالنسبة للوضع الأمني العام في قطاع غزة فمنذ خروج إسرائيل من داخل القطاع في خريف 2005 والأوضاع الأمنية تسير في منحى مختلف عما هو في الضفة حيث تحول قطاع غزة لثكنة عسكرية تعج بالسلاح والمسلحين من كل الأطياف مع حالة من الفوضى الأمنية كما شهد القطاع عدة مواجهات بين حركتي فتح وحماس وسلسلة اغتيالات أو محاولة اغتيال لقيادات من الطرفين ولم ينجح وجود وفد أمني مصري في القطاع من النتيجة الحتمية لهذه الصدامات حيث سيطرت حماس على القطاع في يونيو 2007 وبعدها غادر الوفد الأمني المصري القطاع.

بعد انقلاب حركة حماس استمر الوضع الأمني والعسكري متوترا سواء من خلال المواجهات بين فصائل المقاومة وإسرائيل أو عمليات الاغتيال والتفجير داخل قطاع غزة، وبعجالة نذكر مهاجمة قوات حماس يوم 14 اغسطس مسجد أبن تيمية في رفح وتصفية زعيم جند أنصار الله عبد اللطيف موسى ومعه 19 من أنصاره، مواجهات مع جماعة جيش الإسلام بقيادة ممتاز دغمش في حي الصبرة في غزة، وضع عبوات متفجرة أمام منازل وفي مركبات قيادات لحركة فتح في شهر نوفمبر 2014، كما اتهمت حركة حماس إسرائيل وتنظيم داعش وحركة فتح بالمسؤولية عن اعتداءات تعرضت لها، ففي يوم الجمعة 25/7/2008 وقع انفجار في مركبة على شاطئ بحر غزة وراح ضحيته خمسة من قيادات الجناح العسكري لحماس وتم اتهام الفتحاوي زكي السكني، كما تناقلت الأنباء خبر إفشال مصر لمحاولة اغتيال إسماعيل هنية من طرف تنظيم داعش، اغتيال القسامي الفقها يوم 24 مارس 2017 على يد عملاء لإسرائيل، محاولة اغتيال المسئول الأمني أبو نعيم يوم 27 /10/2017 واتهام جماعات إسلامية متطرفة، تفجير انتحاري من داعش نفسه في موقع لحماس في رفح 17/8/2017.

ما سبق يُشير إلى أن قطاع غزة مخترق من عدة جهات معنية باستمرار حالة الانقسام ونشر الفوضى والفلتان الأمني، ويمكن أن نضيف لذلك أن أطرافا أخرى متعددة بالإضافة إلى إسرائيل المُتهم الأول لا تريد الاستقرار لغزة أو نجاح المصالحة. ففي حماس هناك من هو غير متحمس لمصالحة ترعاها مصر لأن هكذا مصالحة فيها تهديد لمصالحها أو لارتباطاتها الخارجية وخصوصا مع الإخوان المسلمين وقطر وإيران وتركيا، وهناك في حركة فتح والسلطة من لا يرغب في نجاح المصالحة أو يتخوف من أن تكون على حساب مصالحه وارتباطاته، بالإضافة إلى أطراف عربية وإقليمية لا تريد أن تسجل مصر انجازا لصالحها من خلال بوابة غزة، بالإضافة إلى الاعتقالات في صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة ومواجهات مع متظاهرين وارتفاع حدة خطاب التحريض والتخوين والذي لم يتوقف حتى بعد عودة طرفي المصالحة إلى طاولة الحوار مؤخرا، وهناك الغاضبون على السلطة والحكومة بسبب قطع الرواتب او تخفيضها الخ.

في قطاع غزة الصغير في مساحته والكبير في موقعه الجيوبولتيكي تتقاطع الحسابات الوطنية مع حسابات ومصالح إقليمية ودولية وبالتالي عندما نطبق القاعدة الجنائية عند وقوع جريمة والتي تقول : (أبحث عن المستفيد) سنجد أطرافا متعددة مستفيدة من جريمة استهداف موكب رئيس الوزراء وبالتالي من تعطيل المصالحة لأن إسرائيل أكبر المستفيدين من الانقسام وهي مهندسته حتى وإن شاركت معها أطراف فلسطينية وعربية بوعي أو بدون وعي في حدوث الانقسام بداية وفي استمراره وتعميقه لاحقا.

نتمنى أن تكون الاتهامات المتسرعة للأطراف الفلسطينية لبعضها البعض بالمسؤولية عن الانفجار مجرد ردة فعل انفعالية مؤقتة، وقد لمسنا سرعة تخفيف أو تعديل في صيغة الاتهامات التي وجهتها حركة فتح والسلطة لحركة حماس بالمسؤولية عن الانفجار، فحتى لو كان الأشخاص الذين زرعوا العبوة المتفجرة فلسطينيين من حركة حماس أو فلسطينيين آخرين فإن المدبر والمخطط هو إسرائيل لأنها المستفيدة الأكبر مما يجري في غزة.

وفي هذا السياق نُذكر بأن حالة الضعف التي تعيشها السلطة – سلطة بدون سلطة) والأوضاع الأمنية في قطاع غزة الآن حيث يتم التهيئة لوضع اللمسات الاخيرة على دولة غزة تشبه ما كان عليه الوضع عند بداية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع دولة غزة قبيل الانقسام.

ففي إحصائيات صدرت عن الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن عام 2007 لاحظت الهيئة أن :

" ارتفاعا كبيراً في نسبة جرائم القتل التي وقعت في ظل تصاعد ظاهرة الفلتان الأمني خلال العام 2006 , مقارنة بالأعوام السابقة. وأفادت الهيئة أن 322 مواطنا فلسطينيا قتلوا داخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية حتى تاريخ 30/11/2006, بنسبة زيادة 51.5% عن العام 2005، منهم 236 مواطنا قتلوا في قطاع غزة و86 مواطنا قتلوا في الضفة الغربية، وأشارت الهيئة إلى أن 93 حالة قتل تمت خلال 2004، بينما خلال عام 2005 قتل 176 مواطنا فلسطينيا داخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منهم 97 حالة في قطاع غزة و79 في الضفة الغربية بنسبة ارتفاع 90% عن 2004 ".

القضية الفلسطينية برمتها تمر اليوم بمنعطف خطير مما يدفعنا للتحذير من مزيد من التفجيرات والفوضى الأمنية وتسخين الجبهة على الحدود مع إسرائيل وربما مع سيناء، ومزيد من تدهور الوضع الاقتصادي والمعاناة الإنسانية في القطاع تزامنا مع اقتراب صفقة القرن أو المرحلة الأخيرة من مخطط صناعة دولة غزة، حيث لا نستبعد أن يكون المدخل لتطبيقها ليس من خلال طاولة مفاوضات بل حربا تفتعلها إسرائيل وفوضى وحرب أهلية في قطاع غزة.

Ibrahemibrach1@gmail.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق