تثير الزيارة المتوقعة لولي العهد السعودي الى العراق جدلا ولغطا في الاوساط الشعبية العراقية، ومن الطبيعي ان يثار ذلك في ضوء ما طبع العلاقات بين البلدين من تشنج واتهامات متبادلة طوال العقود الأخيرة
تثير الزيارة المتوقعة لولي العهد السعودي الى العراق جدلا ولغطا في الاوساط الشعبية العراقية، ومن الطبيعي ان يثار ذلك في ضوء ما طبع العلاقات بين البلدين من تشنج واتهامات متبادلة طوال العقود الأخيرة.
لكن لو وضعنا هذه الزيارة على طاولة النقاش الهاديء والموضوعي بعيدا عن الاحكام المسبقة والصورة النمطية التي اعتدنا في الشرق على استحضارها عند التعامل مع الخصوم والأصدقاء غير مكترثين بما يحدث من متغيرات شخصية وسياسية، قد نصل الى موقف معتدل وغير عاطفي، والسياسة لاتعرف العواطف.
اتخذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قرارات مهمة على صعيد بلاده منذ ان تولى ولاية العهد، فبدا وكأنه يريد فعلا ان يُحدث تغييرا سياسيا واجتماعيا. قد يقول بعضهم انه اطاح بخصومة السياسيين متذرعا بمحاربة الفساد، ليتمكن من الوصول الى مبتغاه في الحكم.
لكن يجب ان لاننسى ان هؤلاء الخصوم يُعتبرون من الحرس القديم الذي كان يدير سياسة خارجية تسببت بمشاكل كبيرة لبعض الدول ومنها العراق، وتنحيتهم عن ادوارهم تحت اي ظرف ولأي سبب، يصب في النهاية في صالح من يرغب بعلاقات جيدة وايجابية بين العراق والسعودية وهو ما يهم العراقيين أكثر من أي شيء داخلي آخر يتعلق بالشعب السعودي.
ولعل ما يدعم وجهة نظر المتفائلين هذه، ان ولي العهد السعودي التفت الى تحجيم عدد غير قليل من رجال الدين المتشددين السعوديين، واتخذ قرارات لجعل المجتمع السعودي اكثر تواصلا مع الحياة ولتجنيبه الانغلاق على افكار متشددة حدت بالكثير من ابنائه الى الانخراط في تنظيمات ارهابية.
هذه ابرز المؤشرات التي تجعل المراقبين يبدون تفاؤلا ملحوظا حيال آفاق السياسة السعودية تجاه العراق تحديدا، يُضاف اليها ما أعرب عنه مسؤولون سعوديون من رغبة في فتح صفحة جديدة مع العراق وما اقدموا عليه من خطوات ملموسة في هذا المنحى.
علينا ان لاننسى ونحن نقع في حلقة جغرافية يتنافس عليها الخصوم قديما وحديثا، أننا لايمكن أن نُغلق بعض أبوابنا بوجه جيراننا لأنهم سيعملون على إثارة المشاكل لنا نكاية بالآخرين ممن نقترب منهم أكثر أو إحراجا لنا بجعلنا هدفا لسهامهم.
ولابد من الاعتراف أن تدخلات الاخرين في شؤوننا تكون أكثر إيلاما كلما كان العراق أضعف عسكريا وسياسيا واجتماعيا.
وفي ضوء هذه المعطيات ماذا يجب علينا أن نفعل، وهل يمكن أن نستثمر خلافات الآخرين من حولنا بما يخدم بلدنا؟
هذا يتوقف على حنكة القائمين على السياسة الخارجية العراقية وعلى وعي وادراك الشارع العراقي، وأهم ما يجب ان تركز عليه السياسة الخارجية العراقية أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتلمّح بالاقتراب خطوة أكثر بهذا الاتجاه او ذاك، من حين لآخر، كلما تطلب الامر تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية لصالح العراق.
ولاشك ان هذا التلميح سيحفز الاطراف الاخرى المتنافسة اساسا فيما بينها، على التقدم باتجاه العراق اكثر لحصاد مكاسب سياسية واقتصادية، وكما بات معلوما فان العراق سوق اقتصادية وتجارية تهتم دول المنطقة بالوصول اليه فضلا عن كون العلاقة السياسية معه باتت هدفا لجيرانه المتنافسين فيما بينهم.
فليأت ولي العهد السعودي لزيارة بغداد، وليزر النجف وكربلاء والبصرة ايضا، وليحظ بترحيب رسمي وشعبي( لكن بعيدا عن المهاويل) فربما تتغير الصورة النمطية التي لديه ولدى الاخرين من الشعب السعودي عن العراقيين.
وقد نقل لنا التاريخ نماذج عديدة عن ملوك أو أمراء كانوا سببا في تغيير سياسات بلدانهم بعد أن وصلوا الى الحكم، وربما، أقول ربما يكون ولي العهد السعودي واحدا من اولئك.
وهو في النهاية، لن يأخذ من العراق إلا ما يتنازل عنه العراقيون أنفسهم، ولكن لابد من التأكيد على أهمية الابتعاد عن التهافت الذي يطبع سلوك عدد غير قليل من السياسيين والمواطنين حيال العلاقة مع السعودية، فلا داعي أن يشتم البعض ايران أو سوريا ولبنان، أو يعلن ارتماءه بالحضن السعودي، ويكيل المدائح المبالغ فيها وهو يرحب بولي العهد السعودي، فهذا خطأ سياسي جسيم.
فحين ترغب بتطوير علاقاتك مع المتخاصمين من حولك وتستثمرها لصالحك، لاتضع بيضك في سلة أحدهم بل اجعل كل واحد منهم يشعر إنك مهتم به، ليتحفز ويقترب منك أكثر.
اضف تعليق