تم تقديم مداخلة بعنوان : \"الإيتيقا من حيث هي فلسفة تطبيقية\" ضمن أنشطة مركز الدراسات بقرطاج تضمنت مقاربة نقدية لأزمة القيم التي يعاني منها المجتمع المعاصر في مستوى الأسباب والمخارج.

يأتي هذا النشاط في سياق فك العزلة عن علم الفلسفة ومنح المشتغلين بها أدوارا عمومية والاستفادة من المباحث الأكاديمية المتقدمة في مجال الأخلاقيات والإنسانيات والاستئناس بالنتائج التي أفضت إليها بغية معالجة الاحراجات الإيتيقية التي تطرحها التطورات العلمية والتكنولوجية وأفرزتها المطالب الحقوقية للأنواع الاجتماعية التي عانت من التمييز والازدراء على غرار الأقليات والأطفال والنساء والمعوقين.

انطلقت المحاضرة من سبر للآراء تم تنظيمه في الفضاء الافتراضي وشارك فيه عدد من المهتمين حول أسباب أزمة القيم التي تعصف بالمجتمع ورصدت انقسام الاستبيان بين سوء الحوكمة وتراجع الأخلاق ولاحظت وجود تداخل بين العامل السياسي والعامل الأخلاقي ترتب عنه انتشار للعدمية القيمية والحيرة الأكسيولوجية مع التنصيص على التحلي بالأخلاق الحميدة والسياسة العادلة من أجل بناء مجتمع سوي.

ضمت المداخلة ثلاثة أقسام كبرى تربط بينها فكرة ناظمة أساسية تتمحور حول عاجلية الدفاع عن الحقوق والحريات للفئات الهشة في سبيل احترام الكرامة البشرية وتوفير شروط أساسية تضمن تحقيق الإنساني.

القسم الأول تناول ظاهرة الأخلاق من جهة القواعد الكلية والقوانين الإلزامية التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع عبر الامتثال للأوامر القطعية والسعي نحو بلوغ الغايات المطلقة وشخص المأزق الذي تردت إليه الأخلاق العقلانية ووقعها في العديد من التناقضات ومصادرة حرية الاختيار وتغليب صوت الضمير على لغة الأهواء وذكر كذلك بالطابع الشكلي للأخلاق وما ترتب عنها من نية سيئة ونفاق ومثالية مفرطة.

القسم الثاني استدعى الإيتيقا بوصفها المخرج المتاح الذي يلوذ به الكائن البشري في الحقبة المعاصرة من أجل التخلص من العنف والعذاب والمعاناة والازدراء التي تسببت فيه شبه الحداثة الفوقية والثقافة القمعية ويدشن الطريق الملكي نحو العناية بالذات عبر الانفتاح على الغير واحترام الخصوصية وتقدير المختلف.

بينما تطرق القسم الثالث إلى راهنية التكوثر الايتيقي وأهمية وجود فلسفة تطبيقية تعالج الحالات الخاصة ضمن مقاربة ايتيقية قطاعية وبالتالي يجوز الحديث عن ايتيقا للمهنة وايتيقا للحياة وايتيقا للبيئة والمحيط وايتيقا بيولوجية وايتيقا طبية وايتيقا علاجية وقائية تتحرك حول سياسة الصحة في دائرة أولى، وبعد ذلك حاولت وضع تصور للخروج من الأزمة الاقتصادية باعتماد ايتيقا التنمية وايتيقا المؤسسة وايتيقا المال وايتيقا الأعمال وايتيقا المعلومة وايتيقا المعرفة حزمة ثانية، أما الحزمة الثالثة من الآداب الخلقية ضمت الأبعاد الحقوقية للوضع البشري ومست ايتيقا المسؤولية وآداب المناظرة والحوار والإقناع وايتيقا الفعل التواصلي وأخلاقيات الصفح وشروط المصالحة وأكدت على أولوية تدبير الذات ضمن ممارسة للحرية.

مقترحات... للتدبّر

لقد نبهت المداخلة من العديد من الآفات التي تهدد مستقبل الحياة على الأرض وتمزق النسيج المجتمعي وتدفع بعض الذوات إلى استعمال الأبعاد الجسمانية والروحانية في مسارب ضيقة وشعاب متفرقة ينجر عنها التدين المغشوش والتصوف السلبي والغلو والاستثمار الاقتصادي والتوظيف السياسي للأجساد.

لقد تم التأكيد على أهمية الحياة ضمن مجتمع عادل بشكل منصف تجد فيه الفئات غير المحظوظة نفسها وتستعيد كرامتها بنيل حقوقها وتمتعها بحرياتها ويسهل فيه للناس العيش معا ضمن إرادة سياسية مشتركة.

ما لفت النظر في نهاية المحاضرة هو الدعوة إلى تكوين لجان أو هيئات أو فرق ايتيقية قطاعية ذات صبغة استشارية تعمل على تكوين إيتيقا (أخلاقيات) إدارة الشأن العام وتدافع على احترام أخلاقيات المهن والأعمال وتكون مهمتها فض النزاعات وحلحلة المشاكل بين الأفراد والمجموعات والتوجهات بالطرق الحكمية الحوارية وتقدم مقترحات وتوصيات تساعد على تخطي الأزمات والتنبيه إلى المخاطر واستشراف المستقبل وتكون مهمتها تكوين خبراء في الإيتيقا التطبيقية ضمن أقسام الفلسفة بالجامعة.

فمتى يظهر خبراء في الإيتيقا التطبيقية (مستشارين إيتيقيين) مثلما وجد خبراء نفسيين وخبراء اجتماعيين وخبراء قانونيين؟

* كاتب فلسفي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق