مع تطور أجهزة الاتصال الالكترونية الحديثة، ودخولها بقوة في حياتنا، وتحولها الى وسيلة تواصل أساسية، تأثر مستوى التواصل الانساني المباشر بكل ما يحمل من توظيف الكلمات ولغة الجسد ووسائل التعبير الأخرى، ومن هنا سجلت الأبحاث والدراسات تغييب او انحسار العلاقات الانسانية وتأثر مستوى الحوار بين الأفراد، وحتى في طريقة استخدام المميزات المتاحة في تلك الأجهزة، يمكننا أن نقارن بين أن تصلك رسالة نصية بكل ما تحمل من دفء، ونفس الرسالة التي تصلك بواسطة الصوت، وبكل تأكيد أن للصوت ونبراته تأثير مضاعف وأقرب للقلب والقبول.
ومن الملاحظ أن أسلوب النقد عبر النقاش في مجموعات التواصل الاجتماعي او حتى الحديث الفردي "المكتوب"، لا يرتقي الى أسلوب النقد الحواري في الجلسات المباشرة والتي تظهر فيها تفاعلات مختلفة (كيمياء اللقاء الانساني)، لهذا فكلما اعتمدنا على النقد الكتابي في قضايا حساسة وجوهرية، كلما تحول النقد الى سلبي والحوار الى جمود، لذلك فإن الانتقال الى العمل الجماعي الفكري (الاجتماع، اللقاء، الندوة، المؤتمر...الخ) كلما أدركنا مكامن التباين في الاراء واستطعنا أن نذهب للتشخيص بدقة والبدء في المعالجة، ونقارن بين الآليات والأدوات المستخدمة.
لكي ينجح الحوار (المحادثة)، لابد من إيجابية الخطاب المتبادل، وابداء الرغبات الصادقة في التواصل الانساني بما يحمل من مشاعر واتفاق أو اختلاف يقصد به المعالجة، وكلما كانت ظروف الحوار صالحة وسليمة، كلما كان النقد البنَّاء في أعلى مستوياته، وأكثر مرونة وأقل تصلبا وجمودا، وبل يمكننا مباشرة تعريف النقد الايجابي من خلال الاسلوب وعرض الحالة والتعمق فيها، والوصول الى تلك الدوافع الشخصية او المهنية، والفهم العميق والرغبة الصادقة في التحسين والاصلاح، والابتعاد عن الإيذاء والتشهير والتحريض، أو رفض الأفكار لمجرد رفضها، ومن هنا فالحوار يفسر طبيعة الاخرين ينبئ عن شخصية وسيكولوجية الناقد ودوافع، فالحوار كما النقد هو نهج علمي يمكن تدرسيه وتطويره، وتلعب الفطرة الانسانية والمهارات الفردية عامل إيجابي مؤثر في كل منهما.
وكما في الأجهزة الالكترونية برامج لها خصائص، فإن للحوار خصائص يمكن بها أن نقرأ المعلومات الأصلية والأصيلة فيه، ونقرر أن الحوار مزور أو سليم، ونكتشف أسراره، ويتأثر الحوار بالنفس البشرية التي تتمتع بخصائص أودعها الله في الانسان، وتتكشف مع التعامل (الدين المعاملة)، وتعتبر ثقافة الحوار عامل مؤثر في النجاح، وهذه الثقافة لها سمات خاصة بها، وهي نتاج موروث شخصي أو مجتمعي او تأثير فردي أو تنظيمي، وهناك فروق واضحة بين التعبئة والثقافة، فالأخيرة جزء او رافد من الهوية، أما التعبئة فهي جزء من الجهد المبذول للوصول الى الثقافة وبالتالي تدعيم وتعزيز أركان الهوية، فلا حوار ناجح بلا ثقافة البناء، ولا بناء حقيقي بلا تعبئة فردية او جماعية.
الحوار بحاجة الى التغذية الراجعة، وهذه التغذية هي مواد النقد، سواء نقد الفكرة او الهدف او الادوات أو الاسلوب أو الاشخاص، وهذه التغذية تحتاج الى التحسين والتقييم، والتغذية الراجعة تثبت دائما أن الانسان لا يمكنه أن يكتفي ذاتيا بالمعرفة او الرأي الفردي، لأن كل انسان بحاجة الى الآخرين والى أشياء بوسعهم تقديمها له، وهذه هي (الاحتياجات) وكما للحوار آليات، والحقيقة تقول أنه لا يوجد سوى أليات ثلاث أساسية يتم بها تعاملنا مع غيرنا من الاخرين وهي:
أولا: استخدام القوة أو التهديد او الترهيب أو الخداع (أسلوب المجرمين)،
وثانيا: تسول العلاقات الانسانية،
وثالثاً: التبادل الايجابي في التعاملات مع الآخرين على قاعدة أن تفيد وتستفيد، وأن تأخذ وتعطي (وهي الالية المطلوبة).
اضف تعليق