صورة الشرق الاوسط الجديد التي لم تتضح معالمها النهائية بعد، والتي عملت عليها الادارة الامريكية الحالية على مدى فترتين رئاسيتين، افرزت الكثير من الخلافات بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة وحلفائها التقليديين من جهة اخرى، وعلى طول خط الازمة، في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين ولبنان وغيرها، ظهرت التوترات بين الحلفاء جلية، وان لم تصل الى مستوى القطيعة او الجفاء، الا ان مؤشرات سياسية واقتصادية اخرى (بعضها اتضح بصورة مباشرة والبعض الاخر بصورة غير مباشرة) كانت كفيلة بمعرفة مدى غضب الحلفاء التقليديين من سياسة الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، ومن هذه المؤشرات:
1. ظهور قوى جديدة في المنطقة، يمكن ان تتعاون معها الولايات المتحدة الامريكية في ملفات امنية وسياسية مهمة، وقد تكون كبديل عن القوى التقليدية في المنطقة، وهو ما اتضح من سكوت الولايات المتحدة الامريكية عن صعود الحوثيين في اليمن، او حزب الله في لبنان وسوريا، وقوات الحشد الشعبي في العراق، وهو امر ازعج حلفاء الولايات المتحدة الامريكية، معتبرين ان تحولا كبيرا في سياسية الولايات المتحدة الامريكية قد غير الكثير من معادلات القوى في المنطقة.
2. التقارب الامريكي- الايراني الذي بدأ مع المفاوضات السياسية حول الملف النووي الايراني، لينتقل الى تقارب على مستوى غير مسبوق، خصوصا في العراق وسوريا واليمن، ومع ان التوقيع النهائي على اتفاق نووي لم يحدث بعد، الا ان مؤشرات التنسيق العسكري الاخير في مكافحة الارهاب، والتنسيق السياسي المحتمل في حل قضية سوريا، يمكن ان يعطي صورة ايجابية حول امكانية ابرام اتفاق نووي في المستقبل القريب.
3. شهدت العلاقة مع اسرائيل، اقرب حلفاء الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الاوسط، اسوء فترة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية التي جمعت بين البلدين، بسبب الخلافات الحادة حول ملف السلام الفلسطيني-الاسرائيلي والملف النووي الايراني، وادى هذا الخلاف الى تبادل الاتهامات وخرق البروتوكولات الدبلوماسية، ولم يقتصر الامر على اسرائيل وحدها، فالسعودية شعرت "بالصدمة"، على حد قول الأمير السعودي "تركي الفيصل"، الرئيس الأسبق للاستخبارات وسفير بلاده السابق في واشنطن، على خلفية تصريحات وزير الخارجية الامريكي "جون كيري" وهو يلمح إلى ضرورة التحاور مع نظام الأسد لحل الازمة السورية، كمؤشر على تباعد وجهات النظر بين الحليفين، وغضب الأخيرة من تصرفات واشنطن، كما تشعر معظم دول الخليج وتركيا وبعض الدول الاوربية بنفس الشعور الغاضب من الولايات المتحدة الامريكية.
4. الصراع الاقتصادي الذي ولد هبوطا حادا في اسعار النفط (والذي اكد جملة من خبراء النفط والاقتصاد ان عوامل سياسية قد تقف خلف تدني اسعار النفط الغامض) العالمي، والصراع بين الدولار واليورو، اضافة الى التنافس الكبير على "قارات المستقبل الاقتصادي" والتي جاءت ضمن الصراع غير المعلن، وان كانت نتائجه الاقتصادية قد انعكست بصورة مباشرة على تباطء النمو الاقتصادي العالمي خلال الفترة الماضية.
موقف الولايات المتحدة
الولايات المتحدة الامريكية تتصرف كدولة عظمى لها اولوياتها ومصالحها العليا في منطقة الشرق الاوسط والعالم، لكن لا تستطيع العمل بمعزل عن حلفائها وبقية دول العالم على اختلاف صلاتهم القريبة او البعيدة عنها، ويكمن سر نجاح الولايات المتحدة الامريكية في المحافظة على تفوق سياستها الخارجية على مستوى العالم في تحولاتها "البراغماتية" المستمرة، فهي لا تقف عند نقطة معينة من دون ان تصلها بنقطة اخرى، ومع ان "الثوابت الاستراتيجية" للولايات المتحدة الامريكية لا تتغير الا ان "التكتيكات" التي تستخدمها لبناء او المحافظة على هذه الثوابت يمكن ان تتغير او تتفاعل مع مختلف الظروف، وهذا ما يريد ايصاله الرئيس الامريكي "اوباما" الى "حلفائه التقليديين" في المنطقة، فبدلا من الشعور "بالصدمة" او توجيه الاتهامات الى ادارة البيت الابيض "بالضعف" و"التردد"، تحاول الولايات المتحدة الامريكية الضغط على حلفائها الغاضبون من تصرفات الرئيس الامريكي او وزير خارجيته، للتكيف مع التغيرات الجديدة في الشرق الاوسط والتماشي معها، وهو امر قبله بعض حلفائها (ربما على مضض) في حين ما زال البعض الاخر يرفض حتى مجرد التفكير فيه.
ويرى خبراء ان الولايات المتحدة الامريكية تحاول الموازنة بين التوجهات الجديدة لسياستها الخارجية ومحاولة طمأنة حلفائها، خصوصا في الشرق الاوسط، ومع ان اغلب هؤلاء الحلفاء سيرضخون في نهاية المطاف الى رغبة الولايات المتحدة الامريكية، الا ان هناك مخاوف لا يمكن تجاهلها من حلفاء اشد غضبا من الاخرين يمكن ان يحاولوا وضع المزيد من العراقيل امام الولايات المتحدة، الامر الذي قد يولد المزيد من الصراعات التي يمكن ان تحدث على هامش هذا الغضب، في منطقة لا تتحمل المزيد من الخلافات سيما اذا كان مصدرها الحلفاء لا الاعداء.
اضف تعليق