حل البرد فجأة على بغداد في منتصف كانون الثاني فلا يجد البغداديون خيرا من المقاهي للاحتماء من البرد فالشاي الساخن يبدد الجليد، فقررت أن أسرع نحو مقهى أبو علي، لجلوس في مكاننا الأثير منه، في زاويته البعيدة عن ضوضاء مشجعي الكرة وهواة السياسة، وشاهدت أبو نجم وسيد راضي وحسن الرصافي وجمع من الأصدقاء، فسلمت عليهم وجلست ودار الحديث عن صديقنا أبو فاطمة المتعب ماديا، فقال أو نجم:
- الحقيقة اتصلت بكل من نعرف، فنحن نريد أن نساعد صديقنا أبو فاطمة فهو بالكاد يعيش براتبه الحكومي، وهو يسكن مثل اغلب الموظفين الشرفاء في بيت مؤجر، وهذا الشهر ارتفعت الاستقطاعات الحكومية من راتبه، حيث جاءت فاتورة الكهرباء كبيرة! مع انه لا يملك أجهزة كهربائية كثيرة، وقد تمرضت ابنته الصغيرة فاضطر أن يصرف على علاجها مائة إلف دينار، مما جعله يتعسر في تسديد الإيجار، وهنا جمعتكم كي نساعد صديقنا.
صمت أبو نجم ثم التفت ألينا ليقول:
- أنا لا أجبركم على شيء أريد المساعدة برضاكم.
فقمنا بجمع المبلغ كلا حسب قدرته وبرضا الكل، وجلسنا نتناقش حول أزمة السكن، فقال أبو نجم ليفكر كل واحد بفكرة لحل أزمة السكن، فهل يا ترى سنحصل على أفكار تفوق فكر أحزاب السلطة؟
● توزيع قطع أراضي
كان أول المتحدثين سيد راضي فقال:
- اعتقد يمكن حل أزمة السكن وبوقت قياسي لو تقوم الحكومة بتوزيع قطع أراضي على الموظفين والعسكريين، فعندها تهبط أسعار العقارات، وتحصل حركة بناء، نعم يجب توفير شركات بناء حكومية تتولى البناء وفق تصاميم مناسبة مع دفع مبالغ البناء بالإقساط المناسبة، وبهذا يحصل المواطن على بيت مناسب وأيضا تجعل أسعار العقارات مناسبة بدل ارتفاعها الجنوني الحالي، وأيضا ستتحرك الأيدي العاملة بسبب ثورة البناء التي ستحصل، فالفكرة مفيدة من أكثر من جانب.
باركنا للسيد راضي فكرته والتي نتعجب أن تغيب عن قادة الكتل وكبار الساسة! أما سيد راضي الإنسان البسيط الذي يسترزق من بيع الفلافل، فتحضر عنده الأفكار الكبيرة!
● أبراج سكنية
ثم تحدث حجي جبر عن فكرته، فقال:
- أنا اعتقد يمكن حل أزمة السكن عبر التزام الحكومة ببناء أبراج سكنية في مختلف مناطق بغداد، أي تبني برج سكني في كل فراغ ارضي متوفر، مثلا برج سكني في حي أور وأخر في الحبيبية وثالث في شارع فلسطين ورابع قرب حي العبيدي وخامس في المنصور، وهكذا تحصل ثورة في البناء والعمل، ويتم اشتراط أن تكون الشقق مرفهة ولا تختلف في مستوى التصميم والحجم وتكون بكامل الخدمات، وتوزع على الموظفين بالإقساط، وهكذا يحل جزء كبير من الأزمة، ويمكن تنفيذها في المحافظات فيكون لكل محافظة أبراجها السكنية.
أعجب الحضور بفكرة حجي جبر ووجدوها مناسبة وممكنة، بشرط تواجد حكومة شريفة وهذا ما لم نملكه لحد الان.
● الوزارات وبناء مجمعات سكنية
ثم طلب الأستاذ كرم من الحضور الإنصات لفكرته فقال:
- فكرتي تتمحور في جانب مهم، وهو أن تقوم كل وزارة ببناء مجمعات سكنية للموظفين، كل وزارة تتعاقد مع شركة بإشراف البرلمان لبناء مجمعات سكنية، بحيث تكون الشقق مرفهة وبمواصفات عالية وبخدمات متكاملة، لتوزع على الموظفين، حيث يحصل كل موظف على شقة من الوزارة، مقابل استقطاع شهري بسيط من راتبه، وهكذا تضمحل أزمة السكن وتنتهي محنة الحاضر ويستشعر المواطن أن الدولة في خدمته.
أعجب الحضور بفكرة الأستاذ، وهي لو تم تطبيقها منذ سنوات لكانت الأزمة بحدود اقل، لكن يبدوان وزرائنا والطبقة السياسية نائمة في العسل ولا تفكر بالشعب ومحنته.
● أذن لماذا يغيب الحل عن الساسة
تساءل الحضور من اتساع الأزمة وغياب الحلول مع أننا في جلسة بمقهى أبو علي خرجنا بأفكار يسيرة وممكنة وناجحة جدا فقال أبو نجم:
- يا أخوتي لقد ابتلى العراق بأحزاب لا تفكر بمشاكل الشعب، بل همها مكاسبها الخاصة، فالمصيبة العظيمة هي هذه الطبقة السياسية... التي تحكم العراق وتتصارع على المكاسب، فالحلول لكل مشاكل العراق ممكنة وكانت لتنجز لو تواجد الشرفاء في الحكم، لكن الحكم بيد... من عهد حكم الطاغية صدام والى الان والبلد يسير بنفس النهج الظلامي، حيث عملية سحق مستمرة للفقراء ومحدودي الدخل، واعتبارهم مجرد يد عاملة عليها أن تعمل وترضى بالمقسوم ولا تجادل ولا تفكر ولا تفهم، مع تعظيم أملاك الطبقة البرجوازية.
شعر الحضور بحزن كبير ويأس مخيف وقد ارتسم على الوجوه، فلا مستقبل ينتظرهم مع بقاء حلف الأحزاب بالسلطة، فقط قد فرح الأصدقاء بتجميع المبلغ المطلوب لصديقهم المسكين أبو فاطمة.
اضف تعليق