هل فكّر المواطن العراقي يوما أن يفهم الشروط التي تجعله مواكباً للعصر، ومنتسباً له، أو فكّر بالكيفية التي ينتسب فيها الإنسان الفرد، والمجتمع الى روح العصر؟؟، بالطبع ستأتي الإجابة عن هذا السؤال غير دقيقة، ولا جازمة، ولكن هناك من يفكر بالانتماء الى روح العصر وثمة من لا يأتي على باله هذا النوع من التفكير، تبعاً للمستوى الثقافي، وطبيعة منظومة التفكير والقيم والسلوك مجتمعة.
أما حين نركّز بصورة أكثر جدّية على صنع الظروف الملائمة للفرد والمجتمع كي يستطيع مواكبة العصر، فإن هذا الأمر يستدعي فهم الأخلاقيات المناسبة واعتمادها في السلوك اليومي بشرط أن تكون مستمدة من جذورنا الثقافية الأصيلة مع المزاوجة مع القيم الإنسانية المتفق عليها، وعندما نلقي نظرة على واقع المجتمع العراقي راهنا، فإننا سنلاحظ على نحو سريع بعض السلوكيات التي لم يعد يقبلها العصر، وبل وتنم عن حالة من الجهل والتخلف وكأنها راسخة الى الأبد ويصعب زحزحتها او القضاء عليها، بل يصعب الحد منها أيضا في ظل مشهد الفوضى العارمة التي تعم كل مفاصل الحياة العراقية الراهنة، ونعني بذلك الاجتماعية منها على وجه الخصوص بعد أن انعكست عليها الأنشطة والفعاليات السياسية والإدارية، فصار صانع القرار مؤثرا في الفعل الاجتماعي مؤثرا عليه في جانبه الأقل جودة ورصانة.
بالطبع هنالك أسباب كثيرة تؤثر سلبا على الوضع المجتمعي، فثمة آداب لجميع السلوكيات لا ندري لماذا لم يلجأ إليها الناس كي يتخلصوا من المظاهر العشوائية التي تلمّ بحياتهم، فعلى سبيل المثال وضع علماء الإسلام آدابا لأغلب سلوكيات الإنسان تتعلق بأدق التفاصيل، فمثلا هنالك آداب للكلام، والمأكل والملبس، وآداب الطريق وغيرها، حيث تقدم للإنسان نصائح دقيقة في هذا المجال كي يظهر أمام الآخرين بالصورة التي تليق بإنسانيته، ولعل جل هذه التوجيهات والنصائح تصب في عدم التجاوز على حقوق الآخرين، وهو شرط حضاري مهم تمارسه الشعوب المتطورة في جميع أنشطتها بمختلف أنواعها وصورها، لذلك من المهم أن يفهم الفرد العراقي كيفية هضم عناصر التطور العالمي في الفكر والسلوك بما يتماشى والعصر الراهن.
دور النخب في صناعة السلوك
المهم في هذا الجانب، أن تتصدر النخب الدينية والثقافية والفكرية قيادة المجتمع في هذا المضمار، ولعل الهدف من هذه الآداب هو تنسيق أنشطة المجتمع لكي تكون منسجمة ومتوائمة فيما بينها لكي تصبح الحياة أكثر قبولا وانسيابية، كما أنّ هنالك تركيزا واضحا على أهمية أنْ يحب الإنسان أخاه من خلال استخدام السلوكيات المتحضرة معه.
وقد وردت مقولات مهمة في هذا المجال منها ما جاء على لسان مدير معهد العلاقات الإنسانية الأهلي في نيويورك (جيمس بندر): (القاعدة الأولى التي وصفها الحكماء هي تلك التي تمثّلت في القول الخالد: -أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك- فهو يصدّر بها لائحة القواعد التي تساعد على اجتذاب الناس، ويعتبرها الخطوة الأولى والمهمّة في الطريق إلى - الشخصية الجذّابة-)، وهذا يعني أننا أمام مهمة بناء الشخصية الجذابة المبنية على أساس فهم وتطبيق القيم المنتِجة للسلوكيات المتحضّرة.
ودائما ما نكون أما اختبار التمسك بالقيم القادرة على تغيير سلوكنا نحو الأجود، إذن فقاعدة _ أحبب أخاك- التي تعدّ أساسا جيدا للسلوكيات الجيدة تقوم على وجوب الربط بين محبة الذات ومحبة الآخرين، والمساواة التامة في هذا الجانب، ولذا حين يسيء الإنسان في قوله كأن يطلق بعض العبارات التي تتجاوز على الذوق السائد او العام، فإنه بذلك ينافي شرط المساواة في المحبة بين الذات والآخر، وهكذا ينطبق هذا المعيار على الملبس الذي يسيء للآخرين وعلى كل ما يشكل تجاوزا على حقوقهم، بمعنى نحن نقف بإزاء تشكل شخصية متكاملة، عمادها الجوهر والمظهر المتوازن، فلا يصح الاهتمام بالظاهر على حساب البطن من الإنسان، والعكس يصح أيضا.
إظهرْ ما استطعت من احترام للناس
علينا أن نظهر الاهتمام بالآخرين، كبداية في تحسين السلوكيات الجمعية، وهكذا يُعدّ الاهتمام بالآخرين ومراعاتهم في القول او السلوك وما شابه هو حجر الزاوية في هذا المجال، لأن اهتمام الإنسان بأخيه الإنسان دليل على احترامه لحقوقه، يقول صاحب كتاب - كيف تكسب الأصدقاء؟!- (دايل كارنيجي): (إظهرْ ما استطعت من اهتمام بالناس، فهو ثروتك التي تزداد نموّاً كلّما أنفقت منها)، بالطبع الثروة المقصودة هنا ليس الربح المادي بقدر الربح المعنوي، لكن العلاقات الإنسانية الجيدة مع الناس سوف تنعكس إيجابيا على سمعة الإنسان فيستطيع أن يستثمر ذلك في مجال ربح الأموال.
لذا على الفرد أن يبذل أقصى ما يستطيع من اهتمام بالآخرين، فكلما كان اهتمامك كبيرا وواضحا بالآخرين كلما استطعت أن تكسب مودتهم ومشاعرهم حيث تزداد شخصيتك بهاء وقوة في المحيط الاجتماعي الذي تنشط وتتحرك فيه، ولعل الجانب الأهم من اهتمامك بالآخرين يكمن في إبداء السلوك الرصين الذي ينم عن الاحترام للآخر ويُظهِر الاهتمام الواضح به، كونه سوف ينتج نوعا من الاحترام المقابل.
أما في حالة عدم الاهتمام بالآخرين فإن الإنسان سوف يخسر الكثير، فالأفراد الذين لا يعيرون اهتماما لوجود الآخرين معهم سواء في المحيط العملي أو في الأمكنة العامة، ويتصرفون وكأنهم في بيوتهم الخاصة، كأن يطلق بعضهم العبارات الخادشة للحياء او الذوق او أن يقوم برمي القمامة في الشوارع العامة وفي أماكن ليست مخصصة لذلك، فضلا عن عدم مراعاة النظام والتقاليد التي تنمّ عن احترام الآخرين والاهتمام بهم، هؤلاء سوف يعانون من ردة فعل الناس، إذ لا يمكن أن يهتم بأمرك من تهمله أو لا تقدّم له الاحترام في قولك وسلوكك.
هنا تحديدا سوف يكون للوعي دوره الكبير في إظهار الاحترام المطلوب للناس، ومع أننا نقر بأن هذا الأمر يرتبط بدرجة وعي الإنسان وثقافته وهي التي تحدد طبيعة سلوكياته وأقواله، إلاّ أننا نلقي باللائمة على الفرد أولا ثم المحيط، كون الفرد لم يحث نفسه على كسب الثقافة التي تحصنه من الزلل تجاه الآخرين، كما أن القصور يتعدى الفرد الى المعنيين من المجتمع، إذ يتوجب ظهور النماذج التي ينبغي أن تقدم المشورة العملية والنظرية في هذا المجال، وثمة من يقول إن التدرج في اكتساب المعرفة والثقافة يقود إلى التدرج في اكتساب السلوكيات المتحضرة، واذا كان هذا الكلام صحيحا، فإن الأصح منه هو السعي لاكتساب هذه الثقافة من خلال بثها وترويجها بين جميع فئات المجتمع من قبل الجهات المعنية، سواء كانت رسمية تابعة للحكومي أو أهلية تابعة للمنظمات المتخصصة في هذا المجال، وبالنتيجة النهائية سيعود حسن السلوك بنتائج رائعة على الإنسان والمجتمع الذي يعتاد على احترام الآخرين.
اضف تعليق