لازالت الازمة بين بغداد واربيل تلقي بظلالها على تفكير صانعي القرار في كل من اقليم كردستان وبغداد. فالأزمة دخلت مرحلة سبات منذ توقف اللجان الفنية بين الطرفين عن الحوار حول ادارة المنافذ الحدودية بعد تمسك حكومة الاقليم بإدارة تلك المنافذ والمطارات او بالإمكان المشاركة مع بغداد في ادارتها وفقا للمقترح الاميركي الذي يقضي بذلك، وفي ذلك تناقض حكومة الاقليم ذاتها عندما تعلن انها متمسكة بالدستور كأساس لحل الازمة.
ومن جانبها تتمسك الحكومة الاتحادية بحقها الطبيعي والدستوري بان ادارة المنافذ الحدودية والمطارات هي من اختصاصات السلطات الاتحادية ولايمكن للإقليم ان يكون له اي دور في ذلك مهما كان حجمه. ولحين تحقق ذلك، تهدف الحكومة الاتحادية ان يكون وفد اقليم كردستان ممثلا لجميع القوى السياسية في الاقليم. وبدون ذلك لن توافق الحكومة على الجلوس مع حكومة الاقليم على طاولة الحوار لحل ثلاثة مشاكل رئيسة وهي الرواتب، الحدود، وادارة المنافذ الحدودية والمطارات.
قبل ايام تقدم رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بمبادرة للحوار بين بغداد واربيل برعاية الامم المتحدة. وبهذا السياق كشفت صحيفة الحياة اللندنية، السبت 23 كانون الاول الجاري ان الحوار بين بغداد واربيل سيبدأ مطلع السنة المقبلة 2018 بعد اعياد الميلاد، وان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم سيشرف على التحضير لهذا الحوار، فيما اشارت الى انه سيكون برعاية بعثة الامم المتحدة في العراق (يونامي).
وبالتوازي مع تلك المبادرة اندلعت احتجاجات منذ يوم الاثنين 18 كانون الاول الجاري في بعض مدن محافظتي السليمانية واربيل تطالب بإيجاد حل للصعوبات الاقتصادية التي يعيشها الاقليم منذ اكثر من سنتين، وبيان الايرادات والنفقات في الاقليم بشفافية والقضاء على فساد الاحزاب المتسلطة. فيما تطالب حركة التغيير والجماعة الاسلامية بحكومة انقاذ تتولى ادارة حل الازمة مع بغداد كون الحكومة الحالية في الاقليم قد فشلت وزادت المشكلة تعقيدا بعد اجرائها الاستفتاء في 25 ايلول الماضي، كذلك يدعو برهم صالح الى اجراء انتخابات نزيهة مبكرة في الاقليم لتسليم السلطة بشكل سلمي.
من تلك المواقف نجد التضاد واضح وكبير وان بداية الاحتجاجات والتصدي لها بعنف عمّقَ من هذا التضاد واصبحت الفجوة أكبر بين المواطنين والسلطة. وبالتالي اصبحت الازمة مع بغداد امر ثان في وقت تعمل حكومة الاقليم على امتصاص غضب الجماهير وتجنب حركة احتجاجية عارمة قد تتحول الى عصيان مدني يعطل الحياة تماما في الاقليم.
كما ان الوضع اعلاه يجعل حكومة الاقليم أكثر ضعفا في اوراقها للحوار مع بغداد لاسيما وان ارضاء الجماهير الكردية والتخفيف من حدة التظاهرات يعتمد في جزء كبير منه على حل الازمة مع بغداد لاسيما في جانب الرواتب. الامر الذي سيدفع حكومة الاقليم الى ضرورة الاسراع في حل الازمة.
ولذلك يرى البعض ان الرئيس معصوم يعمل على انتشال الاقليم من وضعه الصعب بأقل الخسائر بعد فقدان الاقليم اكثر مكاسبه السياسية والاقتصادية التي حققها بعد 2003.
ومن طبيعة الاحداث الجارية في الاقليم، يُلاحظ ان مهمة الرئيس معصوم لم تعد سهلة وان هناك المزيد من العقبات تقف امام هذه المبادرة اولها ترتيب البيت الكردي سياسيا عبر جمع القوى السياسية الكردية على موقف سياسي موحد تجاه الحكومة الاتحادية في القضايا المختلف عليها. وهذا الامر اصبح اكثر عسرا بعد احداث الاحتجاجات الاخيرة التي ادت الى مقتل وجرح العديد من المحتجين.
من جانبها لازالت الحكومة الاتحادية تمتاز بالثبات ووضوح الهدف. ولكن احداث الاحتجاجات في الاقليم تستدعي دورا اتحاديا لحماية المواطنين كونهم جزء من الشعب العراقي وهذا ما اكده رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي في مؤتمره الصحفي الاسبوعي الاسبوع الماضي.
لكن هذه اشكالية كبيرة امام الحكومة، فالتدخل العسكري المباشر من قبل قوات اتحادية يزيد الامور تعقيدا وربما تنجم عن ذلك مواجهات مباشرة بين قوات حماية الاقليم من بيشمركة واسايش من جهة وبين القوات الاتحادية من جهة اخرى.
لذا نرى بالامكان الاستعانة بالأليات السياسية عبر توظيف دور الامم المتحدة والمنظمات الدولية، وكذلك بالإمكان الاستفادة من الدور الاميركي والدبلوماسيين الغربيين عموما لدفع سلطات الاقليم لحماية المتظاهرين والعمل على تحقيق مطالبهم وابداء المرونة حول القضايا المختلف بشأنها وفقا لما نص عليه دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005.
اضف تعليق