لطالما كان الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي ميّزة للإمارات عن جارتها السعودية، مقابل شبه توّحد في المواقف السياسية. لكن تعاظم النفوذ الإماراتي في أكثر من ملف، يطرح أسئلة حول قدرة أبو ظبي على شقّ طريق خاص بها.
لاعتبارات تاريخية واقتصادية وحتى دينية، استطاعت السعودية أن تفرض مكانتها كأكثر دول مجلس التعاون الخليجي قوة وأكثرها قدرة على التأثير الإقليمي وحتى الدولي، لكن قوة صامتة داخل الاتحاد باتت خلال السنوات الأخيرة فاعلاً إقليمياً قوياً بعدما كان اسمها يترّدد أكثر في نجاحاتها الاقتصادية خلال عقود مضت. هي دولة الإمارات التي تعاظم نفوذها السياسي بشكل بات يطرح الكثير من الأسئلة حول إمكانية خروجها من الجلباب السعودي ، ليس فقط عبر امتلاكها وجهات نظر تخالف الرياض، بل أيضاً في تحرّكها على أرض الواقع.
تقارير صحفية قطرية على سبيل المثال تلمح الى تأثر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بنظيره الإماراتي، محمد بن زايد (يوصفان بأنهما من يحكمان بلديهما بحكم الأمر الواقع)، وهو ما تجسد في المشاريع الاقتصادية الضخمة التي أعلنتها السعودية للابتعاد عن سطوة النفط، تماماً كما فعلت الإمارات قبل مدة، وفي الإصلاحات الليبرالية التي اعتمدها المملكة بشكل يجعلها تقترب من النموذج الإماراتي الأكثر انفتاحاً في قضايا المرأة والدين، وكذا في مواجهة الرياض للإسلام السياسي بحماسٍ كبير يُحاكي التجربة الإماراتية. هذه المعطيات قد تدفع إلى الاستنتاج على الأقل بأن تفاعلاً يجري بين الدولتين الخليجيتين في التأثير والتأثر بدل الاستمرار في الهيمنة السعودية. بحسب d.w.
غير أن المسألة تبدو أكبر من مجرّد تفاعل بين الطرفين، فهناك خلاف صامت بينهما في الساحة اليمنية رغم اتفاقهما المسبق على مواجهة الحوثيين. ويتجسد الخلاف في الرفض الإماراتي غير المعلن لعبد ربه منصور هادي المدعوم من الرياض، في مقابل تساهل إماراتي مع علي عبد الله صالح الذي ترفضه السعودية بشدة، زيادة على الصراع على النفوذ داخل هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي، بشكل يعيد إلى الأذهان محطات من تنافس قديم-جديد بين أبو ظبي والرياض، يعود إلى الأيام الأولى لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
خلافات قديمة
من الناحية الظاهرية، تظهر علاقة الإمارات قوية مع السعودية، فهما مشاركان في عاصفة الحزم باليمن، وهما على موقف موّحد من الأزمة مع قطر، ويعتمدان مقاربة ثنائية في "مكافحة الإرهاب"، بيدَ أن مسار الدولتين لم يخلُ من خلافات قديمة تطفو من حين لآخر على السطح، فبعد إعلان تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وقع خلاف بينها وبين السعودية حول المناطق الحدودية في خور العديد وحقل الشيبة وواحة البريمي، ورغم توقيع الطرفين لاتفاقية جدة التي من المفترض أن تنهي الخلاف، إلّا أنه بقي قائماً، إذ يرى الإماراتيون أن الاتفاقية لم تنصفهم وفق تصريحات رسمية. ومن مظاهر هذا الخلاف رفض السعودية مشروع إنشاء جسر يربط الدوحة بأبي ظبي طُرح عام 2005.
حقل الشيبة
وليست الحدود وتوزيع الموارد النفطية النقطتين الوحيدتين في قائمة الخلاف، فرغم تأسيس مجلس التعاون الخليجي وتوّحد دول المنطقة وراء السعودية، إلّا أنّ "أبو ظبي"، وفق ما ينقله تحليل لهلال خشان من معهد ستراتفور بعنوان '"الخليج الخفي بين أكبر قوى مجلس التعاون"، بقيت متوجّسة حول إمكانية استخدام الرياض لهذا الاتحاد قصد التحكم بجيرانها الأصغر، ولذلك عندما توّلى خليفة بن زايد الرئاسة عام 2004، بدأ يتحدى الهيمنة السعودية بالمنطقة عبر تقوية قدرات بلده العسكرية وتطوير الاقتصاد وتحريك السياسة الخارجية. ويمضي الكاتب ذاته في القول إنه "إذا كان الربيع العربي قد وّحد الدولتين معا عندما عملتا معا لأجل الابتعاد عن موجاته، فذلك لم يمنع اختلاف وجهات النظر بينهما".
وتأتي التطوّرات الأخيرة الحاصلة في ملف رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق لتخلق شكوكاً في إمكانية تقوية الإمارات لحضورها في المنطقة، إذ شكّل منع شفيق من السفر (حسب ادعاءاته بينما تنفي أبو ظبي ذلك)، موقفاً مشابهاً لما تردد عن احتجاز سعد الحريري في الرياض، خاصة وأن شفيق يعلن رغبته باحداث تحوّل عميق في المنطقة.
اليمن.. ساحة تجاذبات بين القوتين
تحمل التطوّرات في اليمن بذور شقاقٍ بين الطرفين، فإن كانت الإمارات قد أعلنت مشاركتها في عاصفة الحزم إلى جانب السعودية ودول عربية أخرى، فإنها في المقابل تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي المناوئ لحكومة عبد الله هادي التي تتمسك بها السعودية بشدة. خلاف الإمارات مع حكومة هادي ظهر أكثر من مرة، خاصة في المواجهات التي دارت في فبراير/شباط الماضي بين قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات وبين قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي، حول مطار عدن الدولي، وأسفرت عن منع طائرة هادي من الهبوط. جريدة القدس العربي كتبت في افتتاحية لها إن النزاع عميق بين الطرفين، إذ تعترض أبو ظبي على أيّ تعاون لهادي مع حزب الإصلاح (إسلامي)، علاوة على رغبة إماراتية بتقوية حضورها الاقتصادي في اليمن.
لماذا تسعى الإمارات إلى توسيع نفوذها في جنوب اليمن وخليج عدن؟
وفق تحليلٍ لنيل بارتريك بمعهد كارنيغي تحت عنوان "الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن"، فإن السعوديين يخشون "أن تنتزع الإمارات مواطئ قدم استراتيجية ومن تقويض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي التقليدي للمملكة". ووفق الكاتب فهذه المخاوف تشتد بسبب "دفاع الإمارات عن علي عبد الله صالح، وكذا للدور المتوسِّع تدريجياً الذي تؤديه في الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر"، في إشارة منه إلى سلاح البحرية الإماراتي الموجود في شرق إفريقيا وفي جزيرة سقطرى اليمنية، إذ ساهم هذا السلاح في ضمان استمرار حركة المرور بباب المندب الحيوي الذي يربط البحر الأحمر ببحر العرب. ويتابع الخبير الاستراتيجي " أن الإمارات، وعلى عكس السعودية، ترى أن الرئيس هادي تعوزه الكفاءة ويقضي وقتا كبيرا في مجمّعه بالرياض".
ويمضي باتريك في التحليل مبيناً أنّ الخلاف يظهر كذلك في أهداف التدخل باليمن، فأبو ظبي تشكّك في استعداد الرياض لتدخل عسكري بري باليمن، إلا في حالة الدفاع عن الأراضي السعودية، بينما ترغب الإمارات بتدخل عسكري أكثر قوة يواجه إيران وحلفائها. في الجانب الآخر يقدّم هلال خشان زاوية أخرى للخلاف تظهر في ضعف التنسيق بين الطرفين، معطياً المثال بما أعلنته أبو ظبي من انتهاء مهمتها العسكرية في اليمن عام 2016 بشكل اعتبره السعوديون "صفعة في الوجه ترغب بإضعاف موقع السعودية كقائدة للتحالف"، بما أن الخطوة الإماراتية لم تُنَاقش معهم، حسب قول الكاتب.
تأثر إماراتي بقطر
وفي حديث لـDW عربية يقول أستاذ العلاقات الدولية، محمد نشطاوي، إنه من الناحية الظاهرية، هناك توّحد رؤى بين القوتين، لكن التمعن في طبيعة علاقتهما يكشف مؤشرات على رغبة إماراتية في تبني سياسات خارجية مستقلة لعدد من الملفات الإقليمية. وتستعين أبو ظبي في ذلك بتقوية قدراتها الاستخبارية حتى تتدارك الفارق بين قواتها العسكرية وقوات نظيرتها السعودية، وعبر بناء استراتيجية تعاون مع دول غربية بشكل لا يُشرك الرياض، وعبر اعتماد تعامل متناقض مع إيران: "بين الحفاظ على تبادل اقتصادي قوي معها مقابل التماهي مع الرؤية السياسية السعودية لإيران بوصفها عدواً".
ويعطي نشطاوي مثالاً آخر للطريقة التي تحاول بها الإمارات خلق استقلالية لمواقفها، فقد استفادت من اعتمادها مرجعية إسلامية أكثر انفتاحاً من المرجعية الوهابية في السعودية في نشر رؤية دينية قريبة من التصوّر الغربي للدين الإسلامي، أي رؤية قريبة من العلمانية، "ولأجل ذلك استنجدت أبو ظبي بمعاهد للفكر الإسلامي "المتنوّر" وبحركات تصوفية حتى تنشر هذا الفكر من جهة، ومن جهة أخرى حتى تواجه حركات الإسلام السياسي. ويرى نشطاوي أن الإمارات، ورغم توّحد موقفها مع السعودية في مقاطعة قطر، إلّا أنها تحاول إلى حد ما الاستفادة من الطريقة القطرية في خلق سياسات متفرّدة".
اضف تعليق