تلعب الولايات المتحدة دورا كبيرا في حلحلة وتقريب الاطراف في الحكومة الاتحادية واقليم كردستان بعد ازمة الاستفتاء الذي نظمته حكومة الاقليم يوم 25 ايلول الماضي. وقبل ذلك ايضا مارست دورا على حكومة الاقليم ورئيسه عبر رسائل مباشرة من قبل وزير الخارجية ريكس تيلرسون واخرى غير مباشرة وسجلت اعتراضها ورفضها للاستفتاء لدواعي ومبررات كثيرة ترتبط بالمصالح الاميركية والاهداف الاستراتيجية الاميركية في المنطقة تارة، وترتبط بالعراق كبلد على ابواب القضاء عسكريا على تنظيم داعش الارهابي تارة اخرى.
والى اليوم مستمر الدور الاميركي بطرح مبادرات للحل والوجود بممثلين في الحوارات التي جرت ولازالت تجري بين الطرفين. وآخر تلك المبادرات هو زيارة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش، بريت ماكغورك ولقاءة بحكومة الاقليم يوم الخميس 16 تشرين الثاني الجاري.
بعد مرحلة عصيبة من الاداء السياسي السلبي والمؤثر به اقليميا والذي افضى الى الازمة السياسية والامنية والاقتصادية التي يكافح العراق منذ ثلاث سنوات للخلاص منها، بات العراق على ابواب مرحلة جديدة وهو يخطو الخطوات الاخيرة للقضاء على داعش عسكريا، ويعود بقوة الى محيطه العربي والاقليمي، وبعبارة اخرى يمكننا القول ان عراق مابعد داعش ليس عراق ماقبل وخلال مرحلة داعش.
وهذا مايحاول صانع القرار العراقي ايضاحه للأطراف الاقليمية والدولية وقد نجح كثيرا في هذا المسار. ووفرت ازمة الاستفتاء فرصة ايجابية للعب هذا الدور وجرى توظيف الازمة محليا واقليميا من قبل الحكومة العراقية بالاتجاه الذي يعزز من مستوى الموثوقية بمؤسسات الدولة العراقية. كما وان المتابع يلاحظ ان الحكومة العراقية – ومن خلال مواقفها في الازمة ومواقفها الاقليمية – قد وضعت رؤية لسياستها الخارجية وسيادة انفاذ القانون على كامل اقليم الدولة.
ومن هذه المواقف والرؤى يمكن القول ان اهم وأبرز الثوابت الوطنية للحكومة العراقية بعد تصاعد مستوى شرعية انجازها سياسيا وعسكريا، والى حد ما اقتصاديا، وبعد وصولها بالبلاد الى مرحلة جديدة لها ركائزها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي وحدة وسيادة العراق، وتحقيق الاستقرار والسلم والمجتمعي. ومن هذه الثوابت يمكن وضع اهداف سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية وثقافية تكوّن اطار للسياسات العامة للمرحلة المقبلة.
وعودةً الى الدور الاميركي وطبيعة المبادرات الاميركية التي يُفهم منها جزئيا انها تحبذ ادارة مشتركة لماسميّ دستوريا " المناطق المتنازع عليها"، وكذلك ادارة مشتركة للمنافذ الحدودية والموارد الاخرى تلافيا للصدام المسلح بين القوات الاتحادية وقوات حماية الاقليم "البيشمركة" والذي قد يجهض جهود هزيمة داعش الارهابي وجهود اعادة الاستقرار والاعمار واعادة النازحين.
هذا الامر بيّن، ولكن المستغرب هو مضامين تلك المبادرات التي تجعل من حكومة الاقليم ندا للحكومة الاتحادية ومشاركا لها في القرار السياسي والاقتصادي والامني وهي صلاحيات اتحادية لايمكن للإقليم او اي من محافظاته ان ينفرد بذلك الامتياز ولا تتمتع به باقي محافظات البلاد ايضا.
عليه بقاء الامر في الاقليم على ماهو عليه هو شيء يتعارض مع النظام الاتحادي والدستور الاتحادي. وبالتالي اذا كان هذا الامر شائعا خلال المرحلة السابقة - وهو مخالف للاطر الدستورية والقانونية لأسباب سياسية - فإنه لايمكن الاستمرار بذات السياق بما يضع عامل خطر في المرحلة القادمة التي تحتاج الى توافر ارضية مؤاتية للتصحيح وهي سيادة القانون والنظام الدستوري. اذ ان تغييب هذا النظام لأي سبب كان، وعدم سيادة القانون على كامل اقليم الدولة لايمكن ان يكونا هذه الارضية. لذلك لازال الموقف السياسي الاتحادي سواء على صعيد البرلمان او الحكومة ثابت وواضح وهو ضرورة الالتزام بالدستور واول خطوة بهذا الاتجاه هو الغاء نتائج الاستفتاء وعودة الصلاحيات السيادية في الاقليم الى المؤسسات الاتحادية.
عليه نرى ان اية مبادرات اميركية لابد ان تتوافر على إدراك للثوابت الوطنية العراقية لاسيما وان الهدف المعلن من تلك المبادرات هو تحقيق الاستقرار وتلافي الصدام المسلح. وبدون ذلك تبقى هذه المبادرات بعيدة عن ردم الفجوة بين الطرفين وتضعف من هيبة الدستور كعقد اجتماعي وحاكم بين الطرفين.
اضف تعليق