انّ حربنَا على الارهاب شاملة لا تقتصر على البعد الميداني العسكري فحسب، انها حربٌ فكرية وثقافية وتشريعية وسياسية واعلامية ودبلوماسية وتربوية واجتماعية واقتصادية وكل شيء، واذا كان الحشد الشعبي هو التعبير الوطني الصادق والمخلص للبعد الميداني لهذه الحرب تلبية لفتوى الجهاد الكفائي التي اصدرتها المرجعية الدينية العليا، فلا ينبغي ابداً ان نغفل او نتثاقل ونتباطأ ونتكاسل عن إنجاز التعبئة العامة في الأبعاد الاخرى لهذه الحرب.
انّه جهاد كفائي ببعده العسكري الميداني، امّا الأبعاد الاخرى، فلا يمكن ان تتحقق الا بالجهاد العيني، الذي يفرضه حب الوطن، وهو من الإيمان بالله تعالى، على كل عراقي وعراقية، صغيراً كان ام كبيراً.
وبرأيي، فان المرجعية الدينية العليا تصدّت لبعدين مهمّين جداً واستراتيجيّين في هذه الحرب، الا وهما؛ البعد الميداني القتالي بفتوى الجهاد الكفائي التي عبّأت الشارع العراقي بالمقاتلين وبالمعنويات والروح القتالية العالية، ووقفت امام الانهيار المحتمل، والبعد التشريعي برسالة التوجيهات للمقاتلين والتي ردّت فيها كل الشبهات التي اثارتها جرائم الارهابيين بحق الارض والعرض والدم والنفس، من جهة، وشرعنت اخلاقيات القتال والحرب، من جهة اخرى.
امّا تفعيل بقيّة الأبعاد في هذه الحرب، فان مسؤوليتها تقع على جهتين؛ الاولى؛ هي الدولة العراقية بمختلف مؤسساتها، والثانية؛ هي المجتمع العراقي بكل اطيافه.
انّ على الدولة ان تتصدى للمهام التالية وبكل قوّة وفاعليّة؛
١/ الدبلوماسية التي اثبتت لحد الان انها (ميّتةُ الأحياء) فتحرّكها الدولي ضعيف جداً إنْ لم يكن معدوماً، فليس لها ايّ حضورٍ فاعلٍ في ايّ من المحافل الدولية، ولعل في غياب العراق، الذي يقاتل الارهاب بالنيابة عن العالم!، عن (قمّة محاربة التطرّف) التي عُقدت مؤخراً في العاصمة الأميركية واشنطن برعاية البيت الأبيض، وبتبريرات تافهة وواعية، واحد من الأدلة التي تشير الى ضعف الدبلوماسية العراقية.
كما انّ صمتَ العراق المُريب في مختلف مؤسسات هيئة الامم المتحدة، هو الاخر دليلٌ صارخ على هذه الحقيقة، فانّ من المخجلِ حقاً ان تبادر اليونسكو لدعوة مجلس الأمن لاجتماع طارئ لتبني مشروع يجرّم تدمير التراث والحضارة في الموصل على يد الارهابيين، فيما كان من المفروض ان تأتي المبادرة من العراق!.
٢/ الاعلام، فالعراق غائب عن الاعلام الدولي، اما الاعلام الوطني فحالهُ يُرثى له، فكلٌّ منه مشغول بالغناء والرقص على ليلاه، وهو امر يؤسف لَهُ حقاً.
ان ميزانّيات اعلامنا الوطني لا تتناسب وحجم الانتاج، فضلاً عن انّ اغلبه يُنفّذ اجندات اعلاميّة تصله معلّبة من خارج الحدود!.
٣/ التّوثيق، وهي مسؤولية المؤسسات المعنية بهذا المجال كوزارة حقوق الانسان والهيئة المستقلة لحقوق الانسان ووزارة السياحة والاثار وغيرها من المؤسّسات.
عليها ان توثّق جرائم الارهابيين، وهي كثيرة وعلى مختلف الاصعدة للأسف الشديد، وتدور بها في المحافل الدّولية.
وانا بهذا الصدد أودُّ ان احيّي المؤسسات الحقوقيّة غير الحكومية التي انجزت في مجال التوثيق اكثر من ايّة مؤسسة حكومية او شبه حكوميّة اخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر (الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة) و (مؤسسة إنقاذ التركمان) وغيرها.
اما المجتمع، فعليه ان يتحمّل مسؤوليته الوطنية في هذه التعبئة بكل ابعادها، بدءاً من الاسرة التي يجب ان تتحمل مسؤولية تحصين الأولاد من خطر التطرّف والتّزمّت الديني والفكري والثقافي، مروراً بالمدرسة التي يجب ان تعبّئ الطلاب نفسياً واخلاقياً وثقافياً وتربوياً في هذه الحرب، وليس انتهاءاً بمنظّمات المجتمع المدني بمختلف اهتماماتها والتي يجب عليها ان تساهم بهذه التعبئة العامة في الحرب على الارهاب.
انّ المقاتل في ساحات الجهاد ضد الارهاب أرخَصَ دمهُ وروحهُ دفاعاً عن الوطن ضد الارهاب، فكيف نُجيزُ لانفسِنا ان نقصّر في ايّ بُعدٍ من ابعاد التعبئة الاخرى قادرين على اداء ابسطِ دورٍ فيها؟.
المْ تهيّئ لنا التكنلوجيا اليوم فرصة عظيمة لأداء دور ما في المجال الاعلامي والتثقيفي مثلاً؟ اوليس بوسعنا ان نتواصل مع من نريد عبر القارّات لننقل له حقيقة ما يجري في العراق ومدى خطورة الجرائم التي يرتكبها الارهابيون، وأنهم لا يشكّلون خطراً على العراق فحسب وانّما على كلّ البشريّة؟ لماذا نكتفي بالتواصل فيما بيننا فقط فلا نفكّر بالتواصل مع الاخرين عبر المحيطات؟.
انّنا الان في ظرفٍ استثنائي بكلّ معنى الكلمة، ولذلك يجب علينا ان نتحمّل مسؤوليتنا ازاء الوطن بشكل استثنائي.
يجب ان نستنفرَ كلّ قوانا الذّهنيّة والعضليّة في هذه الحرب المقدّسة، فنُضاعف مساهماتنا، لأنّنا في سباق مع الزّمن قلّ نظيرُه.
يجب علينا ان نركّز على الجهد المتعلق بالحرب على الارهاب تحديداً ونؤجّل ما دون ذلك الى اشعارٍ آخر.
يجب علينا ان لا ننشغل بالقيلِ والقال، فنتتبع عثرات هذا ونتناقل سقطات ذاك.
لنوجّه كل جهدنا مع بندقية الحشد الشعبي في ساحة المعركة ضد الارهاب، فلا نغفل عن ايّ شيء يمكن ان يساهم في رفد بندقية الحشد الشعبي، من جانب، ونتغافل عن ايّ شيء يُشغلنا عن رفدها بالقوة ولو بمقدار انملة.
ليكن النّصر العاجل على الارهاب هدفنا الآني نضعه نصْب اعيُننا ليل نهار، فلقد رأينا خطورة التّداعيات التي تحّملها العراق جراء بسط الارهابيين لسلطتهم في الموصل، والتي لا يمكن تجاوزها الا بالانتصار في هذه الحرب المقدسة.
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}.
اضف تعليق