جاء في تقرير صدر حديثاً لمعهد "بيو" الأمريكي، أن غالبية دول العالم (106 من أصل 199دولة وإقليم)، لا تنص دساتيرها وأنظمتها الأساسية على دين أو مذهب معين، كدين رسمي أو دين مفضل (أولى بالرعاية) للبلاد، مقابل 43 دولة تتبنى ديناً معيناً بوصفه ديناً رسمياً للبلاد، من بينها هناك 27 دولة تنص على الإسلام بوصفه دين الدولة، و13 دولة تنص على المسيحية (منها 9 دول أوروبية)، ودولة واحدة تنص على اليهودية (إسرائيل)، ودولتان تتبنيان البوذية ديناً رسمياً للدولة (بوتان وكمبوديا).
وثمة 40 دولة في العالم، تحابي دساتيرها ديناً أو مذهباً معين، من دون النص صراحة على أنه دين الدولة الرسمي، وغالباً ما يأتي ذكر ذلك في سياق الإشادة بالدور التاريخي الذي لعبه الدين/ المذهب في تاريخ البلاد... معظم هذه الدول، أشارت إلى طائفة معينة من الطوائف المسيحية، فضلاً عن بعض الدول الآسيوية، التي حابت وفضلت ديانات ومعتقدات معينة.
عشر دول، أورد التقرير أنها تتخذ مواقف معادية للدين عموماً، كل الأديان لا على وجه التحديد، من بينها الصين وكوبا وكوريا الشمالية وجمهوريات أوراسية سابقة استقلت عن الاتحاد السوفياتي القديم.
معظم الدول العربية "دسترت" الإسلام ديناً رسمياً لها ما عدا لبنان، سوريا اكتفت بالتنصيص على أن دين رئيس الدولة الإسلام، فيما المفارقة أن السودان الذي اشتهر بتطبيقاته للشريعة والطابع الإسلامي للحكم، تفادى رسمياً التنصيص على أن دين الدولة الإسلام، واكتفى بممارسة ذلك واقعياً.
الدراسة التي جُمعت معطياتها في أواخر العام 2015، شملت 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، هي جميع الدول الأعضاء في حينه، فضلاً عن ستة أقاليم، لم تكن تحظى بالعضوية الكاملة في المنظمة الأممية، هي: فلسطين، كوسوفو، ماكاو، هونغ كونغ، تياوان والصحراء الغربية.
معنى الأرقام المذكورة، أن أكثر من نصف عدد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (30 من أصل 57 دولة)، لا تتبنى الإسلام ديناً رسمياً، وهي تتبع أنماط حكم متفاوتة من حيث تبنيها لمبدأ الفصل بين الدين والدولة، وأن 19 دولة عربية من أصل 27 دولة إسلامية، تتبنى الإسلام ديناً رسمياً (70 بالمائة)... ما يطرح استطراداً سؤالين اثنين، متداخلين ومترابطين: الأول، لماذا الإسلام أكثر من غيره، يتصدر لائحة "الدين الرسمي" للدولة؟... والثاني، لماذا الدول العربية، أكثر من غيرها، مستمسكة بالتنصيص على دين رسمي للدولة، هو بالطبع الإسلام؟
في معرض الإجابة على السؤال الأول، نرى أن الإسلام من بين جميع الديانات الأخرى المعاصرة، أو على الأقل في طبعاتها الحديثة والمعاصرة، ما زال يُقَدّم على أنه "دين ودولة"، وأنه مولج لا بتنظيم العلاقة بين الإنسان وخالقه فحسب، بل وتدبير مختلف أوجه الفضاء العام وعلاقة الفرد بالدولة وشكل الحكم ومقاصد التشريع وغير ذلك.
أما الجواب المقترح على السؤال الثاني، فلا أراه بعيداً عن افتقار غالبية الأنظمة والحكومات العربية، إن لم نقل جميعها، للشرعية الانتخابية، شرعية صناديق الاقتراع، وبحثها المستميت عن مصادر أخرى للشرعية، ومن بينها الشرعية الدينية، وهذه الظاهرة هي جزء من الفشل الأكبر، وأعني به فشل مشروع بناء دولة/الأمة، على المستويين الوطني والقومي.
خلال العشريات الثلاثة أو الأربعة الفائتة، نجحت تيارات أصولية، من سلفية وإخوانية، في تقديم صور أكثر "شمولية" للإسلام، واستتباعاً أكثر تطرفاً، وطغى على السطح شعار "الإسلام هو الحل"، وتسللت مفاهيم السلفية حول دولة الإسلام والحاكمية وغيرها، مما جعل من الصعب على الحكومات والأنظمة، أن تُدخل تحديثاً أو تطويراً على دساتيرها، بل لقد أخضع النفوذ المتعاظم للقوى الأصولية، الحكومات والعلمانيين العرب على حد سواء، لأعلى درجات الابتزاز، ما جعلهم يكفون عن المطالبة بفصل الفضائين الديني عن السياسي، وتحول مطلب الدولة العلمانية الديمقراطية، إلى مطلب الدولة المدنية الديمقراطية.
أما الأنظمة العربية، وفي معرض صراعاتها مع معارضاتها، الإسلامية في غالباً، فلم تجد مندوحة عن الاستمساك بخطاب ديني، ومؤسسة دينية رسمية، تشكل ذراعاً أيديولوجيا لها، ودساتير تمنحها شرعية النطق باسم "الإسلام الصحيح"، في لحظة بدا معها، أن الصراع في الإسلام وعليه، هو الغطاء العام الذي يجلل كافة الصراعات الداخلية والإقليمية، والأرجح أن وضعية كهذا ستستمر لسنوات، وربما لعقود عديدة قادمة.
اضف تعليق