الإنسان بفطرته وغريزته للنجاح والكسب فإنه دائما ما يميل إلى أقرب النتائج وأسرعها وهذا ما يراه علماء الإجتماع طبيعيا، لكن في جانب آخر فإن النتائج السريعة الظهور قد تكون لها نتائج سلبية في المستقبل أو لعل نتائجها أفضل بكثير لو أن الشخص قد درسها بشكل أكثر وأعطى لها مزيدا من الدراسة عن بعض النتائج الربحية السريعة الظهور والزوال وضحى ببعض الأشياء البسيطة.
(إستراتيجية الفرد) كمفهوم يمكن تلخيصه ببساطة بأنه قدرة الشخص المتبني لها على الإنتقال مما هو موجود من واقع إلى ما يمكن حدوثه بناءا على المعطيات الفعلية الواقعية مستندة ومعززة بالأفكار والطموح مدعومة بالتخطيط والإدارة والإرادة، مع الأخذ بنظر الإعتبار التهديدات والمخاوف التي قد ترافق العمل والنتائج.
وكما هي تجارب الإنسان الفردي فإن الشعوب والجماعات ومنها الأحزاب يجب أن تهتم بهذا المبدأ وتضعه نصب عينيها وخصوصا الأحزاب جديدة العهد بإدارة الدولة أو التي تسنمت زمام السلطة حديثا، وهنا لا نغادر العراق كأفضل المصاديق.
لعل حاجة الأحزاب العراقية إلى دراسة الموضوع والإهتمام به (الإستراتيجية) أكثر من غيرها، فالأحزاب التي كانت لها تجارب ناجحة في الحكم غالبا ما كانت تهتم بهذا المبدأ أو أنه يمثل العصب الرئيس في أدائها ومتبنياتها ومستمدة ذلك من (التخطيط الإستراتيجي والإدارة الإستراتيجية).
فأهم ما يميز الأحزاب التي تعتمد الإدارة الإستراتيجية عدم تقبلها للبيئة (السلبية) القائمة في اللحظة الزمنية التي تعيشها وتحاول بشتى السبل التغيير منها لما هو مخطط للأفضل كما أنها لا تتعامل مع الأحداث بطريقة رد الفعل بل بطريقة التعامل مع المتغيرات السريعة وفق الفكر الإستراتيجي الذي يسبر أغوار المستقبل بناءا على معطيات الواقع والأهداف المنشودة.
كل ما ذكر يدعم الربح الإستراتيجي ولو بخسارة آنية، إلا أن ما تعاملت به الأحزاب العراقية التي تصدت للعمل السياسي بعد 2003 طريقة معاكسة، حيث تبنت طريقة الربح الآني والخسارة الإستراتيجية، وجرت خلف مناصب الدولة والأعمال الإقتصادية والمكاسب والإمتيازات الشخصية لأعضائها وأهملت وأغفلت رسم خطط عملها.
فقد سعت أغلب تلك الكتل إلى حصولها على السلطة وتركت أهم أهدافها التي دعت لها في تأريخ سابق من حياتها وهي دولة المواطنة وتثبيت حقوق الإنسان وترسيخ مبدأ التعددية والكرامة الإنسانية.
المشهد السياسي العراقي اليوم بدأ بترجمة واقعية لنتائج أغلب سياسات الأحزاب ولعل تشظيها أو تحولها وإنسلاخها من ردائها القديم يؤيد ما ذهبنا إليه، رغم أن البعض يرى في هذا التشظي طرق للتهرب من المسؤولية عن الفاشل الحاصل.
ما هو المطلوب؟
بعد تجربة قاسية امتدت لأربعة عشر عاما ضربت خلالها العراق العديد من الهزات الأمنية والسياسية، يجب أن تدرك الأحزاب العراقية بأنها قد أغفلت أهم أسس النجاح في التجارب الديمقراطية وهي (الديمقراطية الداخلية) ففاقد الشيء لا يعطيه ومن لا يؤمن بالتعددية والتداول السلمي للسلطة منهجا ومبدء لا يمكن له أن يقنع الآخرين بها أو أن يجعلها سلوكا ظاهريا فأغلب تلك الأحزاب (تصنمت) برئاساتها وبقياداتها ولا تستطيع التغيير رغم عدم القناعة بتلك القيادات لتحكم الرئاسة بالأموال والمناصب أو العنوان والإرث العائلي أو غير ذلك.
لقد اتسمت أغلب أحزاب العراق الحالية أما بالعائلية الوراثية أو بالسلطوية الفردية أو بالإستعباد المالي والنتيجة فشل سياسي في إدارة البلاد وتشرذم الأحزاب وتنازعها داخليا حتى أصبح بالكاد خلو حزب من هذه النزاعات.
لم يكن الأمر وصل إلى هذا الحال لو كانت الأحزاب تؤمن فعليا بما ترفعه من شعارات ولو طبقته على نفسها لما ضاع الماضي والحاضر لها ولو وضعت إستراتيجية الربح والخسارة أمام أنظارها لكانت قد ترفعت عن بعض المكاسب السريعة لنتائج إستراتيجية ولكانت أوضاعها أفضل بكثير مما هي عليه الآن، وكسبت على ثقة مواطنيها وترسيخ منهجها والفوز بقيادة مستقرة للبلاد غير أنها ربحت مكاسب صغيرة وآنية وفقدت مغانم كثيرة وستفقد الأكثر، إن بقيت أصلا في اللعبة السياسية! بعد أن فقدت ثقة جمهورها وسجل تأريخها الجهادي.
اضف تعليق