تسعى القيادات السياسية السنية العراقية إلى عقد مؤتمر في بغداد منتصف هذا الشهر، تحت عنوان "ممثلو أهل السنة في العراق"، بحضور ممثلين عن المحافظات السنية التي سيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، بما فيهم خميس الخنجر، ورافع العيساوي، وطارق الهاشمي، وسعد البزاز، وعلي حاتم سليمان، وبرعاية كل من (تركيا، السعودية، قطر، الإمارات والأردن)، ويأتي الحديث عن وقت ومكان انعقاد المؤتمر وسط جدل سياسي وإعلامي بين القوى السياسية العراقية داخل وخارج أروقة السطلتين التنفيذية والتشريعية. يهدف المؤتمر إلى تشكيل مرجعية سياسية تتحدث باسم أهل السنة والجماعة بالعراق ‘‘كما هو معلن‘‘، وذلك من أجل تشكيل رؤية موحدة تجاه القضايا والتحديات التي تواجه أهل السنة في عموم البلاد.
ويكاد يجتمع الداعمون لهذا المؤتمر على نقطة اساسية، إلا وهي مواجهة خطر التمدد الإيراني في العراق؛ لذلك طالبت بعض قيادات المؤتمر بأن يتم الاتفاق على قيادة أمنية موحدة للسنة العراقيين، دون الافصاح عن غرفة عمليات هذا القيادة هل هي داخلية أم خارجية؟
مؤتمر أهل السنة، المقرر عقده في بغداد، لم يكن هو الأول من نوعه، إذ عقدت الكثير من المؤتمرات باسم المكون السني العراقي في عواصم عربية ومدن أوروبية منها عمان، اسطنبول، الدوحة، ميونخ وجنيف وكذلك في محافظة أربيل العراقية، لكن دون أي مخرجات حقيقة تؤطر لخارطة عمل سنية عراقية موحدة تعالج أزمة المكون السني في مرحلة داعش وما بعد داعش!
فكل المؤتمرات التي عقدت بعد اجتياح تنظيم "داعش" للمحافظات الغربية تتمحور حول قضايا متشابهة وزائفة، وعلى سبيل المثال مؤتمر أربيل الذي عقد بعد 10 أيام من اجتياح داعش لمحافظة الموصل لم يخرج المؤتمرون بأي توصية، اعقبه مؤتمر في العاصمة الأردنية، أقر فيه المؤتمرون بشرعية داعش، إذ وصفهم بأنهم مجاهدون وأتو لنصرة أهل السنة في العراق من التهميش الطائفي الشيعي.
وغيرها من المؤتمرات التي عقدت في أربيل بشكل متكرر وفي العاصمة القطرية "الدوحة"، وفي جنيف وأفريقيا واسطنبول وغيرها من العواصم، إلا أن أغلب هذه المؤتمرات ان لم تكن جميعها، لم تخرج بتوصيات حقيقية تنصف المكون السني العراقي وتعالج أزمته الحقيقية، واغلبها كانت تقام بالضد من الحكومة العراقية والعملية السياسية بشكل عام، وتدعو إلى الانفصال وتشكيل اقليم سني، وقد حضر بعضها اعضاء من حزب البعث المنحل.
ويثير هذا المؤتمر الكثير من الأسئلة، منها ما يتعلق بالجدوى الحقيقية من هذا المؤتمر، والقيمة الحقيقة له، لاسيما في ظل الوضع الحالي التي تعيشه المحافظات السنية، وهل هناك رؤية سنية جامعة يمكن الخروج بها من خلال هذا المؤتمر أم هو انعكاس لخلاف سني–سني (داخلي وخارجي)، وصراع بين الدول الداعمة له على قيادة سُنة العراق وتبعيتهم؟
على الرغم من أن المؤتمر يُمهد لمؤتمر المانحين في الكويت والذي سوف تحضره عشرين دولة لتخصيص عشرات المليارات لأعمار المدن السُنية التي تضررت نتيجة العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش"، إلا أنه يتعكّز على ما تسمى بأزمة المكون السني في العراق، إذ ينطلق المؤتمر من فرضية التهميش السياسي السني، أي بمعنى التهميش السياسي للسنة العراقيين وعدم إعطائهم حقوقهم ومشاركتهم الفعلية في المشهد السياسي العراقي، أدى إلى نشوء الجماعات الإرهابية وسيطرتها على المحافظات السنية فيما بعد.
وهذه وجهة النظر تتبادلها الكثير من العواصم العربية والأوروبية. ولهذا يقال بأن هناك رؤية مشتركة "لتركيا وقطر والأردن والإمارات والسعودية، فضلاً عن أمريكا والاتحاد الأوروبي، تسعى لترتيب البيت السني في العراق وإعادة إعمار المدن وإرجاع النازحين" من خلال هذا المؤتمر.
وهذه الفرضة "فرضية التهميش" تفقد المؤتمر مصداقيته وفحواه في معالجة الأزمة الحقيقية؛ لأن الواقع الاجتماعي في وسط وجنوب العراق لا يختلف عن واقع غرب العراق من حيث الواقع الاقتصادي والخدمي المتدهور، والمفارقة الوحيدة التي تميز جنوب العراق عن غربه، هي عدم احتضانه للتنظيمات الإرهابية كـ "داعش والقاعدة".
وبالتالي، فإن أزمة المكون السني، ليست أزمة تهميش، وإنما ازمة قيادة وصراعات داخلية، وارتباطات خارجية وأزمة عدم اندماج، وهي لا تختلف عن أزمة الشيعة في العراق والصراع الداخلي والارتباطات الخارجية، إلا من حيث الاندماج السياسي فقط، فهي أزمة دولة وأزمة حكم وليس أزمة مكونات. وعليه، لا بد للمؤتمر أن يعالج فحوى أزمة المكون السني، واندماجهم السياسي بالعملية السياسية وإدارة الحكم، بعيداً عن التدخلات العربية والإقليمية.
وعلى الرغم من كل الترتيبات والتحضيرات التي يسعى إليها المؤتمر من أجل انجاحه والإجماع على رؤية عربية – عراقية للأزمة السنية في العراق لتوحيد خطابهم السياسي والاتفاق على قيادة أمنية موحدة لهم، إلا أن حجم الخلاف الخليجي بين السعودية والإمارات والبحرين مع قطر من جهة والتنافس بين السعودية وتركيا على محور القيادة الإسلامية السنية من جهة أخرى، سيلُقي بضلاله على محادثات المؤتمر ومخرجاته السياسية، لاسيما وأن بعض الاسماء التي ستشارك في المؤتمر منقسمة بين الرؤية السعودية والقطرية والتركية، فضلا عن الرؤية العراقية الداخلية.
أي بمعنى أن الدعم الإقليمي للمؤتمر هو انعكاس للصراع السعودي القطري وانعكاس بنفس الوقت للتنافس التركي السعودي على قيادة المكون السني في العراق. ولهذا فإن حجم الخلاف الخليجي والتنافس الإقليمي ربما سينعكس سلباً على مصير المؤتمر، وقد يؤدي إلى تأجيله أو الغاءه، فضلاً عن ذلك، فإن حجم الخلافات قد امتدت إلى داخل المكون السني نفسه، إذ شككت بعض القوى السياسية العراقية بجدوى عقده، واعتبر رئيس لجنة النزاهة النيابية طلال الزوبعي، أن المؤتمر مبني على الفشل وأرض هشة، ولا يقود البلد إلى الاستقرار، ولا يساهم في حل الأزمة السنية؛ لأن بعض الشخصيات التي تدير هذا الملف عليها الكثير من علامات الاستفهام، وذلك بسبب مواقفها السابقة، سواء تلك المتعلقة باجتياح تنظيم "داعش" للمحافظات السنية أو تلك المتعلقة بالعملية السياسية بشكل عام، وهي غير قادرة على نيل الثقة من الآخرين، حتى داخل المكون السني نفسه.
وقد تزداد صعوبة عقد المؤتمر أو تتلاشى فرص نجاحه بسبب موقف الحكومة وبعض القوى السياسية العراقية منه، الرافضة لإقامة هكذا مؤتمرات، لاسيما في ظل الرعاية الدولية والإقليمية الداعمة له.
ولهذا فإن المؤشرات الأولية للمؤتمر تُنبأ بفشله؛ وذلك بسبب التداخل الحاصل بين أهداف المؤتمر واختلاف مساعي الدول الداعمة له، فبعضها يريد الفيدرالية بدعم من الدوحة، والبعض الأخر يريد نسف الدستور والاتفاق على ورقة بديلة، وأخرون يريدون البقاء ضمن عراق موحد مع توسيع الصلاحيات للمحافظات العراقية، وهناك بعض الأطراف الداعمة تريد من المكون السني أن يكون ورقة ضغط سياسية داخلية تستخدمها ضد الحكومة العراقية والنفوذ الإيراني في العراق، فضلاً عن ذلك فأن حجم التدخل الإقليمي والعربي والدولي بهذا المؤتمر يعد بمثابة تدخل بالشأن الداخلي وتهديد للأمن القومي العراقي والنسيج الاجتماعي.
وعليه، من الممكن للقوى السياسية السنية أن تتفق مع الحكومة العراقية على عقد مؤتمر برعاية دولية وأممية من أجل إعمار المناطق المحررة من تنظيم "داعش" بالتنسيق مع الحكومة العراقية، ومن شأنها كذلك أن تتفق على إيجاد حلول داخلية للأزمة السياسية السنية بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية، والتحضير لمؤتمر المانحين لإعادة إعمار المناطق المحررة برؤية موحدة ومشتركة مع الحكومة العراقية تعيد من خلالها ثقة المواطن السني بحكومته المركزية والمحلية.
اضف تعليق