يحتفل الشعب العراقي اليوم (11 تموز) بتحرير مدينة الموصل بشكل كامل من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي بعد معارك شرسة خاضتها قوات الأمن العراقية في المدينة القديمة ذات الشوارع والأزقة الضيقة، وبعد أن أعلنت قوات الأمن العراقية سيطرتها على جامع النوري ومأذنة الحدباء اللذان "نسفهما داعش في وقت سابق"، أعلنت الحكومة العراقية عن هزيمة تنظيم "داعش" في معقله الأخير والرئيس في العراق.
وإن توقيت إعلان النصر جاء مترافقاً مع الذكرى السنوية الثالثة لسيطرة التنظيم على محافظة الموصل. ولسان حال العراقيين جميعاً يقول: ماذا بعد تحرير الموصل؟ هل نعيش في سلام وأمان؟ هل تلتفت الحكومة العراقية إلى شعبها بعد سنوات من القتل والتهجير والفقر والصراع السياسي والطائفي؟ لاسيما وأن مخاوف الصراع السياسي والتزاحم على رفع راية النصر، قد بدأ مبكراً، واخذت ملامحه تتبلور بعد الإعلان عن تحرير الموصل.
هذه الأسئلة وغيرها ستكشف عنها مرحلة ما بعد داعش، إلا أن انتهاء ملف تحرير الأراضي العراقية من قبضة تنظيم "داعش"، لا يعني انتهاء مشاكل العملية السياسية العراقية، وأن إعلان النصر العسكري لابد أن يرافقه إصلاح فعلي على المستوى السياسي، وأن الحكومة العراقية بحاجة إلى استراتيجية أولية تعالج من خلالها ثلاث مستويات ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للأمن القومي العراقي:
1. إنهاء الصراع وحالة عدم الاستقرار السياسي اللذان رافقا العملية السياسية منذ بدايتها الأولى، والالتفات إلى بناء الدولة العراقية بكل مرافقها، وأن عملية بناء الدولة، لا يمكن أن تتم إلا من خلال بناء الإنسان العراقي؛ وذلك من خلال (تأمين السكن اللائق وتحقيق الأمن والنهوض بواقعه الاقتصادي والسياسي وتحقيق مستوى معاشي يستطيع من خلاله مقاومة مغريات التطرف والانحراف والجريمة). إذ تعد عملية بناء الأنسان العراقي الخطوات أو اللبنات الأولى في عملية بناء الدولة، لاسيما مع الأخطاء التراكمية التي رافقت العملية السياسية العراقية بعد العام 2003، والحواجز الكبيرة التي خلقتها الحكومات المتعاقبة بين السلطة والمواطن. ولعل إرجاع النازحين وإعمار الأراضي التي دمرتها الحروب وتوفير الخدمات لهم على رأس التحديات التي على الحكومة العراقية معالجتها.
2. معالجة مسألة الحدود العراقية مع دول الجوار، ولاسيما الحدود العراقية – السورية. ولطالما مثلت الحدود العراقية بعد عام 2003 مع دول الجوار ثغرة في الأمن القومي العراقي، فإن أولى المعالجات تبدأ من مسك الحدود مع دول الجوار ومنع تسلل الإرهابين الوافدين من سوريا وتركيا، وتقويض أي سيناريو مستقبلي أو لتكرار سيناريو داعش في المنطقة، لاسيما في ظل المنافسة الدولية والإقليمية فيها، فالتواجد الروسي والأمريكي في المنطقة وتمدد إيران ومصالحها مع توسع الاطماع التركية، قد يخلق سيناريوها شبيه بسيناريو داعش في المنطقة، وقد تكون الدول غير المستقرة على المستوى السياسي والأمني محط أنظار وساحة صراع لتلك القوى. ولهذا فأن معالجة الحدود مسألة مهمة وحساسة؛ لأن الخطوة الأولى لمنع تكرار سيناريو داعش وتقويض حركته وتمدده تبدأ من مسك الحدود العراقية بشكل محكم والعمل على ربطها بأجهزة تصوير وعمليات مراقبة حديثة.
3. الانفتاح الخارجي الفّعال، بعيداً عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية، والتحالف مع ما تقتضيه المصلحة الوطنية العراقية، فالعراق اليوم بحاجة إلى أن يقف على مسافة واحدة من التكتلات الإقليمية والدولية، وأن ينفتح بشكل فعلي مع دول الجوار العربية، لاسيما المملكة العربية السعودية؛ لأن السياسة الخارجية الناجحة ستخلق موقف دولي وإقليمي داعم.
(نعم) ستكون هناك تحديات أمام صانع القرار العراقي خارجيا، لاسيما مع المواقف والتحفظات التي تُبديها بعض دول الجوار على السياسات الداخلية، إلا أن الحكومة العراقية قادرة على إزاحة تلك التحفظات والعمل على تمتين العلاقات العراقية – العربية مع الاحتفاظ بعلاقات العراق مع طهران وأنقرة بعيداً عن سياسات التدخل في الشأن الداخلي.
وستكون قوات الحشد الشعبي نقطة بارزة في تحديد علاقة بغداد مع العواصم العربية والدولية، لاسيما مع واشنطن والرياض؛ لأن الإبقاء على قوات الحشد الشعبي على هذا الشكل سيسبب الكثير من التعقيدات الخارجية. وعليه، لابد للحكومة العراقية معالجة هذه النقطة معالجة صحيحة وفق القانون الذي أقره مجلس النواب العراقي لقوات الحشد، والعمل على تفكيك البنية الحالية لتلك القوات وصهرها داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية بصنوفها المختلفة.
وعليه، فإن هذه التحديات، هي بمثابة مرفقات مع عمليات التحرير وانهاء تنظيم "داعش"، ولابد أن ترفق هذه المعالجات الأولية مع عمليات التحرير، وأن تمثل أولوية لصانع القرار العراقي لمرحلة ما بعد "داعش"، وأن يعمل على تحقيقها، لاسيما تلك المتعلقة بالأمن والخدمات وتحقيق الطمأنينة للمواطن العراقي ورفع مستوى المعيشة والعمل على بناء الإنسان بدلاً من بناء السلطة؛ لنقل الصراع، من صراع على السلطة والثروة إلى صراع بناء الدولة والإنسان.
اضف تعليق