كانت تداعيات الربيع العربي عام 2011 ثقيلة على المملكة السعودية، وهي وان لم تخسر نظام حكمها في الداخل، الا انها خسرت العديد من نقاط القوة التي كانت تمتلكها قبل الربيع العربي لمواجهة الاخطار القريبة منها، وبالأخص ما تسميه "المد الشيعي" في المنطقة، وتنامي النفوذ الايراني على حساب نفوذها الخاص ومكانتها الاقليمية في منطقة الخليج والشرق الاوسط، وهو امر حاول الملك "عبد الله بن عبد العزيز" العمل عليه، بعد ان واجه خطر انهيار نظام "ال سعود" بعد موجة الاحتجاجات التي عمت في المنطقة، وكان للمنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية دور في هذه الاحتجاجات بعد خروج الاف المطالبين بالإصلاحات السياسية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، اضافة الى خطر انهيار الحلفاء في مصر واليمن والمغرب العربي وغيرها، فيما كانت السعودية تراقب التقارب الامريكي-الايراني الطموح، بقيادة الرئيسين اوباما-روحاني، بكثير من القلق بعد ان شعرت بان اقوى حلفائها الاستراتيجيين (الولايات المتحدة الامريكية) قد تخلى عنها، او غير قواعد اللعبة في منطقة الخليج والشرق الاوسط.
بعد تحول تنظيم "داعش" الى تكتيك مسك المزيد من الاراضي في سوريا والعراق، اضيف عدو اخر الى امن المملكة ومصالحها العليا، خصوصا بعد حزيران الماضي، وهو لا يخفي طموحاته في غزو المملكة والسيطرة على الديار المقدسة، إذ التي لا تكتمل صورة "دولة الخلافة" التي يدعو اليها من دون مكة والمدنية، والى جانب خطر داعش على السعودية، وفي حال اضافة صعود الحوثيين، وفرع تنظيم القاعدة في اليمن، فان خاصرة المملكة الضعيفة (كما توصف) باتت تعاني اكثر من مرض ضعف الامن المزمن، وهي تعاني من منزلقات امنية وسياسية تحاول ايجاد مخارج آنية ومتوسطة المدى حتى لا تخرج من حدود اللعبة خالية الوفاض، والتي تعني بوجه اخر، صعود نجم غريمتها التقليدية، ايران، التي استطاعت تحقيق مكاسب سياسية خلال العامين الماضيين، بعد ان سعت للانفتاح مع الغرب ووضع حد لبرنامجها النووي المثير للجدل، من خلال اتفاق نووي تبرمه مع الدول الكبرى الست.
الملك الحالي للسعودية "سلمان بن عبد العزيز"، والتي تنقل عنه مصادر مقربة من العائلة الحاكمة، ليس افضل حالا من الملك الراحل، صحيا وداخليا، فهو مصاب بمرض "الزهايمر"، كما ينقل، الذي لا يمكنه من التركيز على القضايا السياسية ذات الحساسية الكبيرة، اما داخليا، فتشير تسريبات "مجتهد" الشهيرة، بان هناك "وضع في المملكة العربية السعودية حاليًا قلق، ومرتبك، وغامض، ومعظم المطلعين على الوضع في الداخل يعيشون في حالة ترقب، وعدم طمأنينة، وخوف من المستقبل"، بسبب الخلاف السلطوي داخل العائلة المالكة، والتي يرى انها قد تضع السعودية امام ثلاثة سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: صدام في العائلة، وصدام العائلة يعني زوال هيبتهم، وانتهاء سلطتهم تلقائيًا، حتى لو لم تحدث مواجهة مسلحة.
السيناريو الثاني: تضاعف المشكلات في اليمن أو العراق، وتدفقها على الحدود، ولا أظن ان النظام يستطيع التعامل معها.
السيناريو الثالث: عنف مسلح داخل البلاد (السعودية) من قبل الخلايا النائمة التابعة للجهاديين، لكن يتوقع هذه المرة أن يكون أكثر خطرًا في اختيار أهدافه.
وفي الحالات الثلاثة يمكن استنتاج المأزق السياسي على المستوى الخارجي، والذي يوضح عد نضوج استراتيجية واضحة المعالم ازاء الاخفاقات التي تعيشها السعودية في العديد من الملفات المهمة، سيما وان الملك "سليمان"، على ما يبدو، لم يقتنع كثيرا بسياسة سلفة، كما لا يمتلك الكثير من الخيارات السابقة او الحلفاء الاقوياء، وهو يحاول اليوم لملمة او اعادة تشكيل تحالفات خارجية قوية يمكن الاستعانة بها في اعادة نفوذها وامنها في منطقة الخليج والشرق الاوسط، وقد بدأ بتخفيف حدة المواجهة مع "الاخوان المسلمين"، والتقارب مع قطر وتركيا، وربما العمل على تحقيق وساطة دبلوماسية بين مصر وتركيا، والحديث عن توحيد الجهود العربية من اجل "تكوين قوة عربية موحدة هدفها الدفاع عن النفس"، كما لمح اليها الرئيس المصري "السيسي" ويمكن ان "تتكون في البداية من مصر والسعودية والامارات والكويت والأردن"، وربما تكون جزء من "درع الجزيرة" الذي تتبناه السعودية وقد تضم اليه الاردن ومصر.
المهم هناك حراك سعودي نحو تامين مجالها الحيوي، ونقل الصراع الى خارج المملكة اولا، واعادة دورها الفاعل في المنطقة ثانيا، على الاقل، استعدادا للتوقعات المتفائلة بدور اكبر لإيران في المنطقة في حال كتب النجاح للاتفاق النووي، بعد ان شارفت المفاوضات الدولية من نهايتها، طبعا فان تحقيق نتائج ايجابية للحراك السعودي في ظل الاجواء الحالية امر صعب للغاية، سيما وان الخلافات، في الوقت الحاضر، اكثر من التوافقات بين الحلفاء، حتى في وجود خطر مشترك فيما بينهم، فالإمارات ومصر وقطر وتركيا والاردن وغيرها من الحلفاء المتوقعين، لا يمكن جمعهم في خانة التحالف وسط الخلافات القوية التي عصفت وما زالت تعصف فيما بينهم.
السعودية خلال تحركاتها القادمة تحاول حسم عدة ملفات عالقة قد تخفف الضغط السياسي والامني الذي تتعرض اليه راهنا، وربما تعيد لها توازنها السياسي في المنطقة:
1. الملف اليمني، وقد تكون عملية خلط الاوراق لإرباك الحوثيين أبرز الوسائل التي قد تلجأ اليها السعودية مع استبعاد الحل العسكري في الوقت الحاضر، كما ان البحث عن تحالفات قبلية وعسكرية وسياسية في اليمن يمكن ان تعزز موقف الرئيس اليمني "هادي" من الخطوات المهمة التي قد تدفع باتجاهها.
2. ملف الاخوان المسلمين، وقد بدأت السعودية بالفعل نحو تخفيف حدة المواجهة مع الاخوان، مع بحث امكانية التعاون معهم لإقامة علاقات توازن ومصالح، بعد ان زال خطر اقامة دولة الاخوان في مصر.
3. ملف تنظيم داعش، وهو ملف يشكل هاجس لدى صانع القرار السعودي، وبالأخص مخاوف التعاطف مع التنظيم من الداخل، ورغبة التنظيم في المقدسات (مكة والمدنية) داخل السعودية، ومع ان التنظيم توسع في العراق وسوريا، كما ثبت له قدم في ليبيا وشمال افريقيا، الا ان السعودية تعول كثيرا على تفعيل التحالف الدولي، اضافة الى تشكيل تحالف عربي لاحتواء تقدم التنظيم وإضعافه.
4. الملف الايراني، يبدو ان السعودية تنظر الى الاتفاق النووي الايراني مع القوى الغربية بانه واقع لا محالة، وعلى هذا التوقع تسعى لإدارة تحالفات قوية مع دول الخليج ومصر وتركيا والاردن، وهو سعي يحتاج الى دبلوماسية مؤثرة من اجل تقريب وجهات النظر المختلفة وازالة اسباب التوتر بين هذه الدول.
اضف تعليق