الانسان أكثر الوحوش التي خلقها الله على الارض خطورة، خطورته تكمن في انه الكائن الوحيد من بين الكائنات الحية الذي يستعين بالوسائل في نزاعاته، ويفكر بالمستقبل فلا يكتفي، ويبتكر الذرائع، بينما جميع السادة الوحوش الاخرين تحركم ذريعتان فقط هما الجوع والدفاع عن النفس.
هذا الوحش الهائج الكاسر القديم الذي لعبت به الاساطير، وصارع الالهة، وانفرد عن خلق الله جميعهم بتطويع الطبيعة لسلطته، ابتكر النار وحول الرمل الى زجاج والحجر الى حديد والاشجار الى قلائد، فـلّس الطبيعة تفليسا، من التين والزيتون الى البهارات والفستق والحبة السوداء، ابتكر اللغة وتعلم الكتابة وصناعة السفن والراديووالانترنيت، مشى على الهواء وركض حتى طار، وابتعد كثيرا كثيرا عن الغابة التي آوته والحيوانات التي تشبهه في كل شيء الا المكر والكذب والوهم والتجميل وتدوين الذكريات.
احب الدنيا حبا جما، وتمسك بها وتوهم خلوده فيها ونسي انه زائل راحل دون ان يأخذ معه منها ريشة، بل ذهب بعيدا حين اساء الى رفاقه القدامى من الوحوش الكرام، اهانهم وحط من كرامتهم وهو يبقر بطونهم ويسلخ جلودهم ليحولها الى بطانيات وحقائب واحذية وقبعات، او يدخلهم الى مختبرات الموت ليجرب على حياتهم عقاقير تشفيه من امراضه، لا بل وصل به الحال الى ان يقتلع اسنانهم وهم احياء ويضعهم في اقفاص ليتفرج عليهم الاطفال في الحدائق العامة.
حكمة الخلق ان أيا من الكائنات الحية له وسيلة دفاع عن نفسه، منها قوته ومنها سرعته ومنها قدرته على تغيير لونه في محيطه ومنها اختفاء رائحته عند اقتراب عدوه، ومنها ارتفاعه او حجمه، الا الانسان، لايملك من هذه كلها غير العقل، منحه الله اياه وسيلة للدفاع عن نفسه يعينه على حياته، كما منح السمّ للافعى على حد تشبيه المرحوم علي الوردي، هذه الوسيلة ذاتها التي وجهت بشرا للفضيلة واخرين للرذيلة، وهي الوسيلة ذاتها التي حولت بشرا الى براكين من الشر والشراهة والاحتيال وتدمير العالم، وهي ذاتها التي وجهت آخرين لان يحدّوا من وحشية فصيلتهم الشريرة، ويخففوا من شراهتها، فابتكروا المركزية والقانون والعقد الاجتماعي والاديان والشرطة الوطنية.
حكمة الخلق ان اشعلت الفتنة داخل هذه الفصيلة وجعلت اتقياءها يهذبّون اشرارها، فتنة فرقتهم الى عُتاة وبُناة، محتالين واذكياء، مدمّرين ومصلحين ملائكة ينسونا، طبيعة هذا الكائن صاحب النفس الامّارة بالسوء، لذلك لاعجب ان تصادف وحشا شريرا يستخدم وسائل القتل، ويغتصب ويعذب، ويفرض على الناس ان تصدق جنونه وان تذعن لسلطته.
هذا ليس شاذا، هذا هو الأصلي قبل التهذيب، نفخَ التخلفُ في جمرة الشر التي ظلت خفية داخله، ليشتعل مرة اخرى. فلن تقضي عليه مهما فعلتْ قبل ان تقضي على التوحش الذي انتجه.
اضف تعليق