q

هذا ما قاله إيمانويل ماكرون عن توقعات الفوز بمنصب الرئيس الفرنسي في الجولة الثانية التي ستجرى في السابع من مايو القادم، وأنا اتفق معه.

إذ لا يبدو أن هنالك شيئا محسوما لصالح المرشحين إيمانويل ماكرون ومارين لوبين، رغم أن فوز الأخيرة يحتاج إلى معجزة إنتخابية تحول سبعة ملايين صوت كقاعدة إنتخابية ثابتة إلى ستة عشر مليون صوت للظفر بمنصب الرئاسة، إن ارتفعت نسبة المشاركة طبعا، كما أن ماكرون يواجه صعوبات مماثلة رغم حظوظه الأوفر ودعوة مرشح يمين الوسط فرانسوا فيون ومرشح اليسار الاشتراكي بونوا هامون لصالح ماكرون، لكن يجد إيمانويل ماكرون نفسه أمام صعوبات للفوز بالدورة النهائية. وهذه الصعوبات تتمثل في أن الحركة السياسية التي أطلقها، حركة (المضي قدما) التي حققت نتائج غير مسبوقة في المشهد الإنتخابي الفرنسي تمتاز بقصر التجربة وإلى إفتقادها –عمليا- إلى عمق إجتماعي وقواعد إنتخابية صلبة.

صراع البرامج بين لوبين وماكرون قد لا يحسم أيضا النتيجة لصالح أحد منهما، فرغم أن هنالك رفضا إعلاميا لبرنامج لوبين في الأوساط النخبوية لكن المنسيين (hidden vote) أصحاب الأصوات الخفية قد يصوتون لها كما حصل لترامب في أمريكا.

فخطاب لوبين بأنها أفضل حليف لليهود الفرنسيين وستحميهم من المسلمين المهاجرين! وسعيها لضم أعضاء النقابات المنسيين إلى حزبها، وهم جوهر التحالف اليساري القديم في فرنسا، وقولها أنها ستحمي الإعانات الاجتماعية من خلال صدّ قوى العولمة ومواجهة دعاتها والدعوة للانسحاب من الإتحاد الأوربي قد تستهوي الكثير من أصحاب الأصوات الخفية والمترددة.

ولكنها تتعرض لإنتقادات تتلخص بأن تحركاتها ودعواتها غير دستورية وغير إنسانية، وستسبب الذعر المالي الذي ستحدثه أي محاولة لمغادرة الإتحاد الأوروبي وسيدمر دخل مؤيديها أولاً، قبل خصومها وهم الذين يعانون الآن بالفعل. لكنها ترد عليهم بالقول "إن تيار التأريخ يقف في جانبي، فالتصويت على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي (بريكسيت) وإنتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وهما علامتان دالتان على أن الناخبين حول العالم يرفضون العولمة والهجرة".

إما ماكرون فقد يصوت له كل المسلمون الفرنسيين وسيقف إلى صفه المهاجرون أو من يرتبط بهم وحظوظه ستكون أقوى بإعتبار أن هنالك أكثر من خمسة مليون مسلم فرنسي، وقد يدعم من ناخبي يمين الوسط والحزب الاشتراكي رغم إمكانية حصول تسيب إنتخابي (إمتناع) عن التصويت نتيجة الغضب الشعبي على خسارة تيارا اليمين واليسار تأريخيا في الجولة الأولى..

كما أن برنامج ماكرون لا يميل لليمين ولا لليسار ويخلط بين الإتجاهين وهذا يجعله متأرجحا وبالإمكان التخلي عن وعوده الإنتخابية رغم أنه يدعو للعولمة والبقاء في الإتحاد الأوربي ويعد بدراسة طلبات المهاجرين قانونيا خلال ستة أشهر دون أن يحسم موقفه منهم، الإ أن أهم مقومات برنامج ماكرون هو الخطط الاقتصادية فكونه وزير إقتصاد سابق ومستشار مالي ومصرفي يعرف جيدا أن أزمة فرنسا الحالية ليست أزمة حكم أو مهاجرين أو يمين ويسار، إنما هي أزمة بطالة وركود وهذا يساعده كثيرا على الفوز لأنه تفهم المشاكل الاقتصادية وقد يمتلك حلول.

مع ذلك ورغم الإنشغال السياسي والإعلامي بنتائج الإنتخابات الفرنسية وأيا كان الفائز فإن فرنسا ستكون مستقبلا أمام أزمة حكم والطريق للإليزيه سيكون معقدا وشائكا حتى بعد الوصول إليه من قبلهما.

بوادر هذه الأزمة ستتجلى في الإنتخابات التشريعية المقررة في حزيران المقبل، فلا إيمانويل ماكرون ولا مارين لوبين يمتلكان القدرة على الحصول على كتلة برلمانية راسخة تؤهل الفائز لتشكيل حكومة موالية تتصرف بأريحية.

فالدستور الفرنسي يوزع الصلاحيات بين الرئاسة والجمعية الوطنية والحكومة وهو ما يمكن تسميته بالنظام شبه الرئاسي الذي يؤمن الاستقرار السياسي من حيث توزيع القدرات السياسية.

عدم التمكن من تأمين غالبية نيابية سيعقد عملية تشكيل الحكومة والولايات وبقية المناصب ويخضعها أما للإبتزاز والتقارب مع اليمين أو اليسار، فحركة إيمانويل ماكرون السياسية عمرها سنة ولا تمتلك هيكلية أو إطار حزبي كما هو عليه الحال لدى اليمين واليسار التقليديين. وليس لدى ماكرون خزين أو احتياط من الكوادر والنخب المؤهلة لملء لوائح الترشيح للإنتخابات التشريعية القادمة ليخوضون الإنتخابات النيابية ويأتون بغالبية برلمانية. من الواضح أن ماكرون إن فاز سيكون مضطرا لإقامة تحالفات من اليمين والوسط واليسار وهي تحالفات غير متفاهمة وغير منسجمة ولا يمكن أن تتعايش وأن تلتقي على رؤية سياسية واحدة.

بالمقابل يبدو من الصعب جدا أن يتمكن حزب مارين لوبين من الإتيان بغالبية برلمانية فأفضل ما يمكن أن تحصل عليه هو عشرات النواب المشرعين وخاصة لديها الآن فقط نائبين. ولا أحد من الأحزاب التقليدية ولا حتى ماكرون مستعدون للمجازفة بعقد تحالف مع اليمين المتطرف. لذلك لم يعد مهما أن نستقرأ نتائج الإنتخابات بقدر ماهو مهم مأزق الحصول على غالبية برلمانية تواكب عهد الرئيس وتؤمن حسن سير عمل مؤسسات الدولة.

هذه الأزمة الصعبة ستنعش آمال حزب اليمين الجمهوري وحزب اليسار الاشتراكي اللذان يعولان الآن على إمكانية تحقيق مكسب إنتخابي تشريعي يفرض على الرئيس المقبل أيا كان، التعايش السياسي مع اليمين واليسار.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001-Ⓒ2017
http://mcsr.net

اضف تعليق