q

يبدو ان الادارة الاميركية الحالية اكثر جدية من سابقتها في تحصيل النتائج العملية بشكل سريع في قضايا الشرق الاوسط، ويبدو واضحا كذلك ان الملفين العراقي والسوري وطبيعة الادوار الاقليمية وصراع النفوذ فيهما تشكل اولوية بالنسبة للإدارة الاميركية على صعيد المنطقة.

الملف السوري يتضمن عقبات لدور اميركي ناشئ. وهذه العقبات تتمثل بالدور الروسي الفاعل والدعم الثابت الذي تقدمه روسيا لبشار الاسد، فضلا عن النفوذ الايراني. وفي العراق هناك عقبة تتمثل بالدور والنفوذ الايراني. وفقا لرأي واشنطن والادارة الاميركية يشكل هذا النفوذ تهديدا كبيرا للمصالح الاميركية وانها –اي الادارة الاميركية- لن تكرر خطأ سابقتها في تسليم بغداد لأحضان ايران كما حصل مع الانسحاب الاميركي نهاية عام 2011.

لذا يتبادر الى الذهن سؤال مهم مفاده هل تنجح الولايات المتحدة عبر خطاها المتوازية في كل من سوريا والعراق في تحقيق اهدافها المتمثلة في تصعيد الدور الاميركي في سوريا وتحييد وتطويق النفوذ الايراني في العراق؟

فيما يخص سوريا يشكل التدخل العسكري الروسي فيها والدعم الروسي لبشار الاسد عامل أكثر اهمية لإدارة الرئيس دونالد ترامب منها الى الادارة الاميركية السابقة. وتؤكد المواقف الاميركية الاخيرة - بدء من قصف مطار الشعيرات، ووضع خطة انهاء الصراع في سوريا، وتصريحات الجنرال اتش آر ماكماستر مستشار الامن القومي الاميركي حول وجوب المحادثات الحازمة مع روسيا لدعمها الاسد – أمرين هامين، الاول تخلي ادارة ترامب عن بشار الاسد في المرحلة الانتقالية بعد ان كانت اولوية ثانوية لإدارة الرئيس ترامب، والآخر ضرورة ان يكون دور اميركي في الملف السوري وعدم ترك الساحة لروسيا عبر التعاون معها. وهنا هل تنجح الادارة الاميركية بتحقيق هدفها؟

في 17 نيسان الجاري أكد مستشار الامن القومي الاميركي الجنرال اتش آر ماكماستر لمحطة اي بي سي الاميركية " انه حان الوقت لإجراء محادثات حازمة مع روسيا بشأن دعمها للنظام السوري". وبالتزامن مع ذلك قامت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصياغة خطة من أربع مراحل لتسوية النزاع في سوريا وتفترض التعاون النشيط مع روسيا.

تهدف المرحلة الأولى الى القضاء على داعش. وتركز المرحلة الثانية على ضرورة نشر الاستقرار في سوريا. وخلالها تنوي واشنطن المساعدة في عقد اتفاقات هدنة بين الحكومة بدمشق وفصائل المعارضة. وكذلك يدور الحديث عن فرض " مناطق استقرار مؤقتة". ويجب أن تساهم السلطات السورية في خلق هذه المناطق، وفي هذه الحالة يمكن لطائرات الولايات المتحدة وحلفائها التحليق فوق هذه المناطق دون المخاطرة بالاصطدام مع سلاح الجو السوري. وفي هذه الفترة يجب أن تدار البلاد بواسطة حكومة مؤقتة.

المرحلة الثالثة وتتضمن الفترة الانتقالية وخلالها يجب على الأسد، التخلي عن السلطة، اما طوعا أو عن طريق تهديده بالملاحقة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وقالت وكالة اسوشيتد برس (AP) نقلا عن مصدر أمريكي مسؤول لم تذكر اسمه إن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أبلغ الجانب الروسي خلال زيارته لموسكو أن بلاده تفضل خيار – رحيل الأسد طوعا.

المرحلة الرابعة تتعلق بتنظيم الحياة في سوريا بعد انتهاء الفترة الانتقالية. الحديث يدور عن التواجد العسكري الروسي داخل سوريا. كما ان الولايات المتحدة -ورغم الخلاف مع روسيا- تعتقد أن التعاون مع روسيا مهم جدا من أجل وقف الحرب في سوريا وذلك لحجم التأثير الروسي. وفي مقابل موافقة روسيا للمشاركة في تنفيذ الخطة الأمريكية تعرض واشنطن على موسكو إبقاء القاعدتين الروسيتين البحريتين في طرطوس والجوية في حميميم في سوريا. وهنا يشكك الروس في ضمانات ذلك فمن غير المعروف ما هي طبيعة واهداف القوى التي ستحكم سوريا في المستقبل. ولم يصدر موقف صريح من روسيا حول الخطة الاميركية سوى نفي السكرتير الصحفي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف الأنباء التي تحدثت سابقا عن قيام وزير الخارجية الاميركي تيلرسون بطرح الخطة المذكورة على الرئيس فلاديمير بوتين خلال لقائهما في موسكو. وهذا النفي ربما يقرأ على انه رفض روسي لهذه الخطة.

اما على الصعيد العراقي، فطالما تدرك الولايات المتحدة ان العراق هو مركز الثقل في الشرق الاوسط وله اهمية كبيرة في المدرك الاستراتيجي الاميركي. فالهدف الاميركي في الوقت الحاضر من حرب العراق هو هزيمة داعش الارهابي وما يتطلبه ذلك من دعم الحكومة والقوات الامنية العراقية. وفي الاطار ذاته اقدمت الادارة الاميركية على تعزيز وجودها العسكري وبلغ عدد جنودها في العراق (7000) عنصر عسكري حسب قول رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية. وتحاول الولايات المتحدة ساعية الى تعزيز وجودها العسكري البري في العراق في معسكرات القيارة، بلد، عين الاسد، والحبانية في الانبار وغيرها.

ومن جانب آخر قدمت الولايات المتحدة مساعدة اقتصادية للعراق في ظل تناقص مواردة المالية بفعل انخفاض اسعار النفط وتزايد الانفاق العسكري عبر صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يبلغ 15 مليار دولار، وتدخلت كثيرا لحل الخلافات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية.

من ذلك يتضح الهدف الاميركي في ان الإبقاء على قوات عسكرية امريكية في العراق، يدعم إستراتيجية تطويق النفوذ الايراني. ويبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب مهتمة بهذا الهدف، ولكن في ضوء المعطيات الحالية هناك خشية اميركية –كما تؤكد مصادر اميركية- مستمرة من دور بعض الفصائل الموالية لايران لذلك حذرت البنتاغون ايران من اي اجراء عسكري عبر تلك الفصائل يستهدف قواتها في العراق. ولكن المؤكد لم يحصل اي شيء على ارض الواقع يخدم الهدف الاميركي وبتصورنا العقبة هي اولوية هزيمة داعش. لكن ربما مرحلة مابعد داعش ستُظهر لنا مزيد من الاجراءات العسكرية والسياسية باتجاه تحقيق ذلك الهدف.

كذلك لاتريد الولايات المتحدة تكرار انهيار القوات العسكرية والامنية العراقية كما حصل في حزيران 2014. كما تؤمن الادارة الاميركية ان لها مصلحة حيوية في منع العراق من الانزلاق الى العنف وعدم تمكين الدور الايراني، او ظهور حركة ارهابية اخرى في العراق، فكل هذه الملفات يجب منعها وهي لا تتطلب دعماً سياسياً ودبلوماسياً فحسب، بل روابط عسكرية مستمرة. ويرى السفير الاميركي جيمس جيفري " أن مثل هذا الوجود من شأنه أن يساعد على احتواء ايران وتعزيز الاستقرار".

يبدو ان رئيس الوزراء حيدر العبادي داعماً لإستراتيجية الولايات المتحدة الامنية وذلك للتخلص من داعش في المرحلة الحالية، ولاستكمال بناء القوات المسلحة العراقية، وادامة زخم الدعم السياسي والاقتصادي الاميركي للعراق، لكن سيأسين آخرين مقربين من العبادي ومن ايران في الوقت نفسه، يعارضون هذه الاستراتيجية، معتبرين ان البقاء الاميركي في البلاد احتلالاً له. لذا سيكون التعقيد كبير امام الادارة الاميركية وقبلها سيكون الاحراج كبير امام الحكومة العراقية.

اخيرا لا شك أن ايران وروسيا، قلبا النظام الامني الاقليمي في الشرق الاوسط، الا ان تكثيف الدور الاميركي وهزيمة داعش يُمكّن من عكس اتجاهات الدولتين المعارضتين للدور الاميركي في المنطقة. ففي الساحتين السورية والعراقية يتصاعد الدور الاميركي عبر قناة تعزيز الوجود العسكري.

وهنا امام صانع القرار العراقي مهمة قراءة طبيعة تصارع الادوار وخريطة التحالفات ليس على الساحة العراقية فحسب بل على الساحة السورية وباقي ساحات الصراع في المنطقة كاليمن. فالأدوار متشابكة والتغيرات السياسية في دول الجوار لها دورها في عكس اتجاهات تلك الادوار.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق