ثلاثة مُتغيِّرات مهمَّة تُلازم زيارة رئيس مجلس الوزراء الدُّكتور حيدر العبادي الحاليَّة الى واشنطن؛
المُتغيِّر الأَوَّل؛ هو أَنَّ الْعِراق الآن على أَعتاب تحقيق الانتصار الوطني الحاسم والنَّاجز على الارهاب، ليُدشِّن فوراً مرحلة الإعمار والبناء والاستثمار التي تأَخَّرت كثيراً بسبب الفساد المالي والاداري الذي خيَّم على كلِّ مفاصل الدَّولة زمن رئيس الحكومة السَّابق الذي كان يحميه ويرعاهُ بشتَّى الطُّرق! فكانت من أَبرز نتائجهُ أَن تمدَّدت فُقاعة الارهابيِّين لتحتلَّ نصف الْعِراقِ وتقف على أَسوار العاصمة بغداد مهدِّدةً ومتوعِّدةً كربلاء المقدَّسةِ لولا لطفَ الله تعالى وفتوى الجِهاد الكفائي.
المُتغيِّر الثّاني؛ هو وجود إِدارة جديدة في البيت الأَبيض تختلف عن سابقتِها على الأَقلِّ من النَّاحية النَّظريَّة!.
المُتغيِّر الثّالث؛ هو تبنِّي هذه الادارة الجديدة لمنهجيَّة جديدة مُغايرة ومُخالفة للمنهجيَّة التي اعتمدتها إِدارة الرَّئيس السَّابق!.
ما يهمَّنا كعراقيِّين هو الإجابة السَّليمة والصَّحيحة وغير الانفعاليَّة وبعيداً عن الشِّعارات ولغة التَّهريج والتَّخوين على السُّؤال التَّالي؛
كيف يمكنُنا أَن نحقِّق مصالحنا في ظلِّ هذه المتغيِّرات الجديدة؟!.
لقد أَفصح الدُّكتور العبادي خلال الفترة القليلة الماضية عن بعضِ ملامح إِستراتيجيَّتهِ في ظلِّ هذه المُتغيِّرات، فهل سينجح في أَن تأتي متطابِقة أَو على الأَقلِّ قريبةً من توجُّهات إِدارة الرَّئيس ترامب، لنتفاءل بنجاحِ الزِّيارة وتحقيقِ أَهدافها؟!.
الملمح الأَوَّل؛ ولعلَّهُ الأَهمّ هو أَنَّ الحَرْبَ على الفسادِ ستكون أَولويَّتهُ القُصوى بعد التَّحرير الكامل والنَّاجز! وهو أَمرٌ بحاجةٍ الى أَن نعود لنصغي الى الخِطابِ المرجعي الذي قال قبل أَكثر من سنتَين بأَنَّ الفسادَ والارهاب وجهان لعُملةٍ واحدةٍ وبالتَّالي ينبغي الضَّرب بيدٍ من حديدٍ على رؤوس الفاسدينَ! وهو الأَمرُ الذي لم ينجزهُ الدُّكتور العبادي خلال كلَّ هذه الفترة من الزَّمن وللأَسف الشَّديد ممَّا أَدّى الى تغوُّل الفاسدينَ وانتشارِ خطرهِم العظيم بالطُّول والعَرض! ما عقَّد المهمَّة.
قد يقنعنا تبرير العبادي لكلِّ هذا التَّأخير في إِعلان الحَرْبِ على الفسادِ عندما قَالَ في مؤتمرهِ الصَّحفي الأُسبوعي الأَخير بأَنَّ إِنشغال الدَّولة بالحربِ على الارْهابِ هو السَّبب وراء عدم إِعلان الحَرْبِ الشَّاملة على الفسادِ! فهل سنشهد وقوف [عجلٍ سمينٍ] واحِدٍ على الأَقلّ خلف القُضبان من عجولِ الفساد المالي والاداري حال إِعلان النَّصر النَّاجز على الارهاب؟!.
إَنَّ خطوات عمليَّة وحقيقيَّة يبدأَها السَّيِّد رئيس مجلس الوزراء في الحَرْبِ على الفسادِ، تساعدُنا على إِطلاق عمليَّة البِناء والإعمار والاستثمار بشَكلٍ صحيحٍ وسليمٍ، فضلاً عن أَنَّها تُعزِّز ثقة المجتمع الدَّولي بقدرةِ الْعِراقِ على الاستثمار الصَّحيح والسَّليم والآمن ومن أَجل أَن لا تتكرَّر ظاهرة المشاريع الوهميَّة كالَّتي حدَّثنا عنها رئيس الحكومة السَّابق والتي تجاوز عددَها الـ[٦٠٠٠] مشروع وهمي ليتبيَّن لنا فيما بعد أَنَّها سراب! إِستنزفت ميزانيَّة الدَّولة وضيَّعت المستقبل وأَسقطت ثقة العالم بِنا!.
كذلك من أَجل أَن يتمَّ القضاء نهائِيّاً على ما يسمّى بـ [اللّجان الاقتصاديَّة] التي تمتلكها الأَحزاب والتيّارات السِّياسيَّة المُشارِكة في الحكومة، وكلُّها مُشارِكة في الحكومةِ، والتي باتت تأخذ بتلابيب الوُزراء التَّابعين لهم للسَّيطرة على التَّعيينات والعُقود وغير ذلك! ما دمَّر البلد ونشرَ الفساد المالي والاداري في مؤسَّسات الدَّولة وأَسقطَ هيبتها عند المؤسَّسات الاقتصاديَّة والماليَّة العالميَّة!.
كما أَنَّ مثل هذه الخطوات ستُساهم في تشجيعِ الاستثمار في عمليَّة البِناء والإِعمار وهو أَمرٌ لابدَّ مِنْهُ يحتاجهُ الْعِراق في المرحلةِ الجديدة!.
الملمح الثَّاني؛ هو حَياديَّة الْعِراقِ بالمعنى الإيجابي، وهو يختلف عن الحَياد السَّلبي الذي يعني أَن تغلقَ البابَ على نفسكَ ولا عليكَ بما بجري خلفَ الباب! فهذا النَّوع من الحَياد لا يمكن تبنِّيه من قِبَل الْعِراقِ أَبداً لأَسبابٍ موضوعيَّةٍ لسنا هُنا بصددِ الحديثِ عنها!.
وإِنَّ من أُسُسُ الحَياد الإِيجابي الذي يرغب به الْعِراقِ؛
أَوَّلاً؛ أَن لا يكونَ ساحةً مفتوحةً لتصفيةِ حسابات الآخرين بعضهُم مع البعض الآخر! كما هو الحالُ فيما مضى من الوقتِ بسبب تبنِّي رئيس الحكومة السَّابق سياسة صناعة الأَزمات والتي كانت تضطرُّهُ للاحتماء بدولةٍ ضدَّ دولةٍ كما كانت تدفع بالآخرين كذلك للاحتماءِ بدولةٍ ضدَّ دولةٍ ولهذا السَّبب ظلَّ الْعِراق على مدى أَكثر من عقدٍ من الزَّمن ساحةً مفتوحةً لِهذهِ الصِّراعات الدَّوليَّة الإِقليميَّة من جهةٍ والإِقليميَّة الإِقليميَّة من جهةٍ ثانيةٍ!.
كما ظلَّت حكوماتنا السَّابقة مصدر إِبتزار بسببِ هذه السِّياسة!.
ثانِياً؛ التَّوازن الإيجابي في العلاقات مع دُول الجِوار تحديداً ومع الحُلفاء الدوليِّين بشَكلٍ عام، من جهةٍ، والسَّعي لحلِّ الأَزمات الإِقليميَّة قدر الإِمكان لأَنَّها تُؤثِّر بالسَّلب على الْعِراقِ وخاصَّةً على صعيد التَّهديد الارهابي! فلا يُمكنُ مثلاً أَن نتصوَّر خلوَّ الْعِراقِ من الارهابيِّين إِذا ظلَّت حواضنهُم في سوريا مثلاً أَو اليمن أَو غيرِها من دول الجِوار والإقليم نَشِيطة وفاعِلة!.
ثالثاً؛ إِعادة صياغة العلاقات الاقليميَّة والدَّوليَّة بما يُحقِّق هذا التَّوازن إِعتماداً على قاعدة الْعِراقِ أَوَّلاً باستقلالهِ وسيادتهِ والمصالح المُشتركة وعدم التدخُّل في شؤونهِ الدَّاخليَّة.
بقيَ أَن يفيَ الْعِراق بالتزاماتهِ الوطنيَّة الأَساسيَّة خاصَّةً التي تُثيرُ الانقسام بين العراقييِّن أَنفسهم ومخاوف المُحيطَين الإِقليمي والدَّولي ومنها وعلى رأسِها المؤسَّسة الأَمنيَّة والعسكريَّة التي ينبغي أَن تُسارع مؤسَّسات الدَّولة وخاصّةً الحكومة في ضبطِها وطنيَّاً والسَّيطرة على وولاءاتِها من خلال التَّنفيذ الحرفي لقانون الحشد الشَّعبي الذي شرَّعهُ مجلس النُّوّاب لوضعِ حدِّ لظاهرةِ السِّلاح المُنفلت الخارج عن القانون، وكذلك للتَّصريحات الصِّبيانيَّة اللَّامسؤولة التي يُطلقها بعض قادتهُ والتي لا تنسجم بل تتقاطع مع متبنَّيات وإِستراتيجيَّات الدَّولة!.
ينبغي على الْعِراقِ أَن يُثبُتَ أَنَّهُ دولة قانون بكلِّ معنى الكلمة وعلى وجهِ التَّحديد ما يخصُّ السِّلاح الذي يُنذرُ بخطرٍ كبيرٍ اذا ظلَّ كما هو عليهِ الآن، اذ سيضعُ البلاد وكلَّ الفُرقاء أَمام خَيار حِوار السِّلاح وهذا أَمرٌ لا يبني دولةً بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكالِ، ما يُثيرُ شكوك المجتمع الدَّولي بشَكلٍ أَوسع إِزاء مصداقيَّة الدَّولة ومؤسَّساتِها!.
كما ينبغي للعراقِ أَن يثبِت قدرتهُ على توظيفِ النَّفط كسلاحٍ إِستراتيجيٍّ هامٍّ لتحقيق شيئَين أَساسيَّين، الأَوَّل هو حماية البلاد والثَّاني إِعادة البِناء والإعمار، وعلى رأس ذلك قدرتهُ على توظيف النَّفط لتنشيطِ وتفعيلِ إِتِّفاق الشَّراكة الاستراتيجي المُوقَّع بين بغداد وواشنطن والذي تمَّ تجاهلهُ من قِبَل الطَّرفَين خلال المدَّة الطَّويلة الماضية لأَسبابٍ عِدَّة.
اضف تعليق