لم أتخذ قرارا بهذا الشأن لكنني أفكر بشكل جدي لأن أقوم بدعوة وطنية مخلصة لمقاطعة شاملة للإنتخابات المحلية القادمة لإختيار أعضاء مجالس المحافظات، ومجلس النواب العراقي.. المقاطعة تعبير جدي عن موقف.
العبيد سيتوجهون الى المراكز لأن آلهتهم أنزلت الوحي على رؤوسهم الفارغة لكي يذهبوا وينتخبوا منتفعين جددا، فهل من جدوى من هذه الدعوة؟
التجربة المريرة طوال ثلاثة عشر عاما من الخديعة علمتنا أن الذين إنتخبناهم، أو الذين سننتخبهم هم مجرد أشخاص منتفعين لايقدمون ولايؤخرون، بل يعملون على تحقيق المزيد من المكاسب على حسابنا، ويتركوننا مع معاناتنا دون أن يساعدوننا بشيء، فقد ثبت بالدليل أن الغالب منهم سواء الذين تزعموا وصاروا قادة كبارا، أو الذين حصلوا على مناصب رفيعة كوزراء ونواب ومستشارين ووكلاء وزارة ومدراء عامين لم يكونوا أكثر من مستحوذين على مناصب إستثمروها لصالحهم ولمقربين منهم، ولم يكن الشعب ضمن حساباتهم على الإطلاق بإستثناء بث الأكاذيب، وتوزيع الوعود والإحتيال على العامة المستغفلين من الناس العاديين الذين يتم شراؤهم بطرق مبتكرة وبفنون إحتيال تتجدد وتتعدد مع كل مناسبة إنتخابية.
هناك الملايين من العراقيين الراغبين بمقاطعة الإنتخابات القادمة، لكنهم يفكرون في جدية هذا القرار، ومنهم من يرى أن الأفضل هو المشاركة، ومحاولة العثور على بعض الشخصيات الوطنية لتقوم بدور إيجابي، وإبعاد الطبقة السياسية الفاسدة، لكن مايقف في وجه هذا الرأي إن الزعامات السياسية والدينية ماتزال تعطي شرعية للعديد من المتصدين الفاسدين، وإن كتلا كبرى تقاد من تلك الرموز إستعدت بشكل غير مسبوق للشروع بحملة إنتخابية.
مشكلة أخرى لاتقل خطورة عن مشاكل عديدة، وقد تكون على رأس المشاكل التي تعترض عملية التغيير والنهوض بواقع الدولة العراقية مرتبطة بنوع الجمهور، فهناك نوعية رديئة طاغية ترى في الرمز قديسا لايخطأ ولايتعثر وهي مستعدة لصناعة التبرير الدائم لكل سلوكياته وطروحاته وتأخذ بها كمسلمات يقينية في الدين والحياة والسياسة، وليس لديها أدنى رغبة في إتخاذ قرار مستقل، وأتذكر أن أحد السياسيين قال لي قبل مدة، إنه لن يرشح للإنتخابات القادمة، وإنه غير مستعد لبيع عقله وفكره لمجموعات سياسية، أو لقوى تحيّد العقل، وتستخدم سياسة القطيع في إدارة شؤون المجتمع.
المجموعات البشرية العراقية توفر الشرعية للزعامات التي بدورها تتحصن بهذه الشرعية فتمنح شرعية جديدة لسياسيين ومرشحين محتملين للإنتخابات القادمة ليحققوا المزيد من المكاسب، وكثير من المواطنين (القطيع) لامشكلة لديهم في فساد مسؤول وزيرا كان، أو نائبا مادام يمثل الحزب والحركة التي هم يقدسون من يرأسها، ولايرون فيه إلا قديسا وهذا أمر غاية في الخطورة ومن شأنه أن يقلل فرص مساع التغيير لأنه سيحد من قدرة المصلحين والمغيرين على التأثير، وتمرير الإصلاحات خاصة وإن الشبهات تحيط بالجميع، ومانراه نقيا ومخلصا لايراه غيرنا كذلك، ويعلنون فساده.
البنية المجتمعية العراقية رهينة الدين والعشيرة والقداسة ولايمكن أن تنتج التغيير، فهناك إصرار على الموقف، وعدم رغبة في الإنفتاح على الآخر ورفضه مطلقا بوصفه عدوا، وليس ممكنا إحداث تطور سياسي مطلقا مادام المتنازعون يتنافسون ويتشاركون ويتعاركون ويتنابزون ولايفعلون ماينفع الناس ويغير من حالهم وينهي معاناتهم وعذاباتهم. فقد أصبح الجميع منشغلا بتحقيق المكاسب، ويرهن المنفعة للناس العاديين بموقف من آخر غيره، بينما الآخر يفكر بذات الطريقة، ويبحث عن مكسب شخصي.
اضف تعليق