لقد تميَّز شُهداء كربلاء بخِصالٍ قلَّ نظيرها، حتّى قال عنهُم سيّدُ الشُّهداء {فإِنّي لا أَعْلَمُ أَصحاباً أَوفى ولا خَيراً مِن أَصحابي، ولا أَهلُ بيتٍ أَبرَّ ولا أَوصَلَ مِن أَهْلِ بَيتِي}.
وفي سُجدةِ نهايةِ زيارةِ عاشوراء نُردِّد دائماً الدُّعاء التّالي {اَللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْق عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَاَصْحابِ الْحُسَيْنِ اَلَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ}.
فكيف نتهيّأَ لذلكَ؟!.
إِنَّ على رأسِ ما أَرادَ الحُسين السِّبط (ع) إِصلاحُهُ في مشروعهِ الرّسالي ونهضتهِ الربانيّة هو الانسان، فاذا صَلُح الانسانُ صَلُح كلّ شَيْءٍ من حولهِ، المجتمع والطّبيعة والحياة وكلّ شيء، واذا فسدَ الانسانُ فسدَ كلّ شَيْءٍ، ولقد أَشار القرآن الكريم الى هذه الحقيقة في عدَّةِ آياتٍ منها {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} وقوله {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقوله {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
حتّى السّياسة والاجتماع والأخلاق والتّعليم والاقتصاد، وغيرِها من مناحي الحياة، تصلُح اذا صَلُح الانسان، ولذلك يَقُولُ تعالى متحدّثاً عن هذه الحقيقة {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ}.
إِنَّ رجلاً رشيداً واحداً يكفي لردعِ جماعةٍ كبيرةٍ عن الانحرافِ.
وأَنَّ رجلاً واحداً مُنحرفاً يكفي لأَن تكفرَ جماعةٌ كبيرةٌ بربِّها وتنقلب على التزاماتِها، كما في قولهِ تعالى يتحدّث عن قصّة السّامريّ {فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي* قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ* فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ}.
كما أَنَّ مُصلحا واحِدا، وليس صالحا! يكفي لتغييرِ وجهُ أُمَّةٍ كاملةٍ، كما يحدّثنا القرآن الكريم عن قِصَّة نبيّ الله يوسُف (ع) بقولهِ {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ* قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ* وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
أَقولُ مُصلِحٌ ولا أَقولُ صالحٌ، لأَنَّ المفهوم القرآني يُميِّزُ بين المصطلحَين! فالصّالحُ هو الانسان الفرد، كما في قوله تعالى {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} وقولهُ تعالى {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} أَما المُصلح فهو الذي يُباشر عمليّة الاصلاحِ في المجتمعِ، كما في قولهِ تعالى {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} وقولهُ تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
لقد قدَّم الحُسين السّبط (ع) في كربلاء في يوم عاشوراء نماذج تُحتذى من المُصلِحين وعلى مُختلف الأَصعدة، العقديّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة وفي قوّة الشّخصيّة التي تميّزت بالاستقامةِ والوفاء والالتزامِ بالعهودِ والمواثيق، والتي هي ثمرةٌ للإيمانِ واليقينِ والصّبر، حتّى لقد وصفهُم أَعداءهُم بقولِ أَحدهِم وهو عمرو بن الحجّاج الذي صاح بأصحابهِ في يَوْمِ عَاشُورَاءَ قائلاً [أَتدرونَ مَن تُقاتلونَ؟ تُقاتِلون فُرسانَ المِصر، وأَهلَ البَصائِر، وَقوماً مُستميتينَ، لا يبرزُ إِليهم أَحدٌ مِنكُم إلّا قَتلوهُ على قِلَّتِهِم].
اضف تعليق