الزيارة الأربعينية هي الزيارة الوحيدة التي تفتح فيه أبواب بيوت أهالي كربلاء وأهالي المحافظات الأخرى، فبقدر ما تمثل حاجة من حاجات الزائرين الذين يمرون على هذه المناطق فهي تعبر عن مستوى عال من العطف والكرم والواجب الإنساني والأخلاقي الذي يتحلى به هؤلاء الذين يفتحون بيوتهم أمام الزائرين...

 كربلاء إحدى مدن وسط العراق، فيها قُتل سبط النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وفيها ضريحه وضريح أولاده وأهل بيته وأصحابه، ممن قُتلوا معه في واقعة كربلاء في السنة (61) هجرية.

 منذ ذلك الحين أصبحت كربلاء مكانا مقدسا يحج إليه المسلمون وغير المسلمين للتبرك بضريح هذا السيد الجليل، وأخذ العبرة والدروس من صموده وشجاعته وتضحيته في سبيل إعلاء كلمة الحق، وكلمة الإسلام. ومنه (عليه السلام) يستمد المناضلون ودعاة الحق والحرية كل تلك المبادئ والقيم والمثل التي تحلى بها هذا الإمام العظيم والقائد، ويتخذونه مثلا لهم وقدوة وأسوة. وفي سبيل ذلك يتحملون الأذى والألم حتى يحققوا مطالبهم وينالوا حريتهم. 

 يحج إلى كربلاء المقدسة سنويا مئات الآلاف من الزائرين، من العراق، ومن الدول المجاورة، ومن دول أخرى، ولا تكاد تنقطع هذه الزيارات أبدأ. فكربلاء الحسين تعج بالزائرين في النهار والليل، في الصيف والشتاء، في البرد والحر، في السلم والحرب، ففوج يأتي وفوج يذهب. وتشهد البلدان البعيدة عن العراق نسبيا مثل الهند وباكستان، حملات منظمة على طول أيام السنة. 

 إلا أن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من شهر صفر، والمعروفة بـ(الزيارة الأربعينية) هي أكثر الزيارات الدينية اللافتة للنظر، وهي أكثر تمييزا من غيرها من الزيارات الدينية الأخرى. فلعل ما يميزها عن غيرها من الزيارات الميزات الآتية: 

1. عدد الزائرين: في غضون شهر يفيض إلى كربلاء المقدسة عشرات الملايين في الزيارة الأربعينية. وفي العادة يتوافد الزائرون إلى كربلاء المقدسة منذ أول شهر محرم، مرورا باليوم العاشر، وهو مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) فارض كربلاء، وفنادق كربلاء، وحسينيات كربلاء، وبيوتات كربلاء، لا تخلو من زائر قادم وزائر مغادر.

2. الزيارة الأربعينية مشيا على الأقدام: إن الزيارة الأربعينية تكون مشيا على الأقدام تيمنا بالصالحين، لذلك فإن غالبية الزائرين العراقيين إلى كربلاء يأتون مشيا على الأقدام من بيوتهم أو من مناطقهم أو من محافظاتهم، وأما الزائرون الأجانب فيأتون مشيا على الأقدام من المناطق الحدودية، أو المطارات، أو من النجف الأشرف. 

3. الزيارة الأربعينية تتأثر بها كل مناطق العراق: الزيارة الأربعينية هي الزيارة الدينية الوحيدة التي تتأثر بها كل مناطق العراق، ولا تكاد تخلو محافظة من محافظات العراق من وجود زائرين يمرون بها نحو كربلاء. ففي العادة في غير الزيارة الأربعينية تتأثر المدن الدينية التي فيها أضرحة الأولياء والأئمة فقط مثل كربلاء والنجف وبغداد وسامراء، وعلى أكثر التقدير المناطق والمحافظات المجاورة، بينما في الزيارة الأربعينية تتأثر كل مناطق العراق تقريبا. 

4. العمل الثلاثي المشترك في الزيارة الأربعينية: في غير الزيارة الأربعينية قد لا تجد للمؤسسة الحكومية المدنية أي دور في إدارة الزيارة أو تنظيمها، ويترك أمرها إلى إدارة العتبات ذات العلاقة، وكذلك نسبة من أفراد المجتمع والمتطوعون والمتبرعون اقل بكثير، بينما في الزيارة الأربعينية تكون الدولة بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية حاضرة، كما أن غالبية أفراد المجتمع يكونون حاضرين بين من يؤدي الزيارة مشيا وبين من يخدم الزائرين. هذا بالإضافة إلى حضور أفراد المجتمعات الأخرى ودول أخرى.

5. كثرة المواكب الحسينية: المواكب الحسينية لا تعد ولا تحصى؛ وهي عبارة عن هيئات ومراكز يؤسسها الأفراد المتبرعون لخدمة الزائرين، كل بحسب مكنته ومكانته، فهي تنتشر في كل مكان يخرج منه الزائرون أو يمرون به، وتزداد وتتشكل كلما اقتربت من حدود كربلاء المقدسة. ومهمة هذه المواكب تقديم الخدمات المتعددة للزائرين مثل الأكل والشراب والمنام، والنقل، وكل خدمة يحتاجها الزائرون.

6. تفتح البيوت أمام الزائرين: يمكن القول إن الزيارة الأربعينية هي الزيارة الوحيدة التي تفتح فيه أبواب بيوت أهالي كربلاء وأهالي المحافظات الأخرى، فبقدر ما تمثل حاجة من حاجات الزائرين الذين يمرون على هذه المناطق فهي تعبر عن مستوى عال من العطف والكرم والشيمة والواجب الإنساني والأخلاقي الذي يتحلى به هؤلاء الذين يفتحون بيوتهم أمام الزائرين لأيام وأيام، ويقدمون لهم الطعام والشراب، وقبله التهليل والترحيب. وبالطبع ليس كل هؤلاء أغنياء بل غالبيتهم من الفقراء ومتوسطي الدخل المحدود، ولكن يريدون أن يشارك في هذه الزيارة تعبيرا عن حبهم للحسن وأهل بيته، وإحياء لهذه الشعيرة.

7. الزيارة الأربعينية أكبر مناسبة للتعارف بين الشعوب: يحج إلى كربلاء الملايين من الزائرين، ومن محافظات وبلدان متعددة، وطبيعة هذه الزيارة أنها تفرض على الزائرين أن يتعارفوا على بعضهم بعضا، فالزائر الماشي يتعرف على زائر ماشي آخر من منطقته أو من بلده، أو غير منطقته ومن غير بلده، ويتبادلون فيما بينهم الأحاديث والقصص. والزائر الذي يحتاج إلى مكان ما ليرتاح فيه ساعات يتعرف على مضيفه، وبالتالي يتبادلون الأحاديث فيما بينهما، وتظل الذكريات عالقة في أذهانهم. هذا بالإضافة إلى المجالس والمأتم التي تعقد ويحضروها الزائرون من كل البلدان والأجناس والأديان والمذاهب.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق