دين الله والعقيدة الإسلامية صارت في معرض خطر الفناء والزوال فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وعادت شجرة الإسلام يابسة بعد موت جذورها وسقوط أوراقها، فلم يكن هناك أمل بإحيائها وإعادة الحياة إليها من جديد سوى ذلك الدم الزاكي لأبي عبد الله الحسين...

في عقيدة الشيعة: يُعد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ثالث أئمة أهل البيت من بعد أخيه الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ومن بعد والدهما الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والشيعة يحيون ذكرى ولادة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ووفاته، وذكرى ولادة الإمام (عليه السلام) علية واستشهاده، وذكرى ولادة الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) واستشهادهم، كما يحيون المناسبات الدينية الأخرى مثل البعثة النبوية، ويوم الغدير وغيرها. ولائمة أهل البيت (عليهم السلام) مزارات شامخة في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء ومشهد، عدا الأئمة المدفونون في بقيع المدنية المنورة. 

والسؤال الذي يُطرح على الشيعة دائما لماذا يولون اهتماما كبيرا لذكرى استشهاد الإمام الحسين في واقعة كربلاء، فمن أول شهر محرم الحرام حتى العشرين من شهر صفر -بل غالبية أيام السنة - يحيي الشيعة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال مراسم متعددة منها: الحزن، ولبس السواد، والبكاء، والزيارة والمشي، وتوزيع الطعام، واستضافة الزوار، ومجالس العزاء، والمحاضرات والخطب والكتابات وغيرها من المراسم التي تعارف عليها الشيعة سنويا. فمن هو الإمام الحسين؟ ولماذا يحظى بهذا القدر والاهتمام من لدن الطائفة الشيعية؟

هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ثاني السبطين، وثالث الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وخامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. وقد سمّاه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باسم الحسين، وذلك بأمر من الله عز وجل، كما سمّى أخاه حسناً كذلك. وكنيته: أبو عبد الله، وأبو الأئمة، وأبو السادة، وأبو الحجج، وأبو علي. ولقبه: سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة، وريحانة المصطفى، والسبط، والشهيد، وغيرها.

عاش الإمام الحسين (عليه السلام) مع جدّه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ست أو سبع سنين وشهوراً، وعاش مع أبيه أمير المؤمنين 37 سنة، ومع أمه فاطمة ست أو سبع سنين وشهوراً، ومع أخيه الإمام الحسن 47 سنة. وكانت مدة إمامته وخلافته عشر سنين وأشهراً. 

لقد أدرك سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وحجة الله على خلقه، خطر اعتلاء رجل فاسق كيزيد على منبر الخلافة الإسلامية والذي كان يسعى طبقاً لما رسم له للقضاء على ما تبقى من الإسلام وآثار الرسول (صلى الله عليه واله)، كما كان لتغلل طغاة بني أمية في أوساط المجتمع وبسرعة واتخاذهم مال الله دولاً وعباده خولاً، عوامل إضافية عجلت في قيام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في وجههم من أجل الحفاظ على الإسلام والمسلمين وإن استلزم الأمر التضحية بنفسه (عليه السلام).

نعم، إن دين الله والعقيدة الإسلامية صارت في معرض خطر الفناء والزوال... فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وعادت شجرة الإسلام يابسة بعد موت جذورها وسقوط أوراقها، فلم يكن هناك أمل بإحيائها وإعادة الحياة إليها من جديد سوى ذلك الدم الزاكي لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يذكّر المسلمين بمقتل الحسين (عليه السلام) ويبكي على مصاب ولده، وذلك منذ ولادة الإمام الحسين وحتى رحيل النبي (صلى الله عليه واله) عن أبي عبد الله قال: (لما ولدت فاطمة الحسين جاء جبرائيل إلى رسول الله فقال لـه: إن أمتك تقتل الحسين من بعدك، ثم قال: ألا أريك من تربته، فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء وأراها إياه، ثم قال: هذه التربة التي يُقتل عليها. وعن أنس قال: سمعت رسول الله يقول: إن ابني هذا يُقتل بأرض العراق، فمن أدركه منكم فلينصره، فحضر أنس مع الحسين في كربلاءَ وقُتل معه.

قُتل الإمام الحسين مظلوماً شهيداً ظمآناً صابراً محتسباً في معركة عاشوراء المفجعة على أرض كربلاء في العاشر من المحرم سنة 61 من الهجرة بعد الظهر. وكان عمره الشريف يوم قُتل 56 سنة وخمسة أشهر. قال الإمام أبو جعفر: لقد قُتل بالسيف والسنان وبالحجارة وبالخشب وبالعصا، ولقد أوطئوه الخيل بعد ذلك.

أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بدءً بأمير المؤمنين، وانتهاءً بالإمام المهدي، كانوا يبكون دائماً على مصاب الإمام الحسين، ويؤكدون وفي مختلف المناسبات على فاجعة كربلاء وضرورة الاهتمام بها، ولزوم إحيائها بالبكاء والعزاء وإقامة المجالس وما أشبه.

خلاصة الموضوع، نحن الشيعة ننظر إلى الحسين عليه السلام من جهتين:

- الأولى: الحسين شخص مقدس: لأنه أبن فاطمة وعلي (عليهما السلام) وهو من قال عنه رسول الإسلام جده محمد (صلى الله عليه واله وسلم) قوله المشهور: (حسين مني وأنا من حسين) فالدم المسفوح في كربلاء كان دم رسول الله؛ والأحرى بالمسلمين جميعا أن يعلنوا يوم عاشورا يوم حزن وبكاء وحسرة على هدر دم ابن رسول الله. هذا لمن كان يحب رسول الله ويحفظ حرمته في عياله.

- الثانية: الحسين مشروع إصلاحي ناهض: فالحسين (عليه السلام) خرج ضد حكم بني أمية؛ ضد يزيد طاغية العصر؛ الخارج عن الملة؛ شارب الخمر؛ المجاهر بالفسوق؛ ولم يكن يطالب بسلطة أو جاه أو مال. هو يقول وهو أصدق الصادقين في خروجه ضد نظام الحكم الأموي (ما خرجت أشرا ولا بطرا إنما خرجت لطلب الصلاح في أمة جدي) ما أروع هذا الكلام؛ وما أقوى هذه العزيمة؛ وما أصدق منه في إتمام وعده؛ عندما أقدم بأسرته وقدم أولاده قربانا لإصلاح أمة جده؛ وتقويم مسيرة المؤمنين. ألا يستحق الحسين المصلح الشهيد المضحي بعياله وأهله أن نحيي ذكراه؛ ونستذكر مواقفه؛ فتعسا لأناس أضاعوا مودة رسول الله (قل لا أسألكم عليه أجرأ إلا المودة في القربى).

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق