q

من يكره الشعائر الحسينية ومن يحبها ويتمسك بها؟، سؤال واضح والإجابة عنه سهلة، نأخذها من التاريخ والواقع، فالذي يكره الشعائر، هو الذي يخاف منها كونها تشكل مصدر تهديد لامتيازاته وسلطته، والدليل الى أن الحاكم الطاغية يشن عليها الحرب بكل أشكالها، وهناك من يعاونه على شن هذه الحرب، لكن ما هي نتيجة حروب الحكام المتجبرين، إنهم جميعا مضوا الى مزبلة التاريخ، وبقي الحسين شامخا، وبقيت الشعائر وتضاعفت.

أما الذين يحبون الشعائر، فهم أحباب الحسين وأتباعه، وهم معظمهم من فقراء الناس المحكومين بالظلم والجوع والحرمان، وهناك من هم أغنياء لكنهم يتمسكون بالشعائر، فليس كل غني يحب الظلم، وليس كل فقير يكره الظلم، هناك فقراء يدفعهم الفقر للسير في الطريق الخاطئ أحيانا، فبعض الأغنياء ايضا من أحباب الحسين، وهؤلاء هم السند (المادي) الذي يدعم المشاريع والشعائر الحسينية.

في ليلة عاشوراء، عاشر محرم، ليلة شهادة الامام الحسين عليه السلام وذويه وأصحابه، غصّت كربلاء المقدسة بملايين الزوار، وانتشرت في شوارعها وساحاتها مئات المواكب، كلها في خدمة الزوار الكرام، يقدمون لهم الطعام والشراب والمنام وهناك من يقدم الخدمات الطبية لهم ايضا، كما تقوم الاجهزة الامنية بحمايتهم.

توجهت (شبكة النبأ المعلوماتية)، الى الذين يدعمون شعائر ابي عبد الله الحسين، كي نكتشف سر هذا التمسك والتعلق بهذه الشعائر، سؤالنا كان واضحا، لماذا تهتم بالشعائر الحسينية؟؟:

أجاب الحاج عبد الأمير الأسدي (وكان يوزع على الزائرين لفّات بيض سندويجات)، سنويا أقوم بهذه الخدمة البسيطة، انا وأولادي نقوم بتوزيعها على زوار سيد الشهداء، أخصص آلاف (اللفات)، زوجتي وبناتي يقمن بإعدادها في البيت، وانقلها هنا الى مركز المدينة، واقوم بتوزيعها طوال ليلة العاشر من عاشوراء.

توزيع الطعام قدر المستطاع

لماذا تقوم بذلك؟؟. صفن قليلا الحاج عبد الأمير وقال: وهل هذا سؤال؟؟، الحسين الذي قدم دمه ونفسه لنا هل لا يستحق أن نقف معه، وننصره بكل ما نملك ونستطيع، ما اقوم ب هانا وعائلتي مشاركة بسيطة اخجل منها لأنها يجب ان تكون اكبر واكثر، ولكن هذا هو الحال وما استطيع عليه، واتمنى من الله تعالى أن يقبل مشاركتي هذه ويرزقني رضوانه سبحانه بشفاعة ابي عبد الله الحسين، وكان معه ابنه شاب اسمه حسن.. سألته عن سبب معاونته لأبيه في توزيع الطعام فقال حسن: أنا لا أساعد أبي، أنا اقوم بواجب بسيط في خدمة زوار امامي الحسين عليه السلام، وسأبقى كذلك حتى أموت.. واضاف حسن، ابي اخذ هذه الخدمة من ابيه من عشرات السنين وانا سوف آخذها من ابي، وسأعلم أولادي واحفادي عليها، فحب الحسين باقي في قلوبنا ونفوسنا الى الأبد.

واصلنا السير في طرقات كربلاء المقدسة، لا يوجد متر واحد فارغ من الزوار، منظر يفرح القلب، توجهت بالسؤال التالي للشيخ هادي الخفاجي: لماذا يتمسك الناس بالشعائر الحسينية بهذه الطريقة الحتمية؟؟. اجابنا الشيخ قائلا: هناك موالون واتباع لأئمة أهل البيت (ع)، ضحوا بأنفسهم ودمائهم لأنهم تمسكوا بمنهج أهل البيت، نعم هناك شباب تم اعدامهم من بعض الحكام الظالمين، لأنهم أحبوا الحسين وساروا في خطه ومنهجه، السبب واضح وله فروع كثيرة، أهمها يكمن في انتماء سيد الشهداء عليه السلام الى الدوحة المحمدية، والانسان بطبعه لا ينسى ما وعى عليه منذ طفولته، ونحن منذ طفولتنا تعلمنا ورضعنا حب الحسين وكما يقول الشاعر:

فَـمُذْ كنتُ طفلاً رأيتُ الحسيـــن

مَـناراً إلى ضوئِـهِ أنـتَمـــــــــي

ومُـذْ كنتُ طفلاً وجَدتُ الحسين

مَـلاذاً بأسـوارِهِ أحــــــــــتَمـي

وَمُذْ كنتُ طفلاً عرَفتُ الحسـين

رِضاعاً.. وللآن لـــــــم أُفـطَـمِ!

شعيرة التطبير لماذا؟

ثم رأينا رجلا يرتدي كفناً كان مخضبا بالدم، حتى تحوَّل الكفن كله الى اللون الاحمر، وكان يجلس على أحد المقاعد ليستريح قليلا، فاستأذنته بالكلام، بعد السلام، فرحب بي، وقلت له ان من (شبكة النبأ المعلوماتية)، واتمنى أن أتحدث معك قليلا عن شعيرة (التطبير) فهل توافق؟؟، رحب بي الرجل ولم يعترض بل قال أنا في خدمتكم.

سألته: من كم سنة وانت تقوم بالتطبير في مثل هذا اليوم؟ وما هو سبب استمرارك بهذه الشعيرة؟. فأجاب مبتدئا القول: السلام عليك يا سيدي ويا مولاي يا سيد الشهداء، بذلت دمك من أجل الاسلام والمسلمين، وقارعت الظلم والطغيان الأموي وكل السلاطين الظالمين من اجلنا، فكيف لا ننصرك، ونقف معك في يومك هذا، ثم توجّه بالكلام لي قائلا: قمت في التطبير للمرة الاولى في عمر عشر سنوات، ابي طبرني بنفسه، ثم واصلت ذلك في كل سنة، حتى عندما منع نظام البعث البائد هذه الشعيرة، كنا نقوم بها سرا في بيوتنا، لم تمر هذه الليلة إلا والدماء تقطر من رؤوسنا حبا بالحسين عليه السلام.

وعندما سألته وما رأيك بمن يطالب بتحريم هذه الشعيرة؟ فقال: أنا أؤمن بالتطبير، وعندما ينزل دمي ساخنا على جبهتي أتذكر دم الحسين عليه السلام، واشعر ببعض الراحة، ولكن اشعر ايضا أنني لم أقدم ما يكفي كي أعدل بعض ما قدمه الامام الحسين من اجل الاسلام والمسلمين، ان القضية قضية ايمان لا اكثر، هكذا انظر لها، ولذلك تمسكت بهذه الشعيرة وأتمسك بها ما دمت على قيد الحياة.

شباب في سن المراهقة يشدون رؤوسهم بقماش مكتوب عليه كلمة (يا حسين)، كانوا يتسمون بالحماسة والحيوية وهم يصبون شاي ابو علي للزوار، والى جانبهم (كلاصات) الماء بالعشرات، والزوار يستديرون حولهم ويكتظون على موقدهم، دنوت من احدهم وسألته: ما أسمك؟. قال: اسمي كميل. سألته كم عمرك: قال 13 سنة. سألته لماذا توزع الشاي في هذا الليل المتأخر ألم تتعب؟؟. استغرب سؤالي وقال: كيف أتعب؟؟ لا انا لا اتعب ابدا لأنني اخدم زوار ابي عبد الله عليه السلام. وعندما سألته: من علّمك تقديم هذه الخدمة؟ فقال: لم يعلمني أحد، ولم يطلب مني احد أن اقوم بخدمة الزوار، انا من نفسي شعرت هذا واجب وابسط واجب اقوم به كي انصر الامام الحسين، نحن نقدم التعب القليل، في حين قدم الحسين (ع) دمه لنا.

هكذا يفكر شباب كربلاء المقدسة، وهو تفكير كل من يتمسك بشعائر ابي عبد الله الحسين، انها تضع اقدام الشباب على الطريق الصحيح، ان الشعائر تزيد من (تقوى القلوب)، كما جاء في الآية الكريمة، ومن يتمسك بها ينتصر لنفسه أولا و أخيرا.

اضف تعليق