هناك قيمة عليا رسخها الامام الحسين في اتباعه لا تزال خالدة لهذا اليوم وهي عدم الرضوخ للذلة والهوان عندما قال هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وقيمة الحرية والتحرر وكسر قيود العبودية مهما كانت اشكالها، وعندما خاطب الاجيال بضرورة الثبات على الاسلام والتمسك...
بقلم: ا.د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي

ان منظومة القيم التي ترسخت عند الامام الحسين سلام الله عليه نابعة من تأثير الوراثة والمحيط الاجتماعي والقيم الإسلامية التي تعمقت في شخصية الإمام والتربية الإسلامية التي غرست من قبل الأسرة العلوية كانت كفيله بصقل شخصيته، ومن وصايا ابيه ابي الحسن الامام علي عليه السلام ((يا بني اوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والقصد في الغنى والفقر والعدل في الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل ورضا عن الله تعالى في الشده والرخاء)).

وما تمخض عن واقعة جملة من القيم العليا التي بمثابة منظومة أخلاقية خالدة أهمها:- 

1- الشهادة 

عند واقعه الطف الخالدة وتجمع جيش المخالفين من عمر بن سعد بن ابي وقاص بأربعة الاف مقاتل مع الف مقاتل بقياده الحر ابن يزيد الرياحي في اول الامر وتوافد المقاتلين الآخرين الذين ارسلهم ابن زياد وهنا ادرك الامام الحسين سلام الله عليه انه شهيد في هذه المعركة، وفي سبيل ترسيخ قيمة الشهادة في نفوس اتباعه وتعزيز القيم الإسلامية الأصيلة في نفوسهم فقال لهم ((هذا الليلة قد غشيكم فاتخذوه جملا))، والدليل على ترسيخ قيمة الشهادة في نفوس اتباعه ما ذكره زهير بن القيم من رد عزز قيم التضحية والجهاد في سبيل الله اذ قال ((والله لو وددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا الف قتلة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتية من اهل بيتك))، وهذا تعزيز إيجابي زرعه القائد في نفوس جنوده والتضحية في سبيل دين الله.

2- كرامة الانسان

هناك قيمة عليا رسخها الامام الحسين في اتباعه لا تزال خالدة لهذا اليوم وهي عدم الرضوخ للذلة والهوان عندما قال ((هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون)) وقيمة الحرية والتحرر وكسر قيود العبودية مهما كانت اشكالها عندما خاطب جيش يزيد بن معاوية إذ قال ((يا شيعة ال ابي سفيان ان لم يكن لكم دين فكونوا احرارا في دنياكم)) فهذه دوى للتحرر من اشكال العبودية.

3- الثبات على مبادئ الإسلام 

 وفي قيمة عليا مستقبلية رسمها لنا الامام الحسين سلام الله عليه عندما خاطب الاجيال بضرورة الثبات على الاسلام والتمسك بقيم الدين الحنيف اذ قال ((لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا انما خرجت لطلب الاصلاح في امه جدي))، وهنا قصد اصلاح ما افسده الطغاة من الأمويين.

4- الانتصار المعنوي 

من خلال واقعه الطف رسم لنا الامام الحسين لأول مرة في تاريخ المعارك بين الحق والباطل ما يسمى (الانتصار المعنوي) فعلى الرغم من الانكسار العسكري الا ان واقعة الطف انتصرت معنويا وذلك عندما اصبحت عنوان للثورة والحرية والدفاع عن الحق والانتصار للإسلام واهله واصبحت راية ترفع في جبهات الحق ورمز لكل ثائر بوجه الباطل والظلم حتى ظهرت مقوله خالدة هو ((انتصار الدم على السيف)) وهي رمزية الانتصار المعنوي بشرط بقاء القيم السامية بين الاجيال.

وهذا يعزز ما قاله سابقا عن الاستعداد النفسي للانتصار المعنوي عندما قال ((من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنه رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله)).

5- قيمة الدعاء 

كان الامام الحسين عليه السلام مدرك قيمة الدعاء ومخاطبه الله عز وجل بنفس تطلب الاستغفار اذ قال ((اللهم انت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو انزلته بك وشكوته اليك رغبه مني اليك عمن سواك ففرجته وكشفته وانت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة))، على الرغم من بوادر المعركة فقد كان ذكر الله على لسانه.

6- احترام الآخر

هناك قيمة انسانية عليا هو احترام الجنس البشري من كافة اعراقه وتذويب الفوارق الطبقية القائمة على العنصر الجنسي فقد قبل الامام ان يكون من اتباعه وجيشه شخص هو مولى ابي ذر الغفاري المدعو جون ابن حوي النوبي بل وصل الامر الى ان يدعو له عند الاستشهاد اذ قال سلام الله عليه ((اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع محمد صلى الله عليه واله وسلم عرف بينه وبين ال محمد صلى الله عليه واله وسلم)) وهذا درس في السمو الأخلاقي.

7- تقدير المرأة 

من القيم السامية وضع المرأة في المكان المناسب دون الخروج للقتال والحرب فقد ارجع ام وهب حينما ارادت ان تقاتل وتبارز كذلك امر ام عمر بن جنادة بعدم الخروج للقتال والحرب. على الرغم في شدة عظيمة وجيش قليل فامر المرأة ان تلزم بيتها.

8- التزام المبدأ 

من القيم الخالدة التي تركها لنا الامام الحسين سلام الله عليه منارا يهتدي اليه المستضعفون والثائرون في سبيل الحق هو التزام المبدأ على الرغم كثره الضغوط النفسية والوعد والتهديد من قبل السلطة الحاكمة، فقد قال له ابن عباس ان مسعاه لا يكتمل ولا ينجح، محاول بذلك التأثير على الامام الحسين سلام الله عليه لترك امر الثورة الإسلامية فرد عليه الامام عليه السلام قال ((والله لو اعلم اني اذا تشبهت بك وقبضت على مجامع ثوبك وادخلت يدي في شعرك حتى يجتمع الناس علي وعليك كان ذلك نافعي لفعلته لكن اعلم ان الله بالغ امره))، وعند المسير للعراق التقى الشاعر الفرزدق وسأله الامام عن العراق واهله وقال له ((قلوبهم معك وسيوفهم عليك))، ورغم ذلك بقي الامام على الثبات والتزام العهد الذي قطع بينه وبين الله على الرغم من وصول اخبار استشهاد ابن عمه مسلم بن عقيل عليه السلام.

* جامعة كربلاء-كلية التربية للعلوم الإنسانية –قسم التاريخ

...........................

المصادر:

محمد مهدي الاصفي، في رحاب عاشوراء، مطبعة باقري، قم المقدسه،1421.

باقر شريف القرشي، حياة الامام الحسين بن علي عليهم السلام، بيروت دار البلاغة، 1993. 

اضف تعليق