ملفات - عاشوراء

الولاء للحُسين (ع) فِهمٌ ووعيٌّ والتزامٌ

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (٧)

وإِذا زعمَ أَحدٌ بأَنَّهُ مُتمسِّكٌ بنهجِ كربلاء ثمَّ رأَيتهُ يُصلِّي خلفَ [التُّقاة] ويحضَر موائِدَ [الطُّغاة] والفاسِدينَ واللُّصوص الذين يُتاجِرُونَ بالدَّمِ والقِيَمِ والتَّاريخ ورموزهُ المُقدَّسة، ويقف على [التلِّ] عندما يجري الحديثُ عن الإِصلاحِ والتَّغييرِ، فتأَكَّد بأَنَّهُ أَمويُّ النَّزعة وصُوليٌّ أَبعدُ ما يكونُ عن عاشُوراء وكَربلاء والحُسين السِّبط...

إِذا زعمَ أَحدٌ بأَنَّهُ حُسينيُّ العقيدةِ والمنهجِ ثمَّ رأَيتهُ يُدافِعُ بحماسةٍ عن الفاسدينَ بذريعةِ [وِحدةِ المَذهبِ] أَي أَنَّهُ يقبلُ أَن يكُونَ [المسؤُول الشِّيعي] فاسداً لِصّاً مُرتشِياً لكنَّهُ لا يقبلُ مِن [السنِّي] ذلكَ! فتأَكَّد بأَنَّهُ مُختلٌّ عقليّاً أَموِيُّ النَّزعةِ والهَوى والوَلاء، فالحُسينُ السِّبط (ع) لم يكُن مِعيارهُ الدِّين والمذهَب والقوميَّة أَبداً، وإِنَّما مِعيارهُ الحقُّ والعدلُ والإِحسانُ والإِنصافُ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ولو كانَ مِعيارهُ الإِنتماءُ المَذهبي لما دعا زُهير بنَ القَينِ، الذي كانَ عُثمانيُّ الهوى، ليلتحِقَ بركبهِ!.

 أُنظرُوا ماذا كتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) غاضباً لعاملٍ مِن عُمَّالهِ مدَّ يدهُ بالحرامِ على المالِ العامِّ {ووَ اللَّه لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ولَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا} فالمِعيارُ ليسَ الإِنتماءُ وإِنَّما [الميزانُ الحقَّ].

 وإِذا زعمَ أَحدٌ بأَنَّهُ يسيرُ على نهجِ عاشوراء ثمَّ رأَيتهُ يُبرِّر للوَلاءاتِ العشائريَّةِ والحزبيَّةِ على حسابِ العدلِ والحقِّ والإِنصافِ فتأَكَّد بأَنَّهُ أَقربُ إِلى يزيدٍ منهُ إِلى الحُسين السِّبط (ع) وأَنَّهُ أَقربُ إِلى قتَلةِ الإِمامِ منهُ إِلى أَنصارهِ وأَهلِ بيتهِ، لأَنَّ الإِمام لم يدعُ إِلى عصبيَّةٍ قطُّ فلَو دعا لها ما كانَ ليُحاوِرُ قائد جَيش البغي عُمر بن سعد ويدعُوهُ لتركِ ما جاءَ مِن أَجلِ تنفيذهِ [قتلُ الإِمام] لِيسلمَ في الدُّنيا ويفوزَ في الآخِرة، حتَّى أَنَّهُ عرضَ عليهِ حلولاً منطقيَّةً لكُلِّ المخاوُفِ التي ذكرَها للإِمامِ (ع) كذَرائعَ تمنعهُ من تركِ منصبهِ العسكري والتمرُّدِ على السُّلطةِ الغاشِمةِ.

 وإِذا زعمَ أَحدٌ بأَنَّهُ مُتمسِّكٌ بنهجِ كربلاء ثمَّ رأَيتهُ يُصلِّي خلفَ [التُّقاة] ويحضَر موائِدَ [الطُّغاة] والفاسِدينَ واللُّصوص الذين يُتاجِرُونَ بالدَّمِ والقِيَمِ والتَّاريخ ورموزهُ المُقدَّسة، ويقف على [التلِّ] عندما يجري الحديثُ عن الإِصلاحِ والتَّغييرِ، فتأَكَّد بأَنَّهُ أَمويُّ النَّزعة وصُوليٌّ أَبعدُ ما يكونُ عن عاشُوراء وكَربلاء والحُسين السِّبط (ع) لأَنَّ عاشُوراء واضِحةٌ لا تحتمِلَ التلوُّنِ وازدواجِ الشخصيَّةِ والنِّفاقِ، فإِمَّا أَن تكونَ معها تلتزم ينهجِ الحقِّ والعدلِ وترفُض كُلَّ أَنواعِ الظُّلمِ بغضِّ النَّظرِ عن خلفيَّة الظَّالم وترفُض الفَساد بغضِّ النَّظرِ عن خلفيَّةِ الفاسدِ، أَو أَن تكونَ معَ مَن قتلَ الحُسين الِّسبط (ع) الذي ضحَّى بأَغلى ما يمتلِك مِن أَجلِ الإِصلاحِ وشعارهُ {قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَرَءَیۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی وَرَزَقَنِی مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنࣰاۚ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَاۤ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ}.

 أَمَّا إِذا كُنتَ عاجِزاً عن الإِصلاحِ أَو عن المُساهمةِ في جهُودِ الإِصلاحِ ولَو بشقِّ كَلمةٍ فذلكَ لا يعطيكَ المُبرِّر للإِستسلامِ للفسادِ والتَّعايُشِ معهُ والإِنخراطُ فيهِ وممارستهِ من بابِ [وهل بقِيت عليَّ] أَو [إِنَّ اليدَ التي لا تقدَر على قطعِها قبِّلها]!.

 وإِذا رأَيتَ أَحداً يلطِمُ على الحُسين السِّبط (ع) في اللَّيلِ ويسرُقَ أَو يُفسِدَ في النَّهارِ فتأَكَّد بأَنَّهُ [فاهِم الموضُوع غلَط] وأَنصحهُ بأَن يلطِم على نفسهِ حتَّى يُصحِّح فِهمهُ ومَسارهُ ونهجهُ.

 وإِذا صادفتَ أَحداً يزعُم أَنَّهُ مِن شيعةِ عاشُوراء يهتِفُ {هَيهات منَّا الذلَّة} ثمَّ سمعتهُ يُدافع عن الفسادِ والفشلِ الذي يتسبَّب بانقطاعِ الطَّاقةِ الكهربائيَّةِ التي لا تُتيحُ للنَّاسِ العيشَ بكرامةٍ، فتأَكَّد بأَنَّهُ لم يسمَع من كربلاء إِلَّا الشِّعارات مِن دونِ جَوهرِها ومُحتواها وفحوى رِسالتها! فالكرامةُ تقِفُ على رأسِ القِيَمِ والأَهدافِ التي ضحَّى من أَجلِها الحُسين السِّبط (ع) فما قيمةُ فهمِنا لعاشُوراءَ إِذا لم تُلهِمنا الكَرامةَ؟! وما قيمةُ وعيِنا لكربلاء إِذا كانَ نِهايتهُ الذُّلَّ والعبوديَّة؟! وما قيمةُ معرفتِنا بالنَّهجِ الحُسيني إِذا لم يُعلِّمنا كيفَ ننتزِعَ الحَياة الحُرَّة الكريمة مِن فمِ السُّلطاتِ الظَّالمةِ والمُستبدَّةِ؟!.

لا تُساوُوا نهجَ الحُسين السِّبط (ع) بالنَّهج الأَموي عندما تزعُمُونَ أَنَّكم حسينيُّونَ وتعيشُونَ حياةَ الذلِّ! ففي كربلاء لا مَعنى للذلِّ والعبوديَّةِ والمهانةِ، وليسَ عندَ الأَمويِّينَ إِلَّا حياةَ الذلِّ والعُبوديَّةِ!.

 أَمَّا إِذا صادفتَ أَحداً يزعُمُ في الليلِ أَنَّهُ عاشورائيٌّ حُسينيٌّ كربلائيٌّ وفي النَّهار يلهَث خلفَ موكِب الفاسد يصرخ [علي وياك علي] و [بالرُّوح بالدَّم نَفديك ياهو الكان] أَو رأَيتهُ حاضِراً في تجمُّعٍ لعِمامةٍ فاسِدةٍ تُروِّجُ لنفسِها بدجَلٍ قلَّ نظيرهُ! فتأَكَّد بأَنَّهُ من [الحشَّاشة] الذينَ لم يستوعِبوا من القُصَّةِ شيئاً، فكربلاء قِيمٌ وعاشُوراء رِسالةٌ سماويَّةٌ والحُسين السِّبط (ع) إِمامُ المُتَّقين {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.

 لقد ابتُلِيت عاشُوراء بالتجَّار الذي يستأكِلونَ بتضحياتِ أَهلِ البيتِ (ع) كما يصفهُم المعصُوم أَكثر من إِبتلائِها بأَعداءِ كربلاء النَّاصبينَ لها الحربَ، فالإِستئكالُ هنا تعبيرٌ عن حالةِ النِّفاقِ وازدواجِ الشَّخصيَّةِ [ذو الوَجهَينِ] وتلكَ حالاتٌ أَخطر على نهجِ الحُسين السِّبط (ع) من قاتليهِ.

 يقولُ الإِمامُ جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع) مُتحدِّثاً عن أَصنافِ [شيعتهِ] {الشِّيعَةُ ثلاثٌ؛ مُحِبٌّ وادٌّ فهُو مِنّا، ومُتَزَيِّنٌ بنا ونحنُ زَينٌ لِمَن تَزَيَّنَ بنا، ومُستَأكِلٌ بِنَا الناسَ ومَنِ استَأكَلَ بِنَا افتَقَرَ}.

 وعنهُ (ع) {افتَرَقَ الناسُ فِينا على‏ ثلاثِ فِرَقٍ؛ فِرقَةٌ أحَبُّونا انتِظارَ قائمِنا لِيُصِيبُوا مِن دُنيانا فقالوا وحَفِظُوا كَلامَنا وقَصَّرُوا عن فِعلِنا فَسَيَحشُرُهُم اللَّهُ إلَى النارِ، وفِرقَةٌ أحَبُّونا وسَمِعُوا كَلامَنا ولَم يُقَصِّرُوا عن فِعلِنا لِيَستَأكِلُوا الناسَ بنا، فَيَملأَُ اللَّهُ بُطُونَهُم ناراً يُسَلِّطُ علَيهِمُ الجُوعَ والعَطَشَ، وفِرقَةٌ أحَبُّونا وحَفِظُوا قَولَنا وأطاعُوا أمرنا ولَم يُخالِفوا فِعلَنا فاُولئكَ منّا ونحنُ مِنهُم}.

 لا يكفي اللَّطمُ، إِذن، على الحُسين السِّبط (ع) لتُثبِتَ تشيُّعكَ لهُ، ولا يكفيكَ السَّير إِلى كربلاء ليتأَكَّدَ الناسُ بأَنَّكَ على نهجِ الحُسينِ السِّبطِ (ع) ولا معنى لإِقامتِكَ المَواكب لخدمةِ الزوَّار يومَ الأَربعين لتطمئِنَّ إِلى صدقِ انتمائكَ، ولا معنى لانتشارِ صُوَرِكَ وأَنتَ تخُوطُ بقِدرِ القيمَةِ لتُثبِتَ التزامكَ بالنَّهجِ السِّياسي لِكربلاء، أَبداً، فالتشيُّع للحُسين السِّبط (ع) فِهمٌ ووعيٌّ والتزامٌ وعملٌ واستقامةٌ وإِخلاصٌ، كما هوَ بالضَّبط الزَّعم بالإِيمان الذي شرحهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {وسُئِلَ عَنِ الإِيمَانِ فَقَالَ؛ الإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ} وإِلَّا وفي غيرِ هذهِ المراحلِ الدَّقيقةِ فإِنَّ الأَمرَ سينقلِبُ على صاحبهِ كما يصِفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) في النصِّ التَّالي {أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ وتَتِيه بِكُمُ الْغَيَاهِبُ وتَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ؟ ومِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ وأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ فَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ولِكُلِّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ وأَحْضِرُوه قُلُوبَكُمْ واسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ، ولْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَه ولْيَجْمَعْ شَمْلَه ولْيُحْضِرْ ذِهْنَه فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ وقَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَه ورَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَه وعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ وقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ وصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ وهَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ وتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ وتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ وتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ وتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً والْمَطَرُ قَيْظاً وتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً وتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً وكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً وسَلَاطِينُه سِبَاعاً وأَوْسَاطُهُ أُكَّالًا وفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً، وغَارَ الصِّدْقُ وفَاضَ الْكَذِبُ واسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ وتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ وصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً والْعَفَافُ عَجَباً ولُبِسَ الإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً}.

اضف تعليق