تحولت الشعائر الحسينية الى شعار للمعارضة الجماهيرية يخيف السلطة التي تتحكم بحياة الناس وفق افكارها ومصالحها، مما يفترض بشباب اليوم، وسائر المعزين في ايام عاشوراء وايضاً؛ في ايام زيارة الاربعين عدم التفريط بهذه الفرصة التي تمنحها لنا النهضة الحسينية لمزيد من التغيير والإصلاح في ذواتنا وواقعنا الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي...

إظهار الحزن الشديد باللطم على الصدور والضرب على الظهور في مواكب عزائية تجوب الشوارع في أيام عاشوراء، وحتى أيام الأربعين، مع فعاليات ذات طابع فنّي "مثل التشابيه"، تحمل مضامين ودلالات عديدة، كونها ترتبط بقضية كبيرة، ليس أقلها مواساة صاحب المصيبة؛ الامام الحسين، عليه السلام، لما جرى عليه وعلى أهل بيته في ظهيرة العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة، وفي مرحلة متأخرة من الزمن تم الاصطلاح عليها بـ "الشعائر الحسينية" من قبل علماء الدين لتأخذ طابعاً دينياً مسنوداً بالمنظومة التشريعية، يلتزم خلالها المعزون في الشوارع بما هو جائز و غير جائز شرعاً.

ربما التقادير قربت مواكب العزاء الحسيني من حيث الظاهر لتشبه مواكب احتفالية بمناسبات عديدة في العالم تقيمها جماعات من الشعوب يعبرون خلالها عن علاقتهم بعاداتهم وتقاليدهم وكل ما يمتّ الى ثقافتهم، بما يُطلق عليه "الفلكلور" وهو مصطلح تم صياغته المانياً، حسب موقع ويكيبيديا على الانترنت، وبالعربية يقابله "علم الشعوب"، وقد ظهر في اوربا عام 1846 على شكل مواكب شعبية يحتفلون من خلالها بالموروث الثقافي مثل الاحتفاء بالزهور والالوان والأزياء، وكل ما يرتبط بحياة الانسان، بل وشملت المواكب الفلكلورية التعبير عن الانتماء الديني في اوربا المسيحية وفي الهند السيخية والهندوسية، و اتفقت كلمة الباحثين في دوافع هذه المراسيم العشبية من الناس على أنها وفاءً منهم لما ورثوه من الآباء والاجداد، فهي نوع التعبير عن أمور خارج واقع الانسان النفسي والذاتي، فمن يحتفل بالورد والحب والازياء والأطعمة ليس بالضرورة ان يكون عصامياً او متواضعاً او كريماً.

بينما المواكب العزائية في ذكرى استشهاد الامام الحسين، لها علاقة ثنائية بين الانسان المعزي بمختلف اشكال التعزية، وصاحب الذكرى المقصود بالمواساة من كل ما تتضمنه الشعائر الحسينية، وهذه النقطة تحديداً هي التي تميّز مواكبنا عن مواكب الشعوب الاخرى في مناسباتهم واحتفالاتهم، فكل ما موجود في الشعائر الحسينية يمثل صورة لحالة مأساوية وقعت يوم عاشوراء، مثل؛ توزيع الماء تذكيراً بالعطش، والضرب على الصدور وعلى الظهور مواساة مع أسرة الامام الحسين التي تعرضت للضرب المبرح بعد انتهاء المعركة وتحولهم الى أسرى بيد الجيش الأموي، ونشر الرايات والقرع على الطبول تعبيراً عن الاستعداد للمواجهة لنصرة الامام الحسين، وحتى ضرب الرؤوس بالسيوف تعبيراً عن بالغ الحزن والأسى على الطريقة المفجعة التي استشهد بها الامام الحسين بضربه مرات عديدة على رأسه من قبل حزّ رأسه من قبل الشمر. 

صحيح إن المواكب الحسينية بشكل عام قابلة للتطوير جيلاً بعد جيل، والصحيح ايضاً انها تلتزم بالمسار العام للغاية السامية من وراء تسيير هذه المواكب واستذكار مصاب الامام الحسين، لذا نجد المشاركين في هذه المواكب منذ تشكلها قبل قرون من الزمن يتميزون عن سائر افراد المجتمع بتفاعلهم واندماجهم مع الذكرى المأساوية، فنراهم –على الأغلب- يكرسون كل وجودهم لتقديم أصدق صورة لمواساة الامام الحسين، وايضاً؛ جده المصطفى، وأبيه المرتضى وأمه الزهراء، والأئمة المعصومين الذين طالما أكدوا على ضرورة إحياء هذه الذكرى الأليمة لتخليد القضية الكبرى التي ضحى الامام الحسين بكل شيء من أجلها.

وفي ضوء هذا المائز، يكون أي تقييم أو تقويم للشعائر الحسينية بعيداً عن الحالة الشخصية لمن يقوم بهذه المظاهر، كون المشارك في هذه المواكب لا يعبر عن نفسه، كما في المراسيم الشعبية (الفلكلورية) بالعالم، بقدر ما يعبر عن حبّه و ايمانه بقيم التضحية والوفاء والحرية في معسكر الامام الحسين، كما يعبر عن استنكاره لكل حالات النفاق والازدواجية والمروق عن الدين والقيم الأخلاقية والانسانية التي تجلّت في الجيش الأموي.

وفي مرحلة لاحقة من تطور الشعائر الحسينية، تنتقل من تخليد المصاب وإظهار الحزن والمواساة بالحماس والمشاعر العاطفية، الى صياغة إرادة التغيير الداخلي لكل العادات والافكار غير الصحيحة في الحياة، والمشهد العاشورائي الى جانب أيام زيارة الاربعين يؤكد لنا علاقة هذه الشعائر بالجانب النفسي للانسان، عندما نجد الكبير والصغير والنساء، ومختلف فئات المجتمع يتسابقون على تقديم أي نوع من الخدمة والمشاركة في مراسيم إحياء النهضة الحسينية، لاسيما في صفوف الشباب الذي ينسى نفسه في مثل هذه الايام ويسعى لأن يجد له مكاناً في هذه المراسيم، حتى وإن كان متفرجاً، فهو بنظراته الحزينة و استجابة مشاعره للمصاب، يجد نفسه مدعواً لأن يطابق بين سلوكه وفكره وحياته، وما قيم الحرية والإصلاح والمساواة والتضحية التي تتجسد، بشكل او بآخر في الشعائر الحسينية بشكل عام. 

وإذن؛ يمكن ان نفهم مساندة بعض علماء الدين وبقوة الشعائر الحسينية بكل اشكالها في الوقت الحاضر لما يحفظوه في اذهانهم من تجارب ناجحة لهذه الشعائر في قيادة المجتمع نحو الفضيلة، ولاسيما شريحة الشباب، و تحفيزهم على الإصلاح على وجه التحديد؛ على الصعيد الذاتي، وفي الواقع الخارجي في نفس الوقت، متجسداً في مقارعة الفساد والانحراف والتضليل في العقود الماضية، حتى تحولت الشعائر الحسينية الى شعار للمعارضة الجماهيرية يخيف السلطة التي تريد دائماً تكون هي المهيمنة على النفوس وعلى المصائر، وتتحكم بحياة الناس وفق افكارها ومصالحها، مما يفترض بشباب اليوم، وسائر المعزين في ايام عاشوراء وايضاً؛ في ايام زيارة الاربعين عدم التفريط بهذه الفرصة التي تمنحها لنا النهضة الحسينية لمزيد من التغيير والإصلاح في ذواتنا وواقعنا الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي.

اضف تعليق