كانت حياة السيدة زينب (ع) بنت الامام علي المرتضى وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة، فأن أول خمس سنوات من عمرها والتي عايشت فيها جدها المصطفى (ص) وهو يقود معارك الجهاد لتثبيت أركان الإسلام ويتحمل هو وعائلته ظروف العناء والخطر.
والأشهر الثلاثة التي رافقت خلالها أمها الزهراء بعد وفاة الرسول (ص) ورأت أمها تدافع عن مقام الخلافة الشرعي، وتطالب بحقها المصادر وتعترض على ما حصل بعد الرسول من تطورات، وتصارع الحسرات والآلام التي أصابتها.
والفترة الحساسة الخطيرة التي عاصرت فيها حكم أبيها علي وخلافته وما حدث فيها من مشاكل وحروب، ثم مواكبتها لمحنة أخيها الحسن وما تجرع فيها من غصص وآلام، فكل تلك المعايشة للأحداث والمعاصرة للتطورات.. كانت لإعداد السيدة زينب (ع) لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في نهضة أخيها الحسين (ع) بكربلاء.
وما كان للسيدة زينب (ع) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور، لو لم تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الرصيد الكبير من البصيرة والوعي.
مّا يدلّ على مزيد فضلها أنّها كانت تنوب عن أخيها الإمام الحسين عليه السلام في حال غيابه فيرجع إليها المسلمون في المسائل الشرعية، وكان يروي عنها عبد الله بن جعفر، والسيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام، ولمّا كانت في الكوفة في أيام أبيها كان لها مجلس خاص تزدحم عليها السيّدات فكانت تلقي عليهن محاضرات في تفسير القرآن الكريم، كما كانت المرجع الأعلى للسيّدات من نساء المسلمين، فكنّ يأخذن منها أحكام الدين وتعاليمه وآدابه، ويكفي للتدليل على فضلها أنّ ابن عباس حبر الأمة كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها، كما روى عنها كوكبة من الأخبار، وكان يعتزّ بالرواية عنها، ويقول: (حدّثتنا عقيلتنا زينب بنت علي)، وقد روى عنها الخطاب التاريخي الذي ألقته أمها سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) في جامع أبيها صلّى الله عليه وآله، وقد نابت عن ابن أخيها الإمام زين العابدين عليه السّلام في أيام مرضه، فكانت تجيب عمّا يرد عليه من المسائل الشرعية، وقد قال (ع) في حقها: "إنها عالمة غير معلّمة"، وكانت الخطيبة اللامعة في الإسلام، فقد هزّت العواطف، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الأموي، وذلك في خطبها التاريخية الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافية والأدبية.
لقد نشأت حفيدة الرسول صلّى الله عليه وآله في بيت الوحي ومركز العلم والفضل، فنهلت من نمير علوم جدّها وأبيها وأخويها، فكانت من أجلّ العالمات، ومن أكثرهنّ إحاطة بشؤون الشريعة وأحكام .إما من ناحية علاقتها بالإمام الحسين "ع".
لا يوجد ولن يوجد في العالم أخ وأخت تربطهما روابط المحبّة والود مثل الإمام الحسين (ع) وأخته السيّدة زينب (ع)؛ وكيف لا يكونان كذلك وقد تربّيا في حِجْر واحد، وتفرّعا من شجرة واحدة؟.
ولم تكن تلك العلاقات منبعثة عن عاطفة القرابة فحسب، بل عرف كلّ واحد منهما ما للآخر من الكرامة وجلالة القدر وعِظم الشأن؛ فالسيّدة زينب (ع) تعرف أخاها بأنّه: سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة الرسول (ص)، وتعلم بأنّ الله تعالى قد أثنى على أخيها (ع) في آيات كثيرة من القرآن الكريم ؛ كآية المباهلة، وآية المودّة، وآية التطهير، وسورة (هل أتى)، وغيرها من الآيات والسور. بالإضافة إلى أنّها (ع) عاشت سنوات مع أخيها في بيت واحد، وشاهدت ما كان يتمتّع به أخوها (ع) من مكارم الأخلاق والعبادة والروحانيّة، وعرفت ما لأخيها من علوّ المنزلة وسموّ الدرجة عند الله (عزّ وجلّ). وهي تعلم أنّه إمام منصوب من عند الله تعالى، منصوص عليه بالإمامة العظمى والولاية الكبرى من الرسول الأقدس (ص)، مع توفّر شروط الإمامة ولوازمها فيه؛ كالعصمة والعلم بجميع أنواع العلوم وغير ذلك.
لم يشاهد الناس في جميع مراحل التأريخ أشجع ولا أربط جأشاً ولا أقوى جناناً من الأسرة النبوية الكريمة، فالإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) عميد العترة الطاهرة كان من أشجع خلق الله، وهو القائل: (لو تضافرت العرب على قتالي لما وليت عنها)
وقد خاض أعنف المعارك وأشدّها قسوة، فجندل الأبطال، وألحق بجيوش الشرك أفدح الخسائر، وقد قام الإسلام بجهاده وجهوده، فهو معجزة الإسلام الكبرى، وتمثلت هذه البطولة العلوية بجميع صورها وألوانها عند حفيدة الرسول وعقيلة بني هاشم السيّدة زينب (سلام الله عليها)، فإنّها لمّا مثلت أمام الإرهابي المجرم سليل الأدعياء ابن مرجانه احتقرته واستهانت به، فاندفع الأثيم يظهر الشماتة بلسانه السليط قائلاً:
الحمد لله الذي فضحكم، وقتلكم، وكذّب أحدوثتكم... فانبرت حفيدة الرسول بشجاعة وصلابة قائلة: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَطَهَّرَنَا مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيراً، إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَهُوَ غَيْرُنا، يَا بْنَ مرجانه".
قالت هذا القول الصارم الذي هو أمض من السلاح، وهي والمخدرات من آل محمّد في قيد الأسر، وقد رفعت فوق رؤوسهن رؤوس حماتهن، وشهرت عليهن سيوف الملحدين.
لقد أنزلت العقيلة بهذه الكلمات الطاغية من عرشه إلى قبره، وعرّفته أمام خدمه وعبيده أنّه المفتضح والمنهزم، وأنّ أخاها هو المنتصر، ولم يجد ابن مرجانه كلاماً يقوله سوى التشفّي بقتل عتره رسول الله (ص)، قائلاً: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟، وانطلقت عقيلة بن هاشم ببسالة وصمود، فأجابت بكلمات الظفر والنصر لها ولأخيها قائلة: ما رَأَيْتُ إِلاّ جَميلاً، هؤُلاءَ قَوْمُ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتَلَ، فَبَرَزُوا إِلى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتَحَاجُ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلجُ يَوْمَئِذٍ، ثَكَلَتْكَ أمك يَا بْنَ مرجانه.
وليس هذا كل ما عند زينب من الشجاعة، فلنقرأ التاريخ وننظر في خطاباتها ومواقفها المشرفة وموقفها في بلاط يزيد، وموقفها مع الشامي وخطابها الثوري الخالد الذي هزّ العرش الأموي، وكشف الواقع الجاهلي ليزيد ومن مكّنه من رقاب المسلمين.
أنها بحق الشجاعة الحيدرية، والعفة الفاطمية، والصبر المحمدي!، وكان من أقسى ما تجرعتّه من المحن والمصائب يوم ألطف، فقد رأت شقيقها الإمام الحسين(عليه السّلام) قد استسلم للموت لا ناصر له ولا معين، وشاهدت الكواكب المشرقة من شباب العلويين صرعى قد حصدتهم سيوف الأمويين، وشاهدت الأطفال الرضع يذبحون أمامها.
إن أي واحدة من رزايا سيدة النساء زينب لو ابتلي بها أيّ إنسان مهما تذرّع بالصبر وقوة النفس الأوهنت قواه، واستسلم للضعف النفسي، وما تمكن على مقاومة الأحداث، ولكنّها سلام الله عليها قد صمدت أمام ذلك البلاء العارم، وقاومت الأحداث بنفس آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على بلائه، فكانت من أبرز المعنيين بآيات الصبر في القرآن: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
(إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب).
(ولتجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
لقد صبرت حفيدة الرسول (ص) وأظهرت التجلّد وقوة النفس أمام أعداء الله، وقاومتهم بصلابة وشموخ، فلم يشاهد في جميع فترات التأريخ سيدة مثلها في قوة عزيمتها وصمودها أمام الكوارث والخطوب، لقد قابلت العقيلة ما عانته من الكوارث المذهلة والخطوب السود بصبر يذهل كل كائن حي وتنقل مصادرنا أنها كان".
حينما تُسأل: كيف رأيتِ صنع الله فيكم؟ تقول: «ما رأيت إلا جميلاً».. كل هذه المصائب جميلة في عين زينب الكبرى لأنَّها من الله وفي سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته، لاحظوا هذا المقام المتقدِّم وهذا العشق للحق والحقيقة .. هذا دليل على عظمة مقام السيدة زينب هكذا هو العمل في سبيل الله.
لذلك بقي اسم زينب وعملها إلى اليوم نموذجاً خالداً في العالم بقاء دين الإسلام وبقاء سبيل الله وبقاء السير في هذا السبيل من قبل عباد الله يعتمد كله على العمل الذي قام به الحسين بن علي (ع) وما قامت به السيِّدة زينب الكبرى (ع)، أي إنَّ ذلك الصبر العظيم وذلك الصمود وتحمّل كل تلك المصائب والمشكلات أدَّى إلى أنَّكم ترون اليوم القيم الدينيّة هي القيم السائدة في العالم كافَّة.
هذه القيم الإنسانية التي نجدها في المدارس المختلفة والمتطابقة مع الضمير البشريِّ هي قيم نابعة من الدين الحق الذي استمر وما زال مستمر بفضل الله والرسول وأهل البيت والصبر على الأذى في جنب الله لنشر الدعوة المحمدية ألحقه وكان لمولاتي وسيدتي زينب الحوراء (ع) الدور المهم والرائد للحفاظ على الدين الإسلامي من الخطر الذي كان محدق به من قبل السلطة الحاكمة آنذاك المتمثلة ثلة بشخص يزيد ابن معاوية لعنه الله, فكانت الحوراء كان(ع) حقا أبنت فاطمة الزهراء فقد اتشحت برداء أمها وأبيها بالدفاع عن دين جدها رسول الله (ص), إنَّ ذلك الصبر العظيم وذلك الصمود وتحمّل كل تلك المصائب والمشكلات أدَّى إلى أنَّكم ترون اليوم القيم الدينيّة هي القيم السائدة في العالم كافَّة وهذه القيم الإنسانية التي نجدها في المدارس المختلفة والمتطابقة مع الضمير البشريِّ هي قيم نابعة من الدين.
كانت زينب صوت الحسين وصولته ..ودم الحسين وديمومته.. وشخص الحسين وشخصيته .. وبصر الحسين وبصيرته.. كانت هي الحسين في قالب امرأة!.
اضف تعليق