رعاية صحية مهمة تابعنا استمرارها بطريقة منتظمة، يحصل عليها الزائرون في السنوات الأخيرة بمناسبة عاشوراء، فالزيارات المليونية التي تحتشد بها كربلاء المقدسة، تجعل الدوائر الصحية تتأهب وتستعد وتخطط لتقديم الخدمات التي يحتاجها الزوار في جميع المجالات، ومنها صحة هؤلاء الزوار الكرام، فالزائر الذي يقطع مئات الكيلومترات من مدينته ومحل سكنه، الى مدينة الحسين (ع)، قاطعا مسافات طويلة، وعابرا لمدن ومناطق كثيرة، لا شك أنه سوف يعاني من بعض المشكلات الصحية الطارئة.
ونظرا لمثل هذه التوقعات، نلاحظ أن المفارز الطبية المخصصة لتقديم العلاج والإسعافات الأولية للزوار، تنتشر على طول الطرق الممتدة نحو مدينة كربلاء المقدسة، حيث تجد هذه المفارز منتشرة بين المواكب الحسينية، تقدم خدماتها الصحية على مدار الساعة للمشاة من الزوار، لاسيما كبار السن منهم، والنساء وحتى الأطفال، واذا كانت الاسعافات الاولية غير كافية، فهناك سيارات اسعاف مستعدة لنقل المرضى الى الطوارئ، او المستشفيات الكبيرة لتقديم العلاج اللازم للزائر المتعب وحسب فحوصات طبية دقيقة.
والمفرزة الطبية كما لاحظنا ذلك، تتكون من طبيب وعدد من الممرضين او الممرضات، بعض هذه المفارز صغيرة من حيث العدد، لكنها مستعدة دائما لتقديم ما يحتاجه زوار الحسين (ع)، وبعضها متخصص بتقديم العلاج الخاص بالأمراض المزمنة، كالسكري وارتفاع ضغط الدم، والصداع ودواء المفاصل والفقرات وما شابه، وهناك مفارز للعلاج الطبيعي ايضا، وتبقى الحالات الطارئة التي تحتاج الى خدمات طبية خاصة، فإنها ستكون من حصة المستشفيات الكبيرة التي تحتوي على صالات عمليات جراحية وكوادر طبية متخصصة.
خدمات صحية مستمرة
وقد زارت (شبكة النبأ المعلوماتية) عددا من المفارز الطبية التي بدأت بتقديم ما يحتاجه المقبلون عليها من الذين يمموا شطرهم باتجاه سيد الشهداء، حتى لو كانوا من المناطق التي تقع في اطراف المدينة، أو أحياء المدينة السكنية القريبة، ولكن هناك مشاة من خارج المدينة، بدأت طلائعهم تلوح في الأفق، قاصدين أبا الأحرار (ع)، طلبا للمراد والشفاعة في الدنيا والآخرة، وبعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، نراهم قادمين على كراسي متحركة او على العكاز، فالمهم عندهم ان يصلوا المرقد الطاهر، ويلامسوا الروح التي ترفرف عليهم بالسلام وتظلل قلوبهم بالخشوع.
دنونا من احد الأكشاك الصغيرة، كان يعرض أدوية مختلفة، ويجلس الممرضون بملابسهم البيضاء، انها احدى النقاط الصحية التي تقدم علاجات سريعة فورية للزائرين، سألنا الممرض (عدنان عبد علي وهو شاب في السادسة والعشرين)، عن اقبال الزوار عليهم، فقال: نحن اعتدنا على عملنا هذا في كل سنة، فكلما اقتربنا من ليلة العاشر (الطبك)، كلما زاد عدد القادمين المشاة من الزوار، فتكون الطلبات على الادوية كثيرة، ومع ذلك نحن منذ الآن على استعداد لتلبية ما يحتاجه زوار ابي عبد الله (ع) من رعاية واهتمام.
هل واجهتكم حالات صعبة حتى الآن؟ أجابنا الممرض عدنان مشيرا الى سيارة الاسعاف التي تقف على مقربة منهم: هل ترى تلك السيارة، انها مخصصة لنقل الحالات الطارئة الى المستشفى الحسيني اكبر مستشفى في كربلاء المقدسة، وهناك توجيهات دقيقة لتقديم كل اشكال الرعاية لمن يحتاجها من الزوار، لم تواجهنا حالات صعبة حتى الآن، وندعو من الله تعالى ان يحمي ويحفظ الزوار الكرام من كل مكروه.
الطبيب (مؤيد صالح/ اختصاص قلب/ 30 سنة)، من ضمن الكادر الصحي الذي لا يكف عن تقديم الخدمات الصحية لمن يحتاجها من الزوار، سألناه عن تأثير التعب على الزوار، وخاصة كبار السن، والمصابين بالامراض المزمنة، كضغط الدم والسكري، ومدى تأثير التعب على القلب؟، فقال: تواجهنا حالات كهذه، ولكن الجانب الروحي واصرار الزائر على اداء الزيارة، وحبه وتعلقه بالامام الحسين (ع)، وامله بالشفاعة، يساعد الزوار المرضى كثيرا في تجاوز مصاعبهم الصحية، وبعضهم يقول لنا، انه ينسى أخذ دواء السكر وضغط الدم وهو يواصل السير الى مدينة ابي عبد الله (ع)، ومع ذلك نحن نبقى مستعدين لتلبية ما يحتاجه الزوار من أدوية وعلاجات سريعة، إننا نخدم الامام الحسين (ع)، ونحيي مبادئه، ونحاول ان نكثر من عمل الخير لصالح الجميع.
نتعلم القيم الجيدة من عاشوراء
رجل كبير في السن، على اعتاب السبعين، انه (الحاج ابو عباس الزيدي من الناصرية)، سألناه عن حالته الصحية وهل وجد الرعاية المطلوبة، من المفارز الطبية او الجهات الصحية الاخرى، فقال: أحمد الله تعالى واشكره على عنايته ورحمته بنا، لا اعاني من شيء والحمد لله، اما الرعاية، فهي موجودة والناس لم يقصروا معنا بشيء، لو أننا نتعامل مع بعضنا هكذا بهذا الاسلوب طول السنة، لأصبحنا شعبا متعاونا وجيدا، اتمنى من الزوار ومن العراقيين ان يتعاملوا مع بعضهم هكذا على طول السنة وفي كل الايام، وليس فقط في مناسبة الزيارة.
نعم نحن نحتاج ان نتعلم خدمة بعضنا البعض، ونستفيد من زيارة عاشوراء وطقوسها لكي نصبح اكثر رحمة ورأفة ببعضنا، هذه هي مبادئ الامام الحسين (ع)، نتمنى ان يسير عليها المسلمون جميعا، والناس هنا في العراق في اشد الحاجة للتعاون مع بعضهم، حتى لا تأخذهم موجة العنف نحو الدرك الأسفل، ولهم في عاشوراء وحالات التعاون درسا في تطوير حياتهم وعلاقاتهم واخلاقهم وقيمهم، وحتى المفردات التي يتعاملون من خلالها مع بعضهم.
واخيرا نقول، صحيح ان الفرق الطبية تؤدي الآن عملها الوظيفي في كربلاء المقدسة، ضمن توجيهات وزارة الصحة لها في مثل هذه المناسبات الدينية الكبيرة، ولكن يبقى التعامل الانساني والسلوك الحضاري هو الأساس، وهذا بالضبط ما نتمنى ان نستلهمه من مبادئ سيد الشهداء (ع)، نسأل الله تعالى أن يستلهم الزوار الكرام واهل العراق منهم، كل القيم الحسينية التي تزيد الأمة رفعة وتقاربا وتضاعف من ألفتهم وتعاونهم، فنحن نحتاج في هذا الزمن العصيب الى سراج يضيء لنا طريق التقدم الى امام دائما وأبدا.
اضف تعليق