ماذا أراد الحسين (ع)، عندما توجّه من الحجاز الى العراق، معلنا ثورته على يزيد؟، هل كان باحثا عن سلطة؟؟، أم كان ذا هدف واضح، يقوم على مبادئ واضحة، غايتها الإصلاح؟، هذا التساؤل، طرحه كثيرون عبر التاريخ، فمنذ سنة 61 هـ، حيث انطلقت ثورة الامام الحسين، وهناك فريق يقول أن الهدف من الثورة الحسينية هو الوصول الى السلطة، في حين أن الحسين (ع)، أعلن منذ البداية أنه (خرج من أجل الاصلاح في امة جدّه)، في قوله الشهير: (إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي).
وقد أثبت المؤرخون الحياديون، حتى من أهل السنة، أن يزيدا كان حاكما منحرفا، وهناك أدّلة لا يمكن نكرانها أو إخفاءها، بأن هذا الحاكم، كان يتّسم بالطيش والتهور، واللهاث وراء الملذات، وكان الظلم والطغيان والانحراف عنوانا عريضا لشخصيته، فضلا عن بحثه عن التسلية واللهو، وترك مصالح المسلمين، والاهتمام بالسلطة لذاتها، وليس لخدمة الأمة.
في وضع كهذا، لا يمكن الصمت، وقد صار الانحراف عنوانا لخلافة المسلمين، لاسيما أن هذه التغييرات العكسية طالت جوهر الاسلام، وحرّفت كل ما جاءت به الرسالة النبوية، بسبب منهج يزيد الذي تجاوز على حرمات الاسلام كافة، من هنا انطلق صوت الثورة الحسينية، وشدّ الرحال من الحجاز الى العراق، لوقف التدهور السلطوي الاخلاقي الاجتماعي الاسلامي الذي أخذ يدمّر كل ما بناه الرسول الكريم (ص) وقادة الاسلام العظام.
إذاً نحن أمام معادلة تتكون من طرفين متناقضين، الاصلاح ازاء الفساد، وقد ان الدافع لانطلاق ثورة الاصلاح الحسيني، هو الفساد الأموي ممثلا بيزيد وأفعاله التي يدّعي المؤيدون له من الكتاب والمؤرخين، بأنها أفعال واعمال ذات صبغة شخصية في محاولة مستحيلة لتبريرها، متناسين بأنه كان يمثل رأس السلطة في دولة المسلمين، وانه بدلا من يصبح نموذجا اسلاميا جيدا لهم، صار من أسوأ رموز التسلط والانحراف والطيش، لدرجة أن الكفاح ضده، صار أمرا شرعيا لا يمكن التغاضي عنه.
وهكذا وقف الإصلاح في وجه الفساد، ووضع له حدا، في ثورة كتب التاريخ فحواها ومنجزاتها في ذاكرة البشرية الى الأبد، بوصفها النموذج الأعظم للثورات الانسانية التي رفضت الظلم وانتصرت للقيم الانسانية والحرية والسلام، وهو أمر بات واضحا للجميع، حتى المناهضين للحسين (ع)، أولئك الذين يرون في يزيد غير ما رآه التاريخ الحقيقي وأثبته بالأدلة القاطعة كعنوان عريض وأصيل للفساد الحكومي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
لا تنافساً في سلطان
ورد في كتاب تحف العقول قول للإمام الحسين (ع): (اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام).
إن الحسين (ع) سلسل الدوحة النبوية، وابن سيد البلغاء ونصير الفقراء، وأبو الأيتام، الأمام علي بن ابي طالب (ع) الذي لم تكن تغمض له عين حرصا على المسلمين، فهو القائل (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، وهو الذي نزلت في حقه آيات من الذكر الحكيم، بخصوص إطعام الأيتام ورعايتهم (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)، في مثل هذه الحاضنة العظيمة نشأ وترعرع الامام الحسين، وتربّى في كنف جده الرسول الأكرم (ص)، إن شخصية كهذه أخذت سماتها وصفاتها ومَلَكاتها من جذور الانسانية الخالدة، لن يغريها حطام الحياة.
ويكمل الإمام الحسين (ع) كلمته قائلا: (ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، لكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك). فالهدف الأول لتوجّه الحسين (ع) الى العراق هو الإصلاح، حتى يأمن المسلمون من شرور الطغاة، وليس رغبة بحطام الدنيا.
وفي هذا المنهج الحسيني الذي لا يحتاج الى إثبات، هناك درس عظيم لقادة المسلمين اليوم، فهناك حكام يقولون أنهم مسلمون، وينتمون الى حركات وكتل واحزاب اسلامية، بل هناك حكومات اسلامية، فهؤلاء الحكام والمسؤولون، وهذه الحكومات جميعا، ليس أمامهم سوى الاستفادة من الدرس الحسيني الخالد، فحطام الدنيا زائل، وامتيازات السلطة تزول، ولا يبقى سوى العمل القيادي الانساني الصحيح والمسؤول.
ولعله من البداهة القول أن من يعلن انتماءه لمنهج الاصلاح الحسيني عليه أن يخضع للسلطة ومغرياتها، وعليه أن لا يسقط صريعا لامتيازاتها، وعليه أن لا ينسى لحظة واحدة، أن الامام الحسين (ع) وذويه واصحابه وأتباعه، قدموا كل ما يملكون من اجل رفعة المسلمين، ومن ان أن تُصان حرمة الانسان وكرامته، كي يعيش كريما، فهل يجوز لمن ينتمون للمنهج الحسيني السقوط تحت أقدام السلطة صرعى صاغرين؟؟!.
هذا ما نراه للأسف في عالمنا السياسي العربي الاسلامي اليوم، فهناك من أخذته السلطة وأمسكت به من تلابيبه، لدرجة أن لم يجد خلاصا منها، مع انه يعلن انتماءه للحسين (ع)، فكيف ينتمي للمنهج الحسيني وهو يتخذ من (الفساد) منهجا لسلوكه وقياده وأعماله؟، إن هذا التناقض بين القول والفعل، ينبغي أن يتنبّه له بعض القادة والمسؤولين في العراق وسواه من الدول العربية والاسلامية.
مبادئ عاشوراء قيد التطبيق
تعرض علينا بعض الصور التي يتم نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الاعلام الاخرى، أفعال جيدة لبعض المسؤولين، وخاصة في احياء مراسيم عاشوراء، نشعر من خلالها بموقفهم المساند للناس ونرى نزعتهم الانسانية، ولكن كم نصاب بالخيبة عندما نقارن بين مضامين هذه الصور، وبين ما يقوم به هؤلاء السياسيون على صعيد المسؤولية!.
إن البون شاسع بين ما تعرضه الصور، وبين ما يعرضه واقع المسؤولية، لقد عانى المسلمون من حكامهم وحكوماتهم ومسؤوليهم كثيرا، بسبب التجاوز على حقوقهم وثرواتهم وحتى حرياتهم، في حين يعلن هؤلاء بأنهم ينتمون لمبادئ عاشوراء، ويعملون وفق الفكر الحسيني، ولكن عندما نأتي الى الواقع وما يفرزه من نتائج لأعمال هؤلاء الساسة، نجد العكس تماما، حيث الفقراء في حالة ازدياد، ومشكلات الجوع والمرض والتخلف تتفاقم.
لماذا يحدث هذا مع المسؤولين الذين يعلنون انهم حسينيون؟، في الحقيقة ليست هناك اجابة سوى أن هذه الأقوال التي يعلنها بعض المسؤولين، تبقى مجرد أقوال، لا يتم تطبيقها بصورة فعلية، وإلا لو أن كل مسؤول وقائد وسياسي ذو منصب حساس ومهم، يطبّق منهج الاصلاح الحسيني الذي يعلن انتماءه له، لما بقي فقير واحد بين المسلمين، كما كان الامر في حكومة الامام علي (ع)، الذي كان يستغرب وجود فقير واحد في قارعة الطريق.
لهذا لا يكفي للمسؤول، أن يظهر بصور تساند الناس وتقف الى جانبهم في مناسبة عاشوراء فقط، او في مناسبات دينية او وطنية اخرى، إنما المطلوب أن يتمسك المسؤول بالإصلاح الحسيني من حيث التطبيق الفعلي، وأن يلمس الناس المسلمون جميعا هذا التطابق بين ما يعلنه المسؤولون وبين ما يفعلونه من خلال مناصبهم ونفوذهم.
إن أي خلل في هذا الجانب سوف يظهر أمام الناس جميعا، ولا يمكن لأي مسؤول أن يخفيه عن الشعب والأمة في ظل وسائل الاعلام الحديثة ومواقع التواصل، فضلا عن أن الله تعالى لا يُخفى عنه شيء، ولذلك يتطلب الانتماء لمنهج الإصلاح الحسيني مقارعة تامة لكل انوع الفساد وأشكاله، والعمل بإيمان وضمير خالص لإنصاف الفقراء، وتعميم العدالة بين الجميع، هذه هي المبادئ التي يتألف منها جوهر عاشوراء، لذلك على من يريد الانتماء للحسين (ع)، ليس أمامه سوى الالتزام بهذه المبادئ قولا وتطبيقاً.
اضف تعليق