الزيارة الأربعينية كظاهرة إجتماعية – دينية

للزيارة الأربعينية تأثير اجتماعي على مستوى المجتمع بأكمله. فهي تعكس التكافل الاجتماعي والترابط الاجتماعي، حيث يتجمع الناس معًا ويؤدون الشعائر المشتركة. كما يمكن أن تؤدي الزيارة الأربعينية إلى تأثيرات اجتماعية أخرى مثل التعاون والتعاطف بين الأفراد وزيادة الوعي الديني والقيم الاجتماعية المشتركة...

يدعو هذا المقال علماء الاجتماع في العراق وخارجه الى دراسة الزيارة الاربعينية بوصفها ظاهرة اجتماعية- دينية، وليس بوصفها شعائر دينية فقط.

الظاهرة الاجتماعية مفهوم يستخدم في علم الاجتماع لوصف ودراسة العمليات والأنماط والتفاعلات التي تحدث بين الأفراد أو المجموعات في المجتمع. يستخدم علماء الاجتماع هذا المصطلح لتحليل وفهم التفاعلات الاجتماعية وإشكالياتها وتأثيرها على الأفراد والمجتمع بشكل عام.

تشمل الظواهر الاجتماعية مجموعة متنوعة من العناصر والمواضيع، مثل الثقافة، والهوية الاجتماعية، والتغير الاجتماعي، والسلوك الجماعي، والعلاقات الاجتماعية، والقيم والمعتقدات. يهتم علماء الاجتماع بدراسة هذه الظواهر وتحليلها بشكل علمي لفهم تفاعلات المجتمع ودينامياته.

ويعود الفضل في فهمنا للظاهرة الاجتماعية الى عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم (1858-1917) (Durkheim) الذي يعتبر أحد أباء علم الاجتماع الحديث وأحد أبرز المفكرين الاجتماعيين في القرن العشرين.

فقد خصص فصلا كاملا لدراسة الظاهرة الاجتماعية في كتابه “قواعد المنهج في علم الاجتماع” بعنوان “ماهي الظاهرة الاجتماعية؟” وعرفها في نهاية الفصل بانها “كل ضرب من السلوك ثابتا كان ام غير ثابت يمكن ان يباشر نوعا من القهر الخارجي على الافراد او كل سلوك يعم في المجتمع باسره وكان ذا وجود خاص مستقل عن الصور التي يتشكل بها في الحالات الفردية”. (ص 68-69 من الترجمة العربية 1988).

شروط الظاهرة الاجتماعية

ولكي يعتبر الشيء ظاهرة اجتماعية ويتم دراسته من قبل علماء الاجتماع على هذا الاساس، يجب توفر مجموعة من الشروط الأساسية. هنا بعض هذه الشروط:

1- وجود تفاعل اجتماعي: يجب أن يكون هناك تفاعل بين الأفراد أو المجموعات، حيث يتفاعل الأفراد ويؤثرون في بعضهم البعض عن طريق التواصل والتفاعل الاجتماعي.

2- مشاركة الأفراد: يجب أن يشارك الأفراد في هذا التفاعل الاجتماعي، حيث يتواصلون ويشاركون في الأنشطة والممارسات الاجتماعية معًا.

3- الانتشار: يجب أن تكون الظاهرة منتشرة بين جماعة كبيرة من الأفراد وأن تكون لها تأثير شامل على المجتمع.

4- الثبات والاستمرارية: يجب أن تكون الظاهرة مستمرة وثابتة على مر الزمن، وأن تقوى وتتطور بمرور الوقت دون أن تنقرض تماماً.

5- الاستقلالية: يجب أن تكون الظاهرة مستقلة بذاتها عن الأفراد المشاركين فيها، ويجب أن يكون لها تأثير على الأفراد والمجتمع بشكل منفصل.

الظاهرة الاجتماعية هي فعل ذي ثلاثة ابعاد حسب السيد محمد باقر الصدر (1935-1980)، وهذه الابعاد هي: الفاعل والغاية والموج الذي يحدثه الفعل في المجتمع، او بالمصطلحات الفلسفية التي استخدمها الصدر: العلة الفاعلية، والعلة الغائية، والعلة المادية. وبحسب الصدر فلا يكون الفعل ظاهرةً اجتماعية ما لم يخلق موجا. (محاضرات التفسير الموضوعي، المحاضرة السادسة 1399 هجرية). ونحن نرى اليوم ان الزيارة الاربعينية تحولت الى امواج بشرية ولم تعد افعالا فردية ذات بعدين فقط هما الفاعل والغاية. فالظاهرة الاجتماعية موج اجتماعي يكاد يذوب فيه الافراد.

إذا توفرت هذه الشروط، فإن الظاهرة يمكن أن تعتبر ظاهرة اجتماعية قابلة للدراسة والتحليل من قبل علماء الاجتماع.

الزيارة الاربعينية.. ظاهرة اجتماعية

و يمكن القول أن هذه الشروط متوفرة في الزيارة الأربعينية. وللتوضيح، فإن الزيارة الأربعينية هي ظاهرة اجتماعية تحدث سنويًا في العراق ويشارك فيها ملايين الأشخاص من المسلمين، حيث يتوجهون إلى مدينة كربلاء لزيارة ضريح الإمام الحسين بن علي (عليه السلام).

الشروط التي توفرت في الزيارة الأربعينية:

1- تفاعل اجتماعي: يحدث تفاعل كبير بين زوار الزيارة وبين بعضهم البعض، حيث يتشاركون في التواصل والتفاعل الاجتماعي.

2- مشاركة الأفراد: يشارك الآلاف بل الملايين من الأفراد في هذه الزيارة، حيث يتوجهون جميعًا إلى نفس المكان ويلتقون هناك لأداء الزيارة المشتركة.

3- الانتشار: تجتذب الزيارة الملايين من الزوار من أنحاء مختلفة من العالم، وتؤثر على المدينة بشكل شامل وتحولها إلى مركز للتواجد الاجتماعي والمشاركة الجماعية.

4- الثبات والاستمرارية: تحدث الزيارة الأربعينية سنويًا وتعتبر تقليدًا دينيًا مستمرًا منذ قرون، ولا تتوقف بل تتطور وتنمو مع مرور الوقت.

5- الاستقلالية: تعتبر الزيارة الأربعينية ظاهرة اجتماعية ودينية مستقلة بذاتها وتؤثر في الأفراد والمجتمع بشكل منفصل ومتجاوب مع التوجهات والممارسات الدينية.

بناء على هذا يمكن القول أن الزيارة الأربعينية تُعتبر ظاهرة اجتماعية مستقلة مع ممارساتها وتقاليدها الخاصة بها، وتستمر بشكل منفصل عن الأحداث الاجتماعية الأخرى. وبالتالي فهي ظاهرة اجتماعية قابلة للدراسة من قبل علماء الاجتماع.

اجتماعية-دينية

نضيف ايضا ان الزيارة الأربعينية ظاهرة اجتماعية-دينية. عندما يجتمع العديد من الأشخاص لأداء شعائر دينية خاصة في زمن ومكان محددين، تنشأ العديد من الديناميكيات الاجتماعية المختلفة. تشمل هذه الديناميكيات المشاركة الجماعية، والتفاعل الاجتماعي، وبناء العلاقات الاجتماعية، وتبادل المعرفة والعادات والقيم الاجتماعية والدينية.

علاوة على ذلك، قد يكون للزيارة الأربعينية تأثير اجتماعي على مستوى المجتمع بأكمله. فهي تعكس التكافل الاجتماعي والترابط الاجتماعي، حيث يتجمع الناس معًا ويؤدون الطقوس المشتركة. كما يمكن أن تؤدي الزيارة الأربعينية إلى تأثيرات اجتماعية أخرى مثل التعاون والتعاطف بين الأفراد وزيادة الوعي الديني والقيم الاجتماعية المشتركة.

من الناحية الدينية، يمكن اعتبار الزيارة الأربعينية أيضًا ظاهرة دينية، حيث تحمل رمزية ومعنى دينيًا عميقًا لدى المشاركين. وتعتبر الرحلة إلى مقام الإمام الحسين في كربلاء في العراق خلال الزيارة الأربعينية واحدة من الطقوس والأعمال الدينية المهمة للمسلمين الشيعة.

بشكل عام، يمكن أن تصنف الزيارة الأربعينية كظاهرة اجتماعية ودينية في آن واحد، حيث تجمع بين العوامل الاجتماعية والدينية وتؤثر على الفرد والمجتمع بصورة متزامنة.

ويمكن ان نلاحظ ان الزيارة الاربعينية اخذت تتطور في السنوات الاخيرة لتعبر التخوم المذهبية والدينية فضلا عن القومية.

كيف تتم الدراسة؟

يجمع علماء الاجتماع البيانات ويستخدمون المنهج العلمي لدراسة الظواهر الاجتماعية وإيجاد النظريات والتفسيرات التي تساعد في فهم وتفسير سلوكيات الأفراد والمجتمعات. وتتراوح الظواهر الاجتماعية من الصغيرة والمحدودة إلى الكبيرة والعالمية، وتتأثر بالعوامل الهيكلية والثقافية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية.

يقوم علماء الاجتماع بدراسة الظواهر الاجتماعية باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب والتقنيات البحثية. هناك طرق عديدة يستخدمها علماء الاجتماع للتعرف على وفهم الظواهر الاجتماعية.

أحد هذه الأساليب هو المسح الاجتماعي، وهو تقنية استقصاء يستخدم في جمع البيانات من خلال إجراء مقابلات شخصية أو توزيع استبانات على عينة من الأفراد المشاركين. يهدف المسح الاجتماعي إلى جمع المعلومات الكمية والكيفية حول ظاهرة معينة وتحليلها.

تُستخدم أيضًا الدراسات التاريخية، حيث يعيد الباحثون بناء الأحداث الماضية ويدرسون المصادر الأرشيفية والوثائق التاريخية لفهم وتحليل تطور الظواهر الاجتماعية على مر الزمان.

بالإضافة إلى ذلك، يستخدم البعض البحث المراقب الذي يعنى بملاحظة السلوك الاجتماعي داخل مجتمع معين، ومن ثم تحليل وتفسير النتائج. تستخدم هذه الطريقة عادة في دراسة العلاقات الاجتماعية والديناميات ضمن هذه العلاقات.

بشكل عام، يستخدم علماء الاجتماع مجموعة من الأساليب البحثية مثل المراقبة، والمقابلات، واستبانات، والتحليل النظري، وعمل المجموعات النقاشية، لاستكشاف وتحليل الظواهر الاجتماعية من منظور علمي.

علم الاجتماع الديني

يمكن ان يقوم علم الاجتماع الديني بهذه الدراسة. علم الاجتماع الديني يدرس العلاقة بين الدين والمجتمع، وكيفية تأثير العوامل الاجتماعية على الدين والعكس بالعكس. بالنسبة للزيارة الأربعينية، يمكن استخدام علم الاجتماع الديني لتحليل وفهم تأثيرها على المجتمع والأفراد بصورة أعمق.

من خلال الدراسات الاجتماعية للزيارة الأربعينية، يتم تسليط الضوء على عدة جوانب. فمن المهم فهم كيف يؤثر هذا الحدث الديني على بنية المجتمع وتكوينه وتطوره. يمكن أن تقوي الزيارة الأربعينية الهوية الدينية والانتماء الاجتماعي للمشاركين، وتعزيز الترابط الاجتماعي والوعي الجماعي.

علاوة على ذلك، يمكن لعلم الاجتماع الديني أن يدرس نظم القيادة والهرمية الاجتماعية التي تعمل خلال الزيارة الأربعينية، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الديناميكيات الاجتماعية والتوازن في المجتمع.

أيضًا، يمكن أن يدرس علم الاجتماع الديني تأثير الزيارة الأربعينية على السلوك الاجتماعي والمعتقدات، وكيف يمكن أن تشكل وتغير القيم والتصورات الاجتماعية لدى الأفراد.

بشكل عام، يمكن لعلم الاجتماع الديني أن يوفر أدوات ومفاهيم لفهم التفاعل بين الدين والمجتمع فيما يتعلق بالزيارة الأربعينية وأثرها على الافراد والمجتمع في تجربة دينية مشتركة.

اي وعلم الاجتماع الديني هو فرع من فروع علم الاجتماع يدرس العلاقة بين الدين والمجتمع. يهتم علم الاجتماع الديني بفهم كيفية تأثير الدين على السلوك والتصرفات الاجتماعية، وكيف يتأثر الدين بالعوامل الاجتماعية.

ويقوم بتحليل المفاهيم الدينية والمذاهب والتنظيمات الدينية، ودراسة دور الدين في تشكيل الهوية الفردية والهوية الجماعية، بالإضافة إلى تأثير الدين على العلاقات الاجتماعية والأخلاقيات.

أساس علم الاجتماع الديني هو فهم الدين كظاهرة اجتماعية وتحليل كيفية تأثيره على السلوك والتصرفات والمعتقدات الاجتماعية. يساعد هذا العلم في فهم التطورات الدينية وتغيراتها في المجتمعات المختلفة، وفهم كيفية تأثير العوامل الاجتماعية المختلفة على الممارسات الدينية والمعتقدات.

بشكل عام، يهدف علم الاجتماع الديني إلى توفير فهم عميق للتفاعل المتبادل بين الدين والمجتمع، وكيفية تأثير كل منهما على الآخر وتشكيله وتغييره.

لدينا في كليات العلوم الانسانية اقسام متخصصة بعلم الاجتماع ويمكن لاساتذة هذه الاقسام وطلابها ان يدرسوا الزيارة على هذا الاساس.